الحرس الثوري الإيراني يعود إلى الخرطوم عبر بوابة الإخوان.. ما التفاصيل؟

الحرس الثوري الإيراني يعود إلى الخرطوم عبر بوابة الإخوان

الحرس الثوري الإيراني يعود إلى الخرطوم عبر بوابة الإخوان.. ما التفاصيل؟


14/11/2023

في 18 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي أعلنت (الجماعة الإسلامية) اللبنانية، الذراع السياسية للإخوان المسلمين، قيام جناحها العسكري (قوات الفجر)، بتوجيه ضربات صاروخية استهدفت مواقع إسرائيلية، ووعد بيان الجماعة بالمزيد من الرّد على أيّ هجمات إسرائيلية تطال الجنوب اللبناني.

رئيس المكتب السياسي للجماعة الإسلامية في لبنان علي أبو ياسين قال: إنّ إعلان قوات الفجر عن عمليتها في جنوب لبنان "هو أمرٌ طبيعي، فقوات الفجر كانت وما تزال، ولم يتوقف عملها الجهادي والإعدادي"، لافتاً إلى أنّ "قوات الفجر ستبذل ما تستطيعه للقيام بواجبها تجاه أهلها وأرضها ووطنها وأهل غزة".

وفي 21 تشرين الأول (أكتوبر) من الشهر نفسه وجّهت قوات الفجر ضربات صاروخية جديدة استهدفت مواقع إسرائيلية في الجنوب اللبناني، وتكرر الأمر في 29 تشرين الأول (أكتوبر)، حين وجهت قوات الفجر رشقات صاروخية جديدة استهدفت مواقع إسرائيلية في محيط كريات شمونة في شمال إسرائيل. وقالت الجماعة: إنّ ضرباتها الصاروخية ستستمر "كلما أمعنت إسرائيل وتمادت في عدوانها على جنوب لبنان وقطاع غزة". 

هذا التحول الدرامي في سير الأحداث على الصعيد العسكري، يرتبط بمدى تغول إيران داخل البنية السياسية للأذرع الإخوانية في الشرق الأوسط، فبالتزامن مع الاختطاف الإيراني للجماعة الإسلامية في لبنان، سارع حزب التجمع اليمني للإصلاح بمباركة الهجمات الحوثية على إسرائيل، بل دخل في مفاوضات علنية مع الحوثي لبحث سبل المشاركة في حكومة مشتركة مع صنعاء، قبل أن يأتي دعم إخوان السودان لقوات الفجر، ليؤكد عمق الهيمنة الإيرانية على التكوينات الإخوانية في الشرق الأوسط.

دعم إخوان السودان لقوات الفجر

في رسالة لافتة، وجّه المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين بالسودان سيف الدين أرباب تحية لقوات الفجر، الجناح العسكري للجماعة الإسلامية بلبنان، قال فيها: إنّ جماعة الإخوان السودانية تثمّن ما وصفه بــ "الإشراقات القوية، وبشريات النصر"، التي تمثلت في الدور العسكري الذي قامت به الجماعة الإسلامية بلبنان، بضربات متكررة لإسرائيل عبر قوات الفجر.

علي أبو ياسين: إعلان قوات الفجر عن عمليتها في جنوب لبنان هو أمرٌ طبيعي

رسالة المراقب العام لإخوان السودان لها أكثر من دلالة، فهي صادرة عن الجناح الأكثر نشاطاً ودينامية وارتباطاً بالجيش السوداني، ورغم ذلك لا يحظى باعتراف التنظيم الأم، الذي يصر على اعتبار مجموعة عادل على الله إبراهيم هي الممثل الشرعي الوحيد للإخوان في السودان. كما أنّها تزكي أكثر فصائل الإخوان في المنطقة ارتباطاً بطهران، فمنذ أن وصل الشيخ محمد طقوش إلى منصب الأمين العام للجماعة، أصبح الإخوان في لبنان أحد أهم الأوراق الوظيفية لفيلق القدس الإيراني في المنطقة.

تصريحات المراقب العام لإخوان السودان تأتي متسقة مع تاريخ طويل من التعاون الخفي بين الذراع الإخوانية، وفيلق القدس الإيراني، فحتى العام 2015 كان السودان نقطة عبور رئيسية للأسلحة الإيرانية، المتجهة إلى أذرع جبهة الممانعة؛ حيث إنّ الوضع في سوريا لم يكن يسمح بتحرك كهذا، وكان يتم شحن الأسلحة إلى السودان عن طريق البحر، قبل أنّ تتخذ قوافل التهريب مسارات صحراوية شائكة عبر مصر وصولاً إلى سيناء.

جاءت عودة العلاقات بين طهران والخرطوم في العام 2022 مفاجئة، ذلك أنّ القرار اتُخذ بينما كان السودان على وشك تطبيع العلاقات مع إسرائيل

تغير هذا المسار بشكل كبير إثر استعادة قوى الأمن المصرية سيطرتها على الحدود والمعابر، وانتهاء السيولة الأمنية التي واكبت أحداث كانون الثاني (يناير) 2011، ثمّ جاء سقوط الرئيس السوداني عمر البشير، ليسدل الستار بشكل كبير على هذه التحركات، لكن ظلّت الروابط قوية بين الإخوان في السودان والحرس الثوري الإيراني عبر خلايا الجماعة النائمة.

وفي 11 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري بحث رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان، مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، سبل تعزيز العلاقات الثنائية، بعد استعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في تشرين الأول (أكتوبر) 2022، وذلك على هامش القمة العربية/الإسلامية المشتركة الاستثنائية في الرياض. وأشار بيان صادر عن مجلس السيادة السوداني إلى أنّ اللقاء ركز على تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، ودفع التعاون في كافة المجالات. وأطلع البرهان نظيره الإيراني على آخر التطورات في السودان، بما في ذلك الصراع الدائر مع قوات الدعم السريع.

وكالة الأنباء الرسمية (إرنا) قالت: إنّ رئيسي أعرب عن استعداد إيران لتسهيل الزيارات المتبادلة للوفود الدبلوماسية، وتعزيز العلاقات في مختلف المجالات مع السودان.

هذا التطور اللافت جاء بعد أيام من دعم أرباب لقوات الفجر الإخوانية في لبنان، والتي يعلم القاصي والداني تواضع قدراتها العسكرية، وعدم قدرة عناصرها القتالية المحدودة على التعاطي مع القاذفات الصاروخية التي رشقت شمال إسرائيل، وأنّ الأمر كله تمّ عن طريق حزب الله الإيراني، الذي استخدم اسم الجناح العسكري للإخوان في لبنان؛ من أجل تخفيف الضغط الإسرائيلي على مواقعه في الجنوب. 

السودان طريق الحرس الثوري إلى الساحل والصحراء

جاءت عودة العلاقات بين طهران والخرطوم في العام 2022 مفاجئة، ذلك أنّ القرار اتخذ بينما كان السودان على وشك تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وبفضل الخلايا الإخوانية في الجيش السوداني تراجع التطبيع من تل أبيب، لصالح عودة قوية لطهران إلى الساحة السودانية.

وجّه المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين بالسودان سيف الدين أرباب تحية لقوات الفجر

جدير بالذكر أنّه بعد الانقلاب الإخواني المستوحى من الثورة الإيرانية، والذي أوصل عمر البشير إلى الحكم في العام 1989، مهد تحول السودان إلى جمهورية إسلامية الطريق لتوثيق العلاقات مع إيران، وهو ما تجلى في أول زيارة رسمية يقوم بها البشير إلى طهران، بعد (5) أشهر فقط من وصوله إلى السلطة، فضلاً عن الزيارات التي قام بها رؤساء إيران؛ هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي وأحمدي نجاد إلى الخرطوم. 

ولعب الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، والجيش السوداني، وقوات الدفاع الشعبية الإيرانية شبه العسكرية، دوراً مهماً في تعزيز العلاقات الثنائية مع الخرطوم خلال التسعينيات، وفي نيسان (أبريل) 1997 وقّع البلدان أكثر من (30) اتفاقية؛ تتراوح ما بين الأعمال التجارية والزراعية والتدريب العسكري. 

للسودان أهمية كبيرة في أجندة إيران التوسعية، خاصة فيما يتعلق بتدعيم الطوق الإيراني من القرن الأفريقي إلى الساحل والصحراء.

ومنذ ذلك الوقت، بدأ النفوذ الإيراني يتمدد داخل الجيش السوداني، ونشط ضباط المخابرات الإيرانيون في السودان، حيث توطدت العلاقات مع الأذرع الإخوانية المختلفة، وهو ما ظهر عندما قبل كلٌّ من السودان وتشاد عرض طهران للوساطة في صراع دارفور في العام 2008. وفي العام نفسه وقّعت إيران والسودان اتفاقاً عسكرياً، وأبدت القيادة الإيرانية معارضتها لمذكرة اعتقال البشير التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية. 

وعلى مدار ما يقرب من (3) عقود، كانت العلاقات بين إيران وإخوان السودان وثيقة للغاية. ومع ذلك، ابتداء من العام 2014، وبفعل النفوذ الإيراني المتزايد في البلاد، خاصّة في مجال التبشير المذهبي، قرّر البشير إغلاق جميع المراكز الثقافية الإيرانية، وطرد المسؤولين الدبلوماسيين والسفير من البلاد. وما زاد من تدهور العلاقات هو القرار السوداني في آذار (مارس) 2015 بالمشاركة في التحالف الذي تقوده السعودية ضدّ الحوثيين في اليمن المجاور. 

عادت إيران بقوة إلى السودان عبر بوابة الصراع العسكري بين البرهان وقوات الدعم السريع، وبفضل الروابط القوية مع الإخوان المسلمين، والتي أخذت دفعة قوية مع وصول سيف الدين أرباب إلى منصب المراقب العام، وهو المعروف بارتباطاته القوية بالحرس الثوري الإيراني.

عادت إيران بقوة إلى السودان عبر بوابة الصراع العسكري بين البرهان وقوات الدعم السريع

 ساهمت المساعدات الإنسانية التي أرسلتها إيران بعد اندلاع الحرب الأهلية في السودان، في تعزيز "القوة الناعمة" الإيرانية في الخرطوم من جديد. ولأنّ الحرس الثوري يفضل التعامل مع الجيش النظامي، ونظراً لعدم الثقة التي أبداها حميدتي تجاه طهران في أكثر من مناسبة، أصبح المراقب العام للإخوان هو عرّاب عودة النفوذ الإيراني إلى السودان، ومن ثم جاء دعمه الصريح لقوات الفجر الإخوانية في لبنان، كجزء من أجندة إيرانية جديدة، تقوم على مد نفوذ طهران في المنطقة العربية عبر الأذرع الميليشياوية الإخوانية.

وللسودان أهمية كبيرة في أجندة إيران التوسعية، خاصة فيما يتعلق بتدعيم الطوق الإيراني من القرن الأفريقي إلى الساحل والصحراء، كما أنّ الساحل السوداني على البحر الأحمر يتمتع بأهمية جيواستراتيجية خاصة، لقربه من الحوثيين على الضفة الأخرى، ووقوعه على أحد أهم خطوط التجارة العالمية. ومن جهة أخرى يسعى البرهان لتوسيع دائرة شركائه على الساحة الدولية، كما يسعى الإخوان، عبر قيامهم بدور الجسر الواصل بين الحرس الثوري والجيش السوداني، لتأكيد العودة بقوة إلى المشهد السياسي في أعقاب انتهاء الحرب الأهلية، ودعم مراكز نفوذ الميليشيا العسكرية الإخوانية (لجان العمل الشعبي) في أنحاء السودان. 

مواضيع ذات صلة:

استنساخ نموذج الحرس الثوري: كيف عملت إيران على تصدير ثورتها؟

سوق المخدرات في إيران... من زيندشتي إلى الحرس الثوري

اقتصاديات الحرس الثوري تفاقم الأزمات بين أجنحة النظام الإيراني




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية