
شهد معرض فرانكفورت للكتاب، وهو أحد أكبر الأحداث الأدبية في العالم، حالة من التوتر والارتباك، بالتزامن مع تصريحات غاضبة واتهامات، بعد إلغاء حفل لتكريم الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي، وهو القرار الذي أثار جدلاً ساخناً حول دور الأدب والمنظمات الثقافية في أوقات الصراع.
يقام المعرض سنوياً في مدينة فرانكفورت بألمانيا، وذلك منذ العام 1949 بعد الحرب العالمية الثانية، حيث كان من أهداف المعرض وقتها: إحياء صناعة النشر الألمانية، وتعزيز الحوار الثقافي بين ألمانيا وباقي العالم، إلى جانب عرض الكتب والعناوين الجديدة لدور النشر المختلفة. ويقام على هامش المعرض ندوات وورش عمل، وقد بدأت فعاليات الدورة الـ (75) في الفترة من 18 إلى 22 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري 2023، وشارك في هذه الدورة (4) آلاف دار نشر، من (95) دولة، ووصل عدد الزائرين إلى (180) ألف زائر، وكان من المفترض إقامة حفل تكريم لشبلي، لحصولها على جائزة فرانكفورت الممنوحة "للكاتبات من الجنوب العالمي"، عن روايتها "تفصيل صغير"، التي تبدأ عام 1949 خلال الاشتباكات بين القوات الإسرائيلية والعربية. يتضمن الكتاب وصفاً للاغتصاب الجماعي لفتاة بدوية وقتلها على يد إحدى وحدات جيش الاحتلال.
إلغاء تكريم عدنية على إثر الأحداث بغزة
وكانت (ليتبروم Litprom)، المنظمة التي تدير الجائزة، ويمولها معرض فرنكفورت للكتاب مع الحكومة الألمانية، قد أعلنت مؤخراً أنّها ألغت الحفل على شرف شبلي. كما تمّ إلغاء حلقة نقاش مع الكاتبة، التي تقسم وقتها بين القدس وبرلين، وقال يورغن بوس، مدير معرض الكتاب، في بيان يوضح القرار: "في ضوء الإرهاب ضدّ إسرائيل، تبحث شركة ( ليتبروم) عن تنسيق وإعداد مناسبين للحدث بعد معرض الكتاب". في البيان نفسه، قال بوس: إنّه في أعقاب الهجمات على إسرائيل، فإنّ المعرض "سيمنح الأصوات الإسرائيلية واليهودية وقتاً إضافياً على منصاته".
نالت رواية "تفصيل صغير" إشادة النقاد ولجان الجوائز، وتمّ ترشيحها لجائزة البوكر الدولية، وجائزة الكتاب الوطني. وقالت باربرا إيبلر، الناشرة التي أصدرت ترجمة إنجليزية للكتاب في عام 2020: إنّ الحدث الملغى كان مثيراً للقلق بشكل خاص؛ لأنّ الرواية هي إدانة لدوامة العنف التي لا نهاية لها في المنطقة. وقالت عن شبلي: "إنّها ليست شخصاً يتغاضى عن العنف بأيّ شكل من الأشكال، إنّها صوت للسلام والتفاهم".
انسحب العديد من دور النشر من الشرق الأوسط وآسيا من المعرض، منها: اتحاد الناشرين العرب بمصر، وجمعية الناشرين الإندونيسيين، وهيئة الشارقة للكتاب. وخلال حفل افتتاح المعرض ألقى الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجيك خطاباً أدان فيه القرار ووصفه بأنّه "فضيحة"
وانتقد آخرون الكتاب واختياره للجائزة. وقد استقال (أولريش نولر)، وهو أحد المحكمين الألمان للجائزة، من لجنة التحكيم هذا الصيف، عندما تمّ اختيار الكتاب. وقال ناقد أدبي في صحيفة (طاز) الألمانية ذات الميول اليسارية: إنّ الكتاب يصور "دولة إسرائيل كآلة قتل".
احتجاج وانسحاب بعد إلغاء التكريم
على إثر إلغاء الحدث، وقّع مئات المؤلفين والناشرين على رسالة احتجاج على المعاملة التي تتعرّض لها الروائية الفلسطينية عدنية شبلي، وفي الرسالة المفتوحة التي وقعها مئات الكتاب، ومن بينهم الكاتبة البولندية الحائزة على جائزة (نوبل) في الآداب أولغا توكارتشوك، وعبد الرزاق جورناه، وآني إيرنو، استنكر أعضاء المجتمع الأدبي إلغاء فعاليات شبلي. وجاء في الرسالة: "يتحمل معرض فرانكفورت للكتاب، باعتباره معرضاً دولياً كبيراً، مسؤولية خلق مساحات للكتاب الفلسطينيين؛ لمشاركة أفكارهم ومشاعرهم وتأملاتهم حول الأدب، خلال هذه الأوقات الرهيبة والقاسية، وليس إغلاقها".
وانسحب العديد من دور النشر من الشرق الأوسط وآسيا من المعرض، منها: اتحاد الناشرين العرب بمصر، وجمعية الناشرين الإندونيسيين، وهيئة الشارقة للكتاب. وخلال حفل افتتاح المعرض ألقى الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجيك خطاباً أدان فيه القرار ووصفه بأنّه "فضيحة"، وقد قاطعه مراراً وتكراراً أثناء حديثه سياسي محلي يُعدّ ممّن يسمّون مفوضي معاداة السامية في ولاية هيسن الألمانية.
وقال جيجيك في خطابه: "ما يسيطر عليّ ليست مشاعر الفخر فحسب، بل الشعور بالخجل أيضاً".
وكردّ فعل على انسحاب عدة دور النشر من المعرض، أصدر مديره يورغن بوس بياناً قال فيه: "يحزننا أن نرى بعض العارضين من المنطقة العربية يسحبون مشاركتهم في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب هذا العام، ولتبديد سوء الفهم الذي ربما نشأ في الأيام الماضية، نؤكد أنّنا نتعاطف مع الأبرياء المتضررين من هذه الحرب في فلسطين وإسرائيل، ونأمل حقاً أن يتم إيجاد سبل لإخراجهم من هذا العنف". وأضاف بوس: "يمثل معرض فرانكفورت الدولى للكتاب لقاء سلمياً للزوار من جميع أنحاء العالم، ومع اجتماع أشخاص من أكثر من (100) دولة في فرانكفورت كل عام، كان معرض الكتاب دائماً يدور حول الإنسانية، وكان تركيزه دائماً ينصبّ على الخطاب السلمي والديمقراطي".
لا شك أنّ ما وقع من سجال في هذا الحادث الثقافي رفيع المستوى عالمياً، يضعنا جيمعاً وقيماً محورية مثل العدالة والإنصاف والتكافؤ، على محك الفهم والخوف من تكرار مآسٍ بشرية مخيفة، مثل الصراعات الكبرى التي أودت بحياة الملايين من البشر، وأثرت على أجيال متعاقبة من تشوهات إنسانية تطلبت جهداً كبيراً لمحو أثرها. فلا يستوي أن يأتي ميزان السياسة العالمية المعوج إلى ساحات ثقافية، هي في الأخير ملاذ للإنسانية والقيم من تسامح وإنصاف وعدالة.
مواضيع ذات صلة:
- معرض أبوظبي للكتاب يستضيف تركيا ونصف مليون كتاب
- العراق ضيف معرض تونس الدولي للكتاب.. وسعيد يرحب بالوفد المشارك