الحرب الروسية الأوكرانية: لا غالب ولا مغلوب

الحرب الروسية الأوكرانية: لا غالب ولا مغلوب

الحرب الروسية الأوكرانية: لا غالب ولا مغلوب


07/02/2023

لا تزال الحرب الروسية الأوكرانية تفرض تداعيات جمّة على المستوى السياسي والإقليمي والأمني، بينما تتجاوز نطاقاتها في أوروبا إلى غيرها من المناطق التي تشهد صراع نفوذ جيوسياسياً بين القوى الكبرى. وفي ما يبدو أنّ مستويات الدعم العسكري من قبل الغرب وواشنطن لأوكرانيا تؤشر إلى أنّ السلاح لن يحسم الحرب، بل سيؤدي إلى إدامة الصراع.

حلفاء كييف.. تناقضات بشأن الدعم العسكري

هناك عوامل عديدة تقف وراء حسابات حلفاء كييف بشأن عملية الدعم العسكري، وقد أعلن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، استبعاده منح أوكرانيا طائرات إف 16، رغم الطلب الملح من قبل المسؤولين الأوكرانيين للحصول على دعم جوي عاجل، بينما أكد قائد القوات الجوية الأوكرانية، يوري إيهنات، حاجة بلاده إلى مائتي مقاتلة متعددة المهام، منها إف-16، حتى يكون بمقدور القوات الأوكرانية الدفاع عن أجوائها.

غير أنّ هناك تخوفات من صدام مباشر مع موسكو في ظل امتلاكها السلاح النووي، الأمر الذي يتبدى من التصريحات الغربية المرتبطة بالمساعدات العسكرية والتي تحمل تناقضات واضحة. ورغم أنّ بعض المقاربات الأوروبية في ما يخص المساعدات العسكرية تحمل مرونة تبدو أقل تشدداً من موقف بايدن، إلا أنّ هناك استدارة تجاه ضرورة إيجاد وسيلة سياسية ودبلوماسية لإنهاء الأزمة المحتدمة، وقد شدد المستشار الألماني، أولاف شولتس، على أهمية استمرار المحاولات الدبلوماسية لحل الأزمة في أوكرانيا، لافتاً إلى دوره المتواصل لإجراء المحادثات مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.

الباحث الروسي ديمتري بريجع: لا يمكن أن يكون هناك انتصار كامل

كما أنّ بولندا، التي أبدت استعدادها تزويد كييف بمقاتلات إف-16، قالت إنّ هذا الإجراء لا يمكن أن يتم غير "بتنسيق كامل" مع الأعضاء الآخرين في حلف شمال الأطلسي، الناتو، وفق ما ذكر رئيس الوزراء البولندي، ماتيوز مورافسكي.

ونفى الناطق بلسان رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، معرفته بوجود طلب أوكراني رسمي للحصول على طائرات حربية من بريطانيا، لافتاً إلى أنّ "مقاتلات تايفون وإف-35 البريطانية، شديدة التعقيد، وتتطلب تدريباً يستمر شهوراً للتحليق بها".

وأردف: "لهذه الأسباب نعتقد أنّ إرسال هذه المقاتلات لأوكرانيا ليس أمراً عملياً". كما كشف الناطق بلسان رئيس الحكومة البريطانية عن إجراء "محادثات مكثفة مع المستشارين العسكريين، وكانت المحصلة، أنّه بالنظر للتفوق الرقمي لروسيا، فإنّ حرب استنزاف مستمرة لن تفيد أوكرانيا".

مدير CIA: بوتين، غير جاد بشأن المفاوضات، لذا فالحل سيكون في ساحة المعركة خلال الأشهر الستة المقبلة، وهذا سيشمل كسر غطرسة بوتين

وتكاد لا تختلف هذه المواقف عن ما أعلنت عنه ألمانيا، حيث كشف الناطق بلسان الحكومة، ستيفن هيبيشترايت، منح بلاده دبابات "ليوبارد 1" لأوكرانيا. وقال: "يمكنني أن أؤكد أنّه تم إصدار رخصة تصدير لـ 88 دبابة".

إلى ذلك، ذكر وزير الدفاع الفرنسي، سيباستيان ليكورنو، أنّ باريس سترسل محطة رادار "غراوند ماستر 200" (GM200) لكييف لجهة دعم نظام الدفاع الجوي الأوكراني.

تهدئة محتملة ونهاية الحرب

يرجح الباحث الروسي في جامعة الصداقة بين الشعوب بروسيا، ديمتري بريجع، أنّ كل الأحاديث المتواترة عن أسلحة متطورة يتم تقديمها إلى الطرف الأوكراني (تؤدي لتغيير في توازنات القوى من الناحية الاستراتيجية)، مجرد "دعاية لا أكثر" بينما تهدف إلى "الاستهلاك المحلي والخارجي"، موضحاً لـ"حفريات" أنّه "لو كانت روسيا تريد، فعلياً، ضرب الأسلحة المقدمة من الغرب لكييف لكانت استهدفت السكك الحديدية، والمناطق التي يتم يستعين بها الغرب في نقل هذه الأسلحة. ولكن لم نر هذه الخطوة العنيفة، حتى الآن".

ويردف بريجع: "الغرب بتقديمه أسلحة لأوكرانيا يحاول استنزاف القدرات العسكرية الروسية؛ لأنّ خسارة أوكرانيا قد تعني دخول أوروبا والسياسة الأمريكية في نفق مظلم. وهناك أزمة حقيقية بشأن تقديم صواريخ بعيدة المدى لكييف، الأمر الذي سيعطي المجال للقوات الأوكرانية باستهداف شبه جزيرة القرم، ثم محاولة فرض السيطرة عليها".

منعطف التهدئة قد يبدأ نهاية هذا العام، وفق تقديرات الباحث الروسي في جامعة الصداقة بين الشعوب بروسيا؛ حيث إنّه في روسيا كما في أوكرانيا والولايات المتحدة الأمريكية هناك "الانتخابات الرئاسية عام 2024. والسؤال الملح هو: كيف سيكون برنامج بوتين في ظل الوضع المأزوم حالياً؟".

وفي ما يخص السؤال الذي طرحه بريجع، يطرح رؤيته ومفادها أنّ "الانتخابات الرئاسية في روسيا ستكون خطوة محتملة نحو السلام؛ لأنّه ليس من السهل العمل على الانتخابات في ظل حالة الحرب. ولكن كل طرف سيحاول الاستفادة من حالة النزاع من أجل كسب عدد كبير من الأصوات".

الانتخابات الرئاسية في روسيا ستكون خطوة محتملة نحو السلام

ويؤكد بأنّه لا يمكن أن يكون هناك "انتصار كامل لطرف على حساب الآخرين. فقد ينتهي الصراع بعمل منطقة منزوعة السلاح في المقاطعات الأربع، والعمل على أن تكون هذه المناطق مستقلة. ولكن لن يحدث ذلك إلا بعد صراع طويل الأمد. فالطرف الأمريكي لن يتنازل عن سياسته؛ لأنّ خسارة أمريكا في الملف الأوكراني قد تعني خسارة هيمنة واشنطن على العالم، وأيضاً لن يتنازل بوتين، في الوقت الحالي، عن سياساته، والتي ستعني نهاية وجودية له وطموحه في الحكم".

يتعين النظر إلى أنّ الدعم العسكري الهائل لأوكرانيا له "سقف محدد"؛ حيث إنّ الحسابات الاستراتيجية تجعل حلفاء أوكرانيا تتوخى "الكثير من الحذر" لعدم الانزلاق في مواجهة مباشرة مع موسكو و"استنزاف الطاقة العسكرية في أوروبا"، حسبما يوضح الباحث المتخصص في العلوم السياسية، الدكتور مصطفى صلاح، الذي أوضح لـ"ـحفريات" أنّ التكتيك الروسي يعتمد، مؤخراً، على تكثيف هجماته قبل وصول الدعم الغربي لكييف، تحديداً الدبابات المتطورة مثل "أبرامز" و"ليوبارد".

حرب وجودية

ويرى صلاح أنّ هناك متغيرات ميدانية تجعل الحرب في كييف لا تعتمد على السلاح، فقط، لا سيما أنّ موسكو تعتبر هذه الحرب "حرباً وجودية"، كما أنّ الغرب وواشنطن لن تتنازل أحدهما عن الموقف بشأن ضرورة استجابة روسيا للشروط الجديدة في عدة قضايا باتت ملحة واستراتيجية، مثل مسألة الطاقة، وتقاسم النفوذ الجيوسياسي في آسيا وأفريقيا.

إلى ذلك، قال مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وليام بيرنز، إنّ الوكالة ترجح نتائج ستكون "حاسمة للغاية" بخصوص الحرب في أوكرانيا، وذلك خلال الأشهر الستة القادمة.

  الباحث الروسي ديمتري بريجع لـ"حفريات" "منعطف التهدئة قد يبدأ نهاية هذا العام؛ ففي روسيا كما في أوكرانيا والولايات المتحدة الأمريكية هناك الانتخابات الرئاسية

وفي لقاء جامعة جورج تاون، قال بيرنز، الخميس الماضي: "لا نعتقد أنّ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، جاد بشأن المفاوضات، لذا فالحل سيكون في ساحة المعركة خلال الأشهر الستة المقبلة، كما يبدو لنا، وهذا سيشمل كسر غطرسة بوتين".

وتابع: "لن يكون (بوتين) قادراً على التقدم أكثر في أوكرانيا فحسب، ولكن مع مرور كل شهر، فإنّه يواجه خطراً أكبر وأكبر بفقدان الأراضي التي استولى عليها بشكل غير قانوني".

ووفق مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، فإنّ "بوتين يراهن على أنّه يستطيع توفير الوقت له، وأنّه يستطيع سحق أوكرانيا، وأنّ الإرهاق السياسي سيسيطر على أوروبا، وسيشتت انتباه الولايات المتحدة"، لكن بيرنز يرجح أنّ "الحسابات الروسية خاطئة للغاية مثل قرار بدء الحرب في 24 شباط (فبراير) العام الماضي"، وهو ما ذكره مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لأحد نظرائه الروس، سيرغي ناريشكين (مدير الاستخبارات الخارجية)، في تشرين الثاني (نوفمبر) العام الماضي، حسبما قال.

مواضيع ذات صلة:

"دافوس" انتهى كما ابتدأ: أوكرانيا ووعود تعافي الاقتصاد

كيف توظّف روسيا الحسناوات لكسب العرب في الحرب ضد أوكرانيا؟

أردوغان يفعلها مجدداً: حسابات الربح والخسارة من الحرب في أوكرانيا



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية