الجهاديون وأوهام النصر الإلهي

الجهاديون وأوهام النصر الإلهي


28/03/2020

منصور الحاج

لطالما تعجبت من إيمان المجاهدين المطلق بأنهم "جند الله" ومن اعتقادهم الجازم بأن الله معهم وأنه لا محالة ناصرهم على أعدائهم ومتم نوره على أيديهم إن هم أخلصوا النية له والتزموا بأوامره واجتبوا نواهيه مهما قل عددهم وتواضعت خبراتهم الحربية وضعفت إمكانياتهم العسكرية.
إيمان مطلق يستمدونه من اعتقادهم بأنهم المخاطبون بالآيات والأحاديث التي تتناول قضايا الجهاد وأوامر القتال فيسقطون على أنفسهم كل الوعود الإلهية بالنصر والتمكين والاستخلاف بدون تشكيك في مصدر ذلك الإيمان أو إمكانية تحقق تلك الوعود على أرض الواقع.
ومن خلال متابعتي لبيانات وإصدارات التنظيمات الجهادية المختلفة بحسب طبيعة عملي لأكثر من عقد من الزمان في هذا المجال، لاحظت أنهم يرجعون الفضل إلى الله في كل ما يعتبرونه "انتصارا"، أما الهزائم فإنهم يلومون عليها أنفسهم ويردونها إلى ذنوبهم ومعاصيهم وتقصيرهم في طاعة الله وإخلاص النية له.
وأمام هذه الادعاءات للحركات الجهادية وقادة ومشايخ الجهاد بأنهم يجاهدون من أجل إعلاء كلمة الله وإيمانهم بأن الله سيهزم أعداءه على أيديهم، يجدر بنا أن نتساءل عن خصائص ذلك "النصر الإلهي" التي تميزه عن غيره في ظل الهزائم المتتالية التي يتلقاها الجهاديون في كل مكان.

كما يجدر بنا التساؤل عن أسباب تأخر هذا "النصر" الذي طال انتظاره وتحليل الآراء المتباينة التي يقدمها مشايخ الجهاد وقادة الجماعات الجهادية في تبرير ذلك. أما التساؤل الأهم في اعتقادي فهو عن الأسباب التي تحول دون مراجعة الجهاديين لإيمانهم المطلق بأنهم المخاطبون بالنص القرآني والتفكير في "النصر الإلهي" بواقعية بدلا من التضحية بالأرواح وإضاعة الوقت في المحاولات البائسة لتبرير تأخر نصر متوهم لا وجود له إلا في مخيلاتهم.
وعند تقييم "جهاد" حركة "طالبان" ضد قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة على سبيل المثال، فعلى الرغم من سقوط نظام طالبان وتكبد الحركة لخسائر فادحة وفشلها في حماية زعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن الذي أعلن مسؤوليته عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر فضلا عن المجاهدين العرب الذين تم اعتقال ومحاكمة المئات منهم، نجد أن التنظيمات الجهادية اعتبرت توقيع "طالبان" على اتفاق مع الولايات المتحدة "نصرا مؤزرا وفتحا مبينا".
ففي الثالث عشر من شهر مارس الجاري، أصدر تنظيم القاعدة بيانا بعنوان "إنا فتحنا لك فتحا مبينا" وصف فيه الاتفاق الذي وقعته حركة "طالبان" مع الولايات المتحدة بأنه "انتصار تاريخي كبير" و"نصر مؤزر" و"فتح مبين". كما أثنى زعيم تنظيم "القاعدة" في جزيرة العرب خالد باطرفي على طالبان في كلمة صوتية صدرت مؤخرا واعتبر توقيع الاتفاق تحقيقا لـ"وعد الله ورسوله".
ويتضح من خلال المثاليين السابقين أن تنظيم "القاعدة" والحركات التي تدور في فلكه أشبه بالغريق الذي يتشبث بقشة ففي ظل الضربات المتتالية التي يتعرضون لها في كل مكان والهزائم المتوالية التي يتكبدونها هنا وهناك، ولم يجدوا إلا هذا الاتفاق الذي تعهدت فيه "طالبان" على عدم تقديم الدعم للحركات الجهادية والتوقف عن قتال القوات الأميركية ليمنحوه سمة النصر الإلهي الذي طال انتظاره من أجل حفظ ماء الوجه ورفع الروح المعنوية للمقاتلين وتحفيزهم على مواصلة مغامراتهم العبثية.

وفي المقابل، وصف تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في مقال نشره في صحيفته الأسبوعية "النبأ" بعنوان "ربيع الجهاد في خراسان" الاتفاق بأنه "هدنة بين الصليبيين ومرتدي طالبان". كما تداول أنصار التنظيم في وسائل التواصل الاجتماعي مقالا بعنوان "طالبان والنصر الموهوم" وصف الاتفاق بأنه "خيانة واستسلام" وسخر من تصوير مؤيديه له بأنه "نصر بائن وإركاع للأميركيين".
وبالانتقال إلى تبريرات قادة ومشايخ الجهاد لتأخر "النصر الإلهي" يلاحظ أنهم يقدمون آراء متباينة لا يمكن التوفيق بينها مما يعكس حالة اليأس والتخبط التي يمرون بها ورغبتهم في تحفيز المجاهدين بأي شكل من أشكال الحجج والذرائع.
ففي تعليقه على مقولة "لو كنتم على الحق لنصركم الله ولو أن بشار على باطل كان انهزم من زمان" المتداولة في أوساط السوريين، قال رجل الدين السعودي عبد الله المحيسني المقرب من التنظيمات الجهادية في سوريا في تسجيل صوتي نشره الشهر الماضي: "النصر عندنا مختلف. النصر عندنا هو الثبات على دين الله. النصر عندنا هو عدم الانتكاس وعدم الرجوع عن الجهاد في سبيل الله والثبات على طاعة الله وطاعة رسوله.. نحن إن قتلنا منهم فنحن منتصرون وإن قُتلنا فنحن منتصرون لأن النصر عندنا ليس بالمعركة فقط إنما بثباتنا على دين الله".
هكذا، يا من تظن أنك تجاهد في سبيل الله وبكل بساطة ألغى المحيسني النصر الإلهي "القريب" ووعود هزيمة الكافرين والاستخلاف والتمكين وتحكيم شرع الله واختصرها في مجرد ثباتك على دين الله حتى تلقى حتفك وتلحق بمن سبقوك.

وفيما يختصر المحيسني النصر الإلهي في ثبات المجاهدين، يلقي عدد من مشايخ الجهاد في سوريا اللوم على السوريين في تأخر "النصر الإلهي" فأطلقوا حملة "كيف ينصرنا الله وفينا من يسبه" طالبوا فيها بقتل كل من يسب الله بعد استتابته لمدة ثلاثة أيام وإطعامه في كل يوم رغيفا "فإن أصر على كفره وزندقته تقطع رقبته ردة عن الإسلام".
أما الدواعش الذين أعلنوا دولة إسلامية وخلافة "على منهاج النبوة" وظنوا بأنهم الفئة المنصورة الذين سيتحقق وعد الله على أيديهم فأعدوا العدة وانتظروا قدوم "الروم" على أرض دابق السورية، هزموا شر هزيمة على يد الجيش السوري الحر في أكتوبر من عام 2016 وتبخرت على تلالها كل أحلامهم.
لقد جرب الجهاديون كل السبل من أجل تحقيق "النصر الموعود" واستحضروا كل التراث الديني لإثبات أنهم "الطائفة المنصورة" وقدموا كل التبريرات الممكنة لتأخر التمكين والاستخلاف ومن الأجدى الآن مراجعة منهجهم والاقتناع بأن الله ليس معهم ولا علاقة له بانتصاراتهم ولا بهزائمهم.
لقد حان الوقت لأن يتوقف دعاة الجهاد عن الزج بالشباب المسلم في أتون حروب لا يملكون أدنى المقومات المادية أو المعنوية للانتصار فيها فلقد بات من الواضح أنهم عاجزون عن إلحاق الهزيمة بأعدائهم في ظل غياب الشواهد الملموسة التي تثبت ادعائهم بأنهم "جند الله" الموعودون بالنصر والتمكين والاستخلاف.

عن "الحرة"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية