الجزائر: "نجاح الفساد في إعادة بناء نفسه"... رواية إخوانية زائفة

الجزائر: "نجاح الفساد في إعادة بناء نفسه"... رواية إخوانية زائفة

الجزائر: "نجاح الفساد في إعادة بناء نفسه"... رواية إخوانية زائفة


20/09/2023

عاد إخوان الجزائر إلى الصيد في المياه العكرة، عبر الترويج لمزاعم مفادها "نجاح الفساد في إعادة بناء نفسه من جديد"، (4) أعوام بعد الحراك الشعبي في 22 شباط (فبراير) 2019، لكنّ مصادر رسمية ومحللين سياسيين وناشطين اجتماعيين، نفوا صحّة "الرواية الإخوانية"، واعتبروها "زائفة"؛ فما التفاصيل؟  

 في منشور على صفحته الرسمية بمنصة التواصل (فيسبوك)، تحدّث الوجه الإخواني الجزائري عبد الرزاق مقري عمّا سمّاه "تفشي ظاهرة الفساد في مختلف القطاعات" ببلاده، واعتقد مقري، (62) عاماً، أنّ ما يتمّ تداوله يبقى "غيضاً من فيض"، متكئاً على أمثلة ـ لم يكشفها ـ لـ "مسؤولين في أعلى المستويات" على حدّ تعبيره، وعليه استفهم: "لماذا استطاع الفساد بناء نفسه من جديد بعد الحراك؟".

وأتى كلام الرئيس السابق لـ (السلم) مناقضاً لتشديد الرئاسة الجزائرية على أنّ "معدلات الفساد شهدت تراجعاً ملحوظاً"، تزامناً مع إبراز الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون التزام الدولة بمواصلة محاربة الفساد، بعدما تمكّنت من استرجاع الأموال المنهوبة، والمهرّبة، وتأكيده استرجاع (20) مليار دولار تمّ تهريبها خارج الجزائر في فترة امتدت من (10 إلى 12) عاماً خلت.

عبد الرزاق مقري

ووسط ما أثاره المرشح الإخواني المرتقب لرئاسيات 2024، نقلت وكالة الأنباء الرسمية عن الرئاسة الجزائرية أنّ: "ما كان بالأمس القريب، من فضائح فساد عمّت البلاد، والعديد من الاختلاسات وتهريب الأموال وجميع أشكال الاتجار، ناهيك عن تواطؤ الأوليغارشية المفترسة مع مسؤولين سامين في الدولة، قد ولّى نهائياً".

وتابعت الوكالة: "حتى وإن لم تتوصل الجزائر إلى اجتثاث الفساد كليّاً، إلّا أنّ مظاهره تبقى ضئيلة للغاية، حيث تراجع عدد قضايا الفساد في جزائر ما بعد الحراك، ما عدا بعض القضايا غير الداعية للقلق".

أتى كلام الإخواني مقري مناقضاً لتشديد الرئاسة الجزائرية على أنّ "معدلات الفساد شهدت تراجعاً ملحوظاً"، تزامناً مع إبراز عبد المجيد تبون التزام الدولة بمواصلة محاربة الفساد، بعدما تمكّنت من استرجاع الأموال المنهوبة، والمهرّبة

وجرى التركيز على أنّه "لن تكون هناك أيّ ظروف مخفّفة لأيّ مسؤول يثبت تورطه في قضايا فساد خلال تأدية مهامه"، وتمّ الاستدلال بقضية الوزير السابق للمؤسسات المصغرة، نسيم ضيافات، الذي أساء استخدام منصبه، فانتهى به المطاف إلى خلف القضبان، وفي ذلك ـ بحسب الرئاسة ـ "دليل على نهاية حقبة اللّا عقاب، حيث يتم حالياً معالجة الورم فوراً لمنع تفشيه، مثلما كان يحدث سابقاً".

قوى الجمود

في ما بدا أنّه ردّ قويّ على كلام مقري، لاحظ "مصدر مأذون" قيام من وصفهم "قوى الجمود" بـ "نشر أخبار كاذبة سعياً لتحقيق هدفين؛ ألا وهما تغليط الرأي الوطني والدولي حول وجود شيء فاسد في الجزائر الجديدة، وزعزعة ثقة الكوادر من خلال خلق جو من الخوف والريبة".  

وفي إشارة قوية إلى زيف "الرواية الإخوانية"، أشار المصدر ذاته إلى أنّ "من ينقلون هذه المعلومات المغلوطة قد جانبوا الصواب، لأنّ الواقع غير ذلك، فمن بين عشرات آلاف الكوادر ورؤساء المؤسسات في البلاد، لا يوجد سوى بعض العشرات خلف القضبان بسبب تورطهم في قضايا فساد، ومن غير المجدي حقاً أن نضيع بحثاً عن الدوافع الخفية لدعاة الركود".

هيثم رباني: الضرائب لا تستطيع مواجهة هذا الفساد بسبب التواطؤ أو بسبب نقص الإمكانات

على النقيض، رأى الخبير السياسي هيثم رباني أنّ "الفساد عاد بقوة عبر التهرب الضريبي"، معتبراً أنّ "ضرائب بلاده لا تستطيع مواجهة هذا الفساد بسبب التواطؤ أو بسبب نقص الإمكانات، كما أنّ الآليات القانونية لمكافحة التهرّب الضريبي هشّة".

ولفت رباني إلى أنّه "في الجزائر، ما يزال التهرب الضريبي غير مجرّم، إذ ما يزال جنحة"، وقدّر أنّ "قانونية إرجاع المال المهرّب مقابل الإفراج من السجن ميّع قضية التهرب، وجعل من يمكنه الدفع، أن يُهرّب ما يشاء، وإن قُبض عليه دفع، وانتهت القضية".

وأضاف: "مشروع مكافحة التزوير الذي أمر به الرئيس تبون واجه مقاومة عنيفة من قبل لوبيات التزوير والتهريب وسرقة العملة، حيث وصل الحدّ بهؤلاء إلى العمل بكل جهد، كي لا تشدّد العقوبة في المادة (223) التي تعاقب مزوّري الوثائق العمومية مثل السجلات التجارية، وجرى إبقاء العقوبة مخففة وتتراوح من (3) أشهر إلى (3) أعوام سجناً، وفي غالب الحال لا إيداع فيها".

ونبّه رباني: "لو أريد الضرب بيد من حديد، لجرت معاقبة المخالفين، بمن فيهم أولئك الذين يزوّرون شهادات ميلاد أو وصفات طبية للحصول على بيوت أو تعويضات دوائية، بالسجن النافذ من (5) أعوام إلى (15) عاماً سجناً".

واستطرد: "تدخلّ المنظمة الوطنية للمحامين والشرفاء في كلّ أجهزة الدولة، حال دون تنفيذ قانون مكافحة التزوير الذي كان سيكرّس التفرقة الاجتماعية بين من يمكن أن يدفع، ومن لا يملك قوت يومه".

محاولة يائسة للتبرئة

أوضح المحلل السياسي يونس بن شلابي أنّ ما يحاول تأكيده السياسيون، بشأن "إعادة بناء الفساد نفسه من جديد"، هو "محاولة يائسة للتبرئة"، مركّزاً على أنّ الأمر يتعلق بـ "استباق موجّه للمواعيد السياسية المرتقبة، وهو دليل كافٍ على عدم مشاركتهم في محاربة الفساد".

يونس بن شلابي: الواقع يقول إنّ قضية محاربة الفساد لا يُلائم استعمالها كورقة سياسية

وسجّل أنّ "هذه التصريحات، بقدر ما هي اتهامات سياسية، فإنّها أوراق خريفية بعد صمت وخمول شتوي منذ رئاسيات 2019"، شارحاً: "يبدو أنّ مصطلح تفشي الفساد وفق المنظور السياسي في الجزائر صار اتهاماً أكثر منه حكماً، فالواضح أنّ توجيه الاتهام بتفشي الفساد يستند إلى الجهة التي يقف فيها صاحب الاتهام، وسياسياً لم نرَ أيّ اتهامات لشخصيات مسؤولة تمّ إثباتها والحكم عليها قضائياً".

وأردف: "هذا هو الواضح والمتعارف عليه، فهناك شخصيات جرى اتهامها بالفساد المالي والسياسي، وحتى محاولات لتشويه تاريخها، وفي الأخير يتضح أنّ الأمر يتعلق بمجرّد اتهامات سياسية وإعلامية لتجاوز ظرف معين، وكذلك نرى أنّ استعمال مصطلح الفساد يكون في الغالب لدى أحزاب المعارضة، وهي إحدى أدواتها المعتمدة لإسماع صوتها السياسي".

في هجوم على الخرجة الإخوانية كتب الناشط الاجتماعي جلول بلقاسمي: للأسف الشديد، الطبقة السياسية ضعيفة، وهناك غياب تام للنخب، والتواصل الاجتماعي بات سلاحاً ذا حدّين، فمثلما ساهم في إخراج الشعب، ساهم في ظهور بعض السفهاء كقيادات

وخلص إلى أنّ "مصطلح الفساد لم يرتقِ إلى مستوى فتح ملفات لدى القضاء، أو استعمالها سياسياً لإسقاط الحكومة، أو اجتماعياً للفوز بالانتخابات، لأنّ الواقع يقول إنّ قضية محاربة الفساد لا يُلائم استعمالها كورقة سياسية، بقدر ما هي بحاجة إلى ترسيخها كثقافة دولة ومؤسسات، وليس فقط الإرادة السياسية".

في غضون ذلك، وفي هجوم على الخرجة الإخوانية، كتب الناشط الاجتماعي جلول بلقاسمي: "للأسف الشديد، الطبقة السياسية ضعيفة، وهناك غياب تام للنخب، والتواصل الاجتماعي بات سلاحاً ذا حدّين، فمثلما ساهم في إخراج الشعب، ساهم في ظهور بعض السفهاء كقيادات".

وغرّد الناشط جمال معراب بلهجة ذات مغزى: "لا تستطيع بناء سفينة جديدة بخشب قديم، والفاهم يفهم"، في حين أكّد أحمد معيش: "الأيادي المرتعشة لا تصنع القرار، ولا تقوَ على البناء والإصلاح".

مواضيع ذات صلة:

كيف أثر الإسلام السياسي في الجزائر على معركة العباءة بفرنسا؟

خارطة إسلاميي الجزائر : انحسار وتشرذم

إخوان الجزائر يستثمرون في لقاء المنقوش وكوهين... تفاصيل




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية