الجزائر: مقاطعة الاستفتاء نكسة لاذعة لـ "النظام"

الجزائر: مقاطعة الاستفتاء نكسة لاذعة لـ "النظام"


كاتب ومترجم جزائري
04/11/2020

ترجمة: مدني قصري

كان النظام حريصاً على تنظيم استفتاء دستوري من المفترض أن يستجيب لمطالب الحراك، أي الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بوتفليقة عام 2019، لكنّ هذا الحرص كان، قبل كلّ شيء، لإنهاء هذه الفترة من الاحتجاج، وكان الجواب الشعبي: مقاطعة تاريخية.

فوز "نعم"، الذي أعلن عنه في وقت لاحق، سيظهر في صورة نادرة، بعد حملة انتخابية من جانب واحد، ولم يتمكن مؤيدو "لا" من تنظيم المسيرات

قاطع الجزائريون بشدة، الأحد 1 تشرين الأول (نوفمبر)، الاستفتاء الدستوري (1)، الذي كان النظام يراهن عليه؛ فقد بلغت نسبة الإقبال 23.7٪، اعترف بها في وقت متأخر من المساء، محمد الشرفي، رئيس الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات، وكانت المشاركة في الشتات أقلّ من 10٪.

ذهب ربعُ الـ 25  مليون جزائري فقط إلى صناديق الاقتراع، للاستفتاء على دستور جديد، يُفترض أنّه يطوي الصفحة على الحراك، هذه الثورة الشعبية والسلمية التي أطاحت الرئيس، عبد العزيز بوتفليقة، قبل عشرين شهراً.

نكسة لاذعة، بل ومهينة، لـ "النظام"، كما يقول أنصار الحراك، الذين تعذّر عليهم الاستمرار في التظاهر ببسبب أزمة كوفيد، وأيضاً بسبب القمع؛ لقد دعوا إلى مقاطعة الاستشارة، وهي "عملية تجميل" بسيطة، بحسب قولهم، لنظام رجال الأعمال العسكريين، الذي ضحى ببساطة بقائده عبد العزيز بوتفليقة، في نيسان (أبريل) 2019 من أجل البقاء بشكل أفضل، وهو الرأي الذي تشاطره الغالبية العظمى من الجزائريين، في ظلّ هذا الامتناع التاريخي عن التصويت.

اقرأ أيضاً: تمرير تعديلات الدستور الجزائري والنسبة غير متوقعة

وبالتالي؛ فإنّ فوز "نعم"، الذي أعلن عنه في وقت لاحق، سيظهر في صورة نادرة (حكاية مضحكة)، بعد حملة انتخابية من جانب واحد، ولم يتمكن مؤيدو "لا" من تنظيم المسيرات، لقد أزيلت الستائر في مقصورات التصويت لمنع لمسها من الناخبين، بحجة محاربة كوفيد.

الجزائريون لا يبالون

كان من المتوقع جداً الحصولُ على معدّل مشاركة منخفض للغاية؛ حيث أظهر السكان عدم اكتراثهم أثناء الحملة؛ فخلال الانتخابات الرئاسية، في 12 كانون الأول (ديسمبر)، التي كان من المفترض أن تضفي الشرعية على رئيس جديد للدولة، خلفاً لعبد العزيز بوتفليقة، لم تتجاوز نسبة المشاركة الـ 40٪، وهي نسبة تاريخية منخفضة، ومن سخرية الأقدار؛ أنّ الرئيس، عبد المجيد تبون، الذي أراد هذا الإصلاح الدستوري بأيّ ثمن، تمّ نقله في الأيام الأخيرة إلى المستشفى في ألمانيا، منذ يوم الأربعاء، لأنّه مصاب بـ "كوفيد 19"، وقد أكّد الوفد المرافق له، دون مزيد من التفاصيل، أنّ الرئيس (74 عاماً) في حالة مستقرة.

اعتمد النظام القائم منذ الاستقلال، عام 1962، على هذا الدستور الجديد، لإقناع الجزائريين بأنّ مطالبهم بالشفافية والديمقراطية قد أُخذِت بعين الاعتبار، المشروع الذي صادق عليه البرلمان، في أيلول (سبتمبر)، وبدعم من أطراف قريبة من النظام ووسائل الإعلام العامة، يظلّ مشروعاً رئاسياً للغاية، بل ويوسّع صلاحيات الجيش، حيث توكل إليه المادة 30 دورَ الدفاع عن "المصالح الحيوية للبلاد والجوانب الإستراتيجية".

لا ينصّ الدستور الجديد على أيّ تقليص في صلاحيات رئيس الدولة، الذي سيستمر في تعيين الحكومة، وثلث أعضاء مجلس الشيوخ والولاة والقضاة ورؤساء الأجهزة الأمنية

وبالنسبة إلى المتخصص في القانون الدستوري، ماسينسن الشربي؛ فإنّ هذه المادة "دعوة حقيقية من الجيش لدخول السياسة، لكنّها أيضاً ازدراء لمطالب الحراك الذي يطالب بدولة مدنية وغير عسكرية"، كما تسمح المادة 91 للجيش، للمرة الأولى، بتنفيذ مهام حفظ السلام خارج حدود البلاد.

نظام رئاسي ثابت

على عكس ما تمّ الإعلان عنه؛ لا ينصّ الدستور الجديد على أيّ تقليص في صلاحيات رئيس الدولة، الذي سيستمر في تعيين الحكومة، وثلث أعضاء مجلس الشيوخ والولاة والقضاة ورؤساء الأجهزة الأمنية، ومع ذلك؛ يمكن للرئيس أن يخدم فترتَين رئاسيتَين فقط، مدة كلّ منهما خمسة أعوام، ويتعيّن عليه تعيين رئيس للوزراء من الأغلبية البرلمانية، في حال كان حصل حزب غير حزب الرئيس على الأكثرية في نهاية الانتخابات التشريعية.

يدّعي النصّ الجديد أنّه يضمن حرية الصحافة(2) (ما يقرب من 100 ناشط ومدوّن وصحفيّ مسجونون حالياً)، وحرية تكوين الجمعيات والتجارة والاستثمار، وقد دفعت الموادّ المتعلقة بحماية حقوق المرأة، والمادة التي تجعل الأمازيغية (البربرية) لغة رسمية ووطنية، الأحزاب الإسلامية إلى المطالبة بالتصويت بـ "لا".

أزمة مزدوجة

هذه الصفعة الحقيقية في وجه النظام تأتي أيضاً على خلفية الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، والجزائر تدفع، اليوم، ثمن عقود من سوء الإدارة والفساد، بسبب اعتمادها الشديد على ريع المحروقات، الذي تحتلّ المرتبة الثانية فيه في أفريقيا.

الهيدروكربونات، التي انخفضت أسعارها العالمية بسبب فيروس كوفيد، كانت توفّر تقريباً جميع إيرادات العملة الأجنبية للبلاد، وأغلبية إيرادات الميزانية، وقد انخفض احتياطي النقد الأجنبي للبلاد من 162,4 مليار يورو (عام 2014) إلى 57 مليار يورو في نهاية عام 2019.


هوامش:

(1) بشكل غير مفاجئ، لكن بدون حماسة أيضاً، فازت الموافقة على دستور جديد، من المفترض أن يفتح هذا الاستفتاء حقبة جديدة في البلاد، ويبدو أنّ هذا الاستفتاء بعيد كلّ البعد عن أن يكون قادراً على الاستجابة لمدة عام ونصف العام من الاحتجاجات.

وفازت "نعم" بنسبة 66,80 % في الاستفتاء على مراجعة الدستور.

(2) في الواقع؛ يطرح الدستور الجديد سلسلة من الحقوق والحريات، لكنّه لا يقدّم أيّ تغيير سياسي كبير؛ فهو يحافظ على جوهر النظام "الرئاسي المتطرف"، "لقد نهضنا من أجل الديمقراطية، وليس من أجل نظام رئاسي عربي آخر"؛ هذا ما يقوله غالم، 40 عاماً، مدرّس في سيدي بلعباس (شمال غرب الجزائر).

وجاء الاستطلاع في جوّ من القمع "المتواصل" الذي استهدف نشطاء "الحراك" والمعارضين السياسيين والصحفيين، ومستخدمي الإنترنت، بحسب مدافعين عن حقوق الإنسان.

ووفق اللجنة الوطنية للإفراج عن المعتقلين "CNLD" يوجد حالياً حوالي90  شخصاً خلف القضبان، معظمهم بسبب منشورات على الفيسبوك.


مصدر الترجمة عن الفرنسية:

www.lesechos.fr



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية