في غمرة محاولات حركة النهضة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في تونس، البحث عن سبل عدة لإفشاله، تارة عبر دعوات المقاطعة وأخرى عبر التشويش والبلبلة، انطلق صباح اليوم الإثنين الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد، فقد فتحت مراكز الاقتراع داخل تونس أبوابها لاستقبال نحو (9) ملايين ناخب تونسي للتصويت على دستور جديد يضع حداً لتسييس الدين.
وبحسب إذاعة "موزاييك" التونسية، فقد فتح (4536) مركز اقتراع و(11236) مكتب اقتراع داخل تراب الجمهورية التونسية صباح اليوم الأبواب بداية من الساعة الـ6 صباحاً لاستقبال (8) ملايين و(929) ألفاً و(665) ناخباً للاقتراع على مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء.
ومن المقرر أن يتم فرز الأصوات فور انتهاء التصويت وإغلاق مراكز ومكاتب الاقتراع أبوابها في تمام الـ10مساءً، ليتم تجميع الأصوات في (27) هيئة فرعية قبل إرسال (33) محضر تجميع إلى مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، على أن تعلن الهيئة نتائج الاستفتاء الأولية مساء غد الثلاثاء، وتتولى التصريح بالنتائج النهائية إثر انقضاء الطعون وفي مدة لا تتجاوز الأحد 28 آب (أغسطس) المقبل.
وكان ماراثون الاستفتاء على دستور "الجمهورية الجديدة" قد انطلق للتونسيين في الخارج، أول من أمس لمدة (3) أيام تنتهي اليوم، في (47) دولة حول العالم بـ (298) مركز اقتراع تضم (378) مكتباً بالخارج، ليكون إغلاق المراكز بالخارج في الساعة الـ6 بالتوقيت المحلي، وآخرها مركز سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأمريكية .
ويبلغ عدد المسجلين للاستفتاء في تونس وخارجها (9) ملايين و(278) ألفاً و(541) ناخباً، من بينهم (8929665) بالداخل، و(348) ألفاً و(876) ناخباً بالخارج، بحسب إحصائيات هيئة الانتخابات.
بلبلة متعمدة
لم يخلُ مشهد التصويت في الاستفتاء على الدستور في الخارج من محاولات من سمّاهم رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر بـ"أطراف" لإرباك العملية التصويتية وبالتالي التشويش على الاستحقاق، فقد نقلت صحيفة "الحصاد" التونسية عن بوعسكر حديثه عن حدوث بلبلة واضطرابات "متعمدة" في عدد من مكاتب الاقتراع بالخارج.
وقال بوعسكر: إنّ اليوم الثاني من الاقتراع في الاستفتاء بالخارج شهد حدوث عدد من "الاضطرابات المتعمدة"، فقد تعمد عدد من الناخبين في دوائر فرنسا (1و2) وألمانيا التوجه إلى مكاتب اقتراع غير مسجلين فيها لافتعال بلبلة ومشاكل بـ"طريقة متعمدة لا تخلو من وقوف أطراف سياسية خلفها".
نقلت صحيفة "الحصاد" التونسية عن بوعسكر حديثه عن حدوث بلبلة واضطرابات "متعمدة" في عدد من مكاتب الاقتراع بالخارج
هذه المحاولات لا يمكن قراءتها بمعزل عن سعي حركة النهضة الدؤوب لإفشال الاستفتاء على الدستور، على الرغم من فشلها في الحشد ضد الرئيس التونسي قيس سعيّد والدستور الجديد الذي تقول الحركة وأحزاب المعارضة إنّه يمثل "انقلاباً"، بينما يعتبره هو أنّه "تصحيح للمسار".
وكشف بوعسكر أنّه تم إيقاف أطراف في تونس تواصلت مع هؤلاء الأشخاص بالخارج، وأنّ النيابة العامة التونسية تقوم بالتحقيق في ذلك، ممّا يطرح العديد من علامات الاستفهام حول ماهية تلك الأطراف، ومدى ارتباطها بالحركة المنتمية للإخوان المسلمين، الجماعة الأخطبوطية التي تتباهى دائماً بأنّ لديها أذرعاً في كلّ مكان بالعالم.
وفي السياق نفسه، أعلن رئيس هيئة الانتخابات التونسية أنّه تم أيضاً توقيف ناخبة في مركز اقتراع هامبورغ، بعد محاولتها تهشيم صندوق الاقتراع، محذّراً ممّا سمّاه "بث الشائعات" لإرباك العملية التصويتية من خلال مثل هذه الممارسات.
دستور ضد النهضة
منذ الإعلان عن البدء في إعداد دستور جديد للبلاد، رافق صياغة الدستور، المطروح للاستفتاء اليوم، العديد من الانتقادات الشديدة التي انطلقت غالبيتها من "محو الهوية الدينية" بهدف التصدي للأحزاب الدينية، وفي مقدمتها حركة النهضة، الذراع التونسية لجماعة الإخوان المسلمين، التي لطالما لعبت على وتر الدين واعتلى قادتها منابر المساجد لتجييش النفوس ضد الأنظمة الحاكمة ولحشد أصوات وأشخاص زعمت الحركة وجماعتها الأم أنّهم يمثلون جزءاً لا يتجزأ من الحركة، غير أنّ مظاهرات السبت الماضي في شارع الحبيب بورقيبة كشفت زيف ادعائهم، وكشفت أنّ الحركة باتت بلا غطاء شعبي، أمّا دينياً، فقد تعرضت قيادات النهضة، وفي مقدمتهم راشد الغنوشي، إلى الطرد من عدد من المساجد التونسية في شهر رمضان الكريم الماضي، وتداول نشطاء مقطع فيديو لقيام بعض المصلين في مدينة صفاقس التونسية بإنزال إمام مسجد دعا إلى مقاطعة الاستفتاء على الدستور.
وكان سعيّد قد أوكل، في نهاية أيار (مايو) الماضي، مهمة صياغة الدستور الجديد إلى أستاذ القانون الدستوريّ الصادق بلعيد، والذي أغلق الباب الدستوري أمام عودة الحركة الإخوانية والأحزاب ذات المرجعية الدينية للمشهد السياسي التونسي عبر محو الهوية الدينية للدولة.
منذ بدء إعداده، رافق صياغة الدستور المطروح للاستفتاء العديد من الانتقادات الشديدة، انطلقت غالبيتها من "محو الهوية الدينية"
وعلى الرغم من محوه من الفصل الأول والباب الأول، ظل "الإسلام" ديناً للدولة التونسية، ولكن على نحو مغاير لتطلعات حركة النهضة الإخوانية وأذرعها المختلفة، فقد نصت المادة الـ5 من الفصل الأول على أنّ "تونس جزء من الأمّة الإسلامية، وعلى الدولة وحدها أن تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النفس والعرض والمال والدين والحرية"، وفقاً لنسخة نشرتها إذاعة "شمس" التونسية.
مواضيع ذات صلة:
- مستقبل حركة النهضة في تونس..ماذا بعد إحالة الغنوشي إلى قاضي مكافحة الإرهاب؟
- مشروع الدستور التونسي يفجر حالة من الجدل... ما موقف حركة النهضة؟