التوظيف السياسي لــ"صلاة العيد"

التوظيف السياسي لــ"صلاة العيد"


27/04/2022

عمرو فاروق

تجيد تيارات الإسلام السياسي توظيف المناسبات الدينية، بما يحقق أهدافها المرحلية، لا سيما المناسبات التي تشهد حشوداً جماهيرية، ابتداءً من صلاة الجمعة، وصلاة القيام والتهجد، انتهاءً بصلاة العيد.

في محاولة لوقف المد الفكري للجماعات الأصولية في عمق الشارع المصري، سعت وزارة الأوقاف المصرية أخيراً لتطبيق مجموعة من الإجراءات التي ربما تحد من ظاهرة الهيمنة الفكرية على ساحات المساجد، لا سيما أن الموسم الرمضاني يشكل في قاموس التنظيمات المتطرفة، فرصة لتفعيل عمليات التجنيد والاستقطاب الفكري والتنظيمي.

شنت الماكينة الإعلامية لجماعة "الإخوان" والتيارات السلفية في الأيام الماضية هجوماً شديداً ضد قرارات غلق المساجد في صلاة التهجد، ومنع الاعتكاف، واختصار وقت صلاة عيد الفطر، ووجدت الفرصة سانحة للنيل من وزارة الأوقاف المصرية، التي حجّمت من سيطرتهم على المساجد ومنابرها، فضلاً عن زعمهم بوقوع دار الإفتاء والجمعية الفلكية المصرية في خطأ تحديد رؤية هلال شهر رمضان، وتبكيره يوماً قبل ميعاده، ما يعني عدم الدقة في تحديد هلال عيد الفطر بالتبعية.

تحصّنت الأجهزة الأمنية المصرية بخبرة طويلة متراكمة ومتطورة في مجال مكافحة الجماعات الإرهابية، منذ خمسينات القرن الماضي، في ظل أنظمة سياسية متعاقبة، ما منحها صياغة رؤية للتعامل مع الكيانات التكفيرية وعرقلة نشاطها وانتشارها، بعد إشعالها موجات العنف المسلح منذ تسعينات القرن الماضي، وما تلا ذلك من جرائم التطرف الديني عقب سقوط نظام الرئيس حسني مبارك في مصر.

تمكنت تيارات الإسلام السياسي من السيطرة على ساحات صلاة العيد، على مدار أكثر من 50 عاماً (بل وتصارعت في ما بينها عليها)، ابتداءً من جماعة "الإخوان"، و"الجماعة الإسلامية"، والتيارات السلفية من خلال الجمعية الشرعية، التي أسسها الشيخ محمود خطاب السبكي عام 1912، وجمعية "أنصار السنّة المحمدية"، التي أسسها الشيخ محمد حامد الفقي عام 1926، و"الدعوة السلفية" بالإسكندرية التي نشأت في سبعينات القرن الماضي، على يد إسماعيل المقدم، وعبدالفتاح أبو أدريس، وياسر برهامي.

حققت تيارات الإسلام السياسي أهدافاً عدة من خلال السيطرة على ساحات صلاة الأعياد، منها استعراض القوة أمام النظام السياسي الحاكم، وكسب تعاطف الشارع المصري، واستغلال العاطفة الدينية والاحتكاك المباشر مع الجماهير العريضة والظهور بمظر الحامي والمدافع عن الشعائر الإسلامية.

لم تغفل الجماعات الأصولية في سيطرتها على ساحات صلاة العيد من استفراز الأجهزة الأمنية وتشويه صورتها، إيحاء بأنها تعادي الشعائر الإسلامية، فضلاً عن تأكيدهم على أنهم الطرف القوي في المعادلة السياسية، ولا يمكن الاستهانة بتأثيرهم في قطاعات جماهيرية عريضة.

شككت الجماعات الأصولية عبر تاريخها، ولا تزال، في نتائج دار الإفتاء المصرية حول استطلاعات كل من هلال شهر رمضان وعيد الفطر، في محاولة لتوظيف الحدث واستغلاله لاشعال الفتنة في عمق الشارع المصري، فانحاز بعضهم – في فترة التسعينات من القرن الماضي - إلى البيانات الصادرة عن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء بالسعودية، تيمناً بتيار "الصحوة الإسلامية" الذي هيمن على بعض المؤسسات الدينية في فترة زمنية معينة.

بينما اتجه آخرون لتحري رؤية الهلال بأنفسهم عبر صعود قمة "جبل المقطم"، وعدم الاعتراف بما يصدر عن دور الإفتاء المصرية والسعودية، زعماً بأنهما يتبعان أنظمة سياسية وضعية، ولا يجوز الاقتداء بهما، وانتمى غالبيتهم لمجموعة تنظيم "الناجون من النار"، التي تأسست على يد التكفيري مجدي الصفتي، وتورطت في محاولة اغتيال كل من اللواء حسن أبو باشا، في أيار (مايو) 1987، واللواء النبوي إسماعيل، في آب (أغسطس) 1987، والكاتب الصحافي مكرم محمد أحمد، في حزيران (يونيو) 1987.

وسارت فئة منهم، إلى تكفير كل من يستند للعلوم الفلكية في تحديد رؤية الهلال، بشكل صريح، وأن على المسلمين أن يتخذوا منهم أميراً يتولى مسؤولية صعود الأماكن المرتفعة ورؤية الهلال بالعين المجردة، اقتداء بالمسلمين الأوائل، وشرعوا في تأسيس تنظيم أطلق عليه تنظيم "الرؤية الشرعية"، كان معظمهم من تلامذة الشيخ محمد عبد المقصود، أحد رموز تيار السلفية الحركية أو "سلفية القاهرة".

كانت تسعينات القرن الماضي، أشد المراحل الزمنية توظيفاً لصلاة العيد من قبل تيارات الإسلام السياسي، لا سيما المرحلة المنحصرة بين عامي 1993، و1995، التي كانت مملوءة بالأحداث السياسية، والعمليات الإرهابية الموجهة ضد رموز النظام السياسي، وفي مقدمهم الرئيس مبارك الذي تعرض لثلاث محاولات اغتيال على يد "الجماعة الإسلامية" و"تنظيم الجهاد".

كما شهد عام 1995 ثلاث محاكمات عسكرية لقيادات "الإخوان"، كان أشهرها القضية الرقم 1995/8 جنايات عسكرية، إذ تم القبض على 49 من قيادات الجماعة في 2 كانون الثاني (يناير) 1995، عقب اجتماع لمجلس شورى التنظيم بمركزه العام في منطقة التوفيقية.

فثمة واقعة شهيرة تشكلت أحداثها في شهر رمضان عام 1995، في ظل تعمد تيارات الإسلام السياسي مخالفة بيان دار الافتاء بالقاهرة، في تحديد رؤية هلال عيد الفطر، معلنين التزامهم بيان لجنة الإفتاء في المملكة العربية السعودية، بهدف صناعة أزمة داخلية وإحراج النظام السياسي واستمالة الشارع المصري إلى موقفهم. إذ أعلنت جميع المساجد والساحات التي يسيطر عليها أنصار الجماعات الأصولية، صباح يوم 30 رمضان، استقبال أتباعهم احتفالاً بـ"صلاة العيد"، من دون مراعاة التزام بقية المصريين بإتمام صيام الشهر الكريم، وعلى رأسهم مسجد "التوحيد" بشارع رمسيس، ومسجد العزير بالله في منطقة الزيتون، ومسجد نور الإسلام بحي المطرية، ومسجد أدم بمنطقة عين شمس (مقر أنشطة "الجماعة الإسلامية")، ومسجد قولة بحي عابدين، ومسجد الرحمة المهداة بالأميرية.

وكذلك تقدم المشهد بعض دعاة السلفية الحركية، أمثال الشيخ فوزي السعيد، والشيخ نشأت المصري، والشيخ سيد العربي، والشيخ محمد عبد المقصود، والشيخ وحيد عبد السلام بالي، وغيرهم.

وعلى رغم حدوث بعض المناوشات بين تيار "الإسلام السياسي" والأجهزة الأمنية، مرر النظام السياسي وقتها الأمر بهدوء شديد، لتفادي فتنة كبيرة، كان مخططاً لاستغلالها دولياً، فلم يكن مشهداً عبثياً، بل حيكت خيوطه في سواد الليل، بهدف افتعال الاشتباكات بين أنصار الجماعات الأصولية والأجهزة الأمنية، وإخراج المشهد وتصديره على أن الدولة المصرية تعتدي على المصلين في "صلاة العيد".

في ظل احتدام الموقف ومحاولة كسر هيبة الدولة المصرية، أصدرت بريطانيا بياناً عبر إذاعة "صوت لندن"، انتقدت فيه أداء الداخلية المصرية في تعاملها مع أتباع تيارات الإسلام السياسي، بناء على تقارير معارضة صادرة عن تكتل حقوقي موالٍ لجماعة "الإخوان" وعناصر أصولية.

في محاولة لتبرئة موقفها من الأزمة المفتعلة، ردت وزارة الداخلية برسالة شديدة اللهجة على لسان الوزير اللواء حسن الألفي، مصرحة أن 96 في المئة ممن تم القبض عليهم من العناصر المتطرفة، متورطون في قضايا عنف وإرهاب، وأن الدولة المصرية ملتزمة تطبيق القانون في مواجهة أعضاء الجماعات الأصولية.

عن "النهار" العربي

الصفحة الرئيسية