
منذ تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في عام 1928 على يد حسن البنا، قدمت الجماعة نفسها كحركة إصلاحية ذات أهداف دينية وسياسية، تدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية وتحقيق العدالة الاجتماعية. رفع الإخوان شعارات الحرية، العدالة، والتعددية السياسية، لكن مع مرور الوقت، بدأت تظهر تناقضات جلية في خطابهم وممارساتهم. هذه التناقضات أضعفت ثقة الجمهور بمصداقية الجماعة، مما جعلها عرضة لانتقادات واسعة، خصوصًا في الفترات التي تمكنت فيها من الوصول إلى السلطة أو التأثير السياسي.
أحد أبرز التناقضات يظهر في موقف الإخوان من الديمقراطية. فقد قدمت الجماعة نفسها كمدافع عن الحكم الديمقراطي، مطالبةً بإجراء انتخابات حرة ونزيهة، خاصة في فترات الحكم الاستبدادي مثل عهد الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر. ومع ذلك، بعد ثورة 25 يناير 2011 في مصر، وتولي الإخوان المسلمين السلطة، تغير الخطاب والممارسة بشكل ملحوظ. بعد انتخاب محمد مرسي رئيسًا في 2012، اتخذت الجماعة خطوات لتهميش القوى السياسية الأخرى، مما أدى إلى احتجاجات واسعة ضدهم. في ديسمبر 2012، أصدر مرسي إعلانًا دستوريًا يمنحه سلطات واسعة، وهو ما اعتبره المعارضون محاولة لتأسيس حكم استبدادي باسم الديمقراطية. هذا الحدث ساهم في تأجيج الاحتجاجات التي أدت في نهاية المطاف إلى عزله من السلطة في 2013.
وبينما كانت الجماعة تدعو في خطابها إلى قطيعة مع الغرب وتتهم القوى الغربية بالتآمر ضد العالم الإسلامي، إلا أن مواقفها العملية تكشف تناقضًا واضحًا في هذا السياق. بعد وصولهم إلى السلطة في مصر، سعى الإخوان إلى بناء علاقات جيدة مع الغرب، وخاصة الولايات المتحدة. في 2012، زار وفد من الإخوان واشنطن في محاولة لتقديم الجماعة كشريك معتدل يحترم الديمقراطية وحقوق الإنسان. هذا التناقض بين الخطاب الداخلي الموجه للجماهير المعادية للغرب والمواقف السياسية العملية أثار الكثير من التساؤلات حول مدى ثبات الجماعة على مبادئها.
التناقضات لم تتوقف عند الديمقراطية والعلاقة مع الغرب، بل امتدت إلى الملف الاقتصادي. في بداية نشاطهم، ركز الإخوان على قضايا العدالة الاجتماعية وحقوق الفقراء، لكن عندما وصلوا إلى السلطة، اتخذت سياساتهم منحى مختلفًا. في فترة حكم مرسي، لم تشهد مصر أي إصلاحات حقيقية لتحسين حياة الفقراء، بل استمر الوضع الاقتصادي بالتدهور، ووصلت نسبة الفقر إلى 26.3% وفقًا لتقارير 2013. هذه السياسات، التي لم تختلف كثيرًا عن السياسات النيوليبرالية التي سبق وانتقدوها، أثبتت أن الجماعة لم تكن قادرة على تنفيذ وعودها الاقتصادية.
ومن الجوانب الأكثر حساسية في خطاب الإخوان المسلمين هو موقفهم من العنف. رغم تأكيداتهم المستمرة على السلمية، فإن تاريخ الجماعة مليء بالأحداث التي تشير إلى تورطهم في أعمال عنف. من أبرز الأمثلة على ذلك اغتيال رئيس الوزراء المصري محمود النقراشي باشا في 1948، والذي نفذه أحد أعضاء التنظيم السري للإخوان. وعلى الرغم من محاولة الجماعة نفي ارتباطها بهذه الأعمال، فإن التناقض بين خطاب السلمية والممارسات الفعلية زاد من الشكوك حول نواياهم.
عندما نبحث في سجل الإخوان المسلمين في التعامل مع القضايا العربية والإقليمية، نجد أيضًا ازدواجية واضحة في مواقفهم. فبينما دعت الجماعة دائمًا إلى الوحدة الإسلامية والعربية، نجد أن تحالفاتهم ومواقفهم كانت في كثير من الأحيان تخدم مصالحهم السياسية فقط. في سوريا، على سبيل المثال، دعموا الجماعات المسلحة المعارضة للنظام السوري، وتبنوا مواقف مؤيدة للتدخل الخارجي، مما أدى إلى تناقض مع دعواتهم المعلنة للوحدة العربية.
في النهاية، نجد أن التناقضات في خطاب الإخوان المسلمين لم تكن مجرد زلات عرضية، بل أصبحت سمة متكررة. هذه التناقضات أفقدت الجماعة الكثير من مصداقيتها لدى شرائح واسعة من الجمهور، حيث بات من الصعب التوفيق بين شعاراتهم المعلنة وسلوكهم السياسي الفعلي. الجماعة التي رفعت شعارات كبرى عن الحرية والعدالة، وجدت نفسها عاجزة عن تطبيق هذه المبادئ في الواقع، مما جعلها في موقف صعب أمام خصومها السياسيين ومؤيديها على حد سواء.