التفاوت الطبقي يغذي العنف ضد الأجانب في جنوب أفريقيا

أفريقيا

التفاوت الطبقي يغذي العنف ضد الأجانب في جنوب أفريقيا


30/09/2019

على مدار الأسابيع الماضية؛ شهد جنوب أفريقيا أعمال عنف ضدّ الأجانب، ونهباً لممتلكاتهم على نطاق واسع؛ حيث نظّمت مجموعة من الأشخاص المسلّحين بالعصي مسيرات في جوهانسبرغ، تدعو المهاجرين الأفارقة إلى مغادرة أكبر مدينة في جنوب أفريقيا.

اقرأ أيضاً: الإرهاب غرب أفريقيا.. كيف يمكن مواجهته؟
وجاءت المسيرات، التي تخللتها أعمال عنف وأسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 10 أشخاص، بعد أسبوع مضطرب من الهجمات المميتة على المهاجرين الأفارقة والشركات المملوكة للمهاجرين في البلاد، وهذا العنف ليس جديداً على البلاد، وليس مفاجئاً؛ ففي الأعوام الأخيرة، نمت ظاهرة رهاب الأجانب في جنوب أفريقيا؛ حيث يلقَى اللوم على الأجانب في انتشار الفقر وتفشّي البطالة.
رهاب الأجانب
وقعت معظم أعمال العنف، التي بدأت في أواخر آب (أغسطس) الماضي، في بريتوريا وجوهانسبرغ؛ حيث يعيش العدد الأكبر من المهاجرين من دول أفريقية، وأثارت أنباء الهجمات عمليات انتقامية مضادة في زامبيا ونيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية؛ حيث استهدف المحتجون الشركات والمكاتب الدبلوماسية التابعة لجنوب أفريقيا.

رغم أنّ جنوب أفريقيا تمتلك ثاني أكبر اقتصاد في القارة السوداء لكنّها تعاني من أشدّ حالات التفاوت الطبقي المتوارثة

وجنوب أفريقيا عضو في مجموعة البريكس التي تضمّ روسيا والبرازيل والهند والصين وفي مجموعة العشرين، التي تعرف باسم "جي 20"، ورغم أنّ البلاد تمتلك ثاني أكبر اقتصاد في القارة الأفريقية، لكنّها تعاني من أشدّ حالات التفاوت الطبقي المتوارثة عن مرحلة الفصل العنصري إلى حدّ كبير.
والهوّة بين مَن يملكون ومَن لا يملكون شاسعة للغاية؛ ففي المدن الكبرى تجد ناطحات السحاب التي تعانق عنان السماء والقصور التي تحيط بها أسوار عالية، وهي شواهد تبرز حجم الثروة الكبير المتوفر في هذا البلد، وفي الوقت نفسه، وعلى بعد مرمى حجر؛ تجد أحياء الصفيح التي تمتد على مدى البصر.

اقرأ أيضاً: أزمة التعليم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وكيفية معالجتها
وكما يشير الباحث ستيفن جوردن، من مركز "HSRC" في ورقة معنونة بـ "شعبوية الخطاب الحكومي حول العنف ضدّ المهاجرين في جنوب أفريقيا": فإنّ أحد الدوافع الرئيسة لأعمال الشغب والمشاعر المعادية للمهاجرين "رهاب الأجانب"  في جنوب أفريقيا، إضافة إلى تردّي الوضع الاقتصادي هو زيادة عدد اللاجئين من دول الجوار ومناطق النزاعات العسكرية بالقارة، ومعهم بدأت تتكون كانتونات عشوائية حول المدن الكبرى، تفتقر بشكل رئيس إلى القانون والنظام؛ ما يجعل العنف هو الصفة السائدة للتعامل في هذه المناطق، وقد سبق أن شهدت هذه الأحياء الفقيرة حول جوهانسبورغ موجة عنف شديدة، خلال عام 2008.

أعمال العنف ضدّ المهاجرين في جنوب أفريقيا أسقطت ما لا يقل عن 10 قتلى

التذكير بالتاريخ
وفي خضمّ العداء الموجَّه ضدّ المهاجرين الأفارقة، يدعو كثير من الجنوب أفريقيين إلى تذكّر المذابح والاضطهاد اللذين تعرّض لهما آباؤهم وأجدادهم على يد الأقلية من البيض.
ويقول الكاتب والصحفي، الجنوب أفريقي، تافي مهاكا: إنّ "العديد من الجنوب أفريقيين لجؤوا طوال عقود الفصل العنصري إلى بلدان أفريقية، وكان جلّ روّاد الحركة المناهضة للفصل العنصري يعيشون في المنفى في العواصم الأفريقية، كما تمّ تمويل كفاحهم من قبل الحكومات الأفريقية، التي حققت لتوّها الحرية والاستقلال، وكانت نيجيريا وحدها ترسل حوالي 5 ملايين دولار سنوياً لمقاتلي الحرية من جنوب أفريقيا، بما في ذلك المؤتمر الوطني الأفريقي "ANC"".

اقرأ أيضاً: كيف تُعيد الاستثمارات والتطبيع هندسة الأمن في القرن الأفريقي؟
ويضيف مهاكا، في حديثه لـ "حفريات": "الدعم (الإنساني والمادي) الذي تمّ تقديمه إلى جنوب أفريقيا خلال أعوام الفصل العنصري تأسّس بالكامل على مبادئ النزعة الأفريقية، وكشف وجود قارة ترغب في بذل ما لديها لدعم قضاياها بالحرية والتحرر. وكان التضامن الذي أبدته القارة مع نضال جنوب أفريقيا من أجل التحرير مثالاً على الوحدة الأفريقية التقدمية المدروسة".
ويرى مهاكا أنّ "الفهم الواعي للأفريقانية، يتطلب التزاماً بتقدير ماضينا المشترك والمتشابك بين الحاضر والمستقبل؛ فناضلنا ما قبل الاستعمار وما بعد الاستقلال يشكّل النسيج الذي لا يُمحَى، والذي تتجسد من خلاله هويتنا الأفريقية، شئنا أم أبينا، نحن جميعاً أفارقة، على قدم المساواة، من كيب تاون إلى القاهرة، ونواجه مشاكل أفريقية".

تصاعد العنف ضدّ المهاجرين وتر الدبلوماسية بين نيجيريا وجنوب أفريقيا

غضب في ربوع القارة
وعلى الجانب الآخر؛ أثار تصاعد العنف ضدّ المهاجرين قلقاً وغضباً في العديد من البلدان الأفريقية التي لديها كثيراً من المهاجرين في جنوب أفريقيا، وندّد العديد من الفنانين النيجيريين، بينهم دافيدو وتيني وتيوا ساواغ وبورنا بوي، بأعمال العنف ضدّ الأجانب في جنوب أفريقيا، وقال الموسيقار الأفريقي بورنا بوي: "لن أزور أبداً جنوب أفريقيا حتى تستفيق حكومتها".

اقرأ أيضاً: موانئ دبي العالمية: شمس الاستثمار في مجاهل أفريقيا
ومن جهة أخرى؛ أعلنت وزارة خارجية جنوب أفريقيا، أنّ بريتوريا "أغلقت مؤقتاً بعثتيها الدبلوماسيَّتَيْن في نيجيريا، بعد تلقيها "تهديدات" بعمليات انتقامية، ردّاً على أعمال العنف التي استهدفت أجانب". وقال الناطق باسم الخارجية، لونغا نغيغيليلي: "تلقينا معلومات وتهديدات من نيجيريين، وقررنا أن نغلق، مؤقتاً، سفارة جنوب أفريقيا في أبوجا والقنصلية في لاغوس."

يدعو كثير من الجنوب أفريقيين إلى تذكّر المذابح والاضطهاد اللذين تعرّض لهما آباؤهم وأجدادهم على يد الأقلية البيض

وازداد التوتر الدبلوماسي بين الدولتين مع إعلان نيجيريا مقاطعتها للمؤتمر الاقتصادي العالمي حول أفريقيا، في كيب تاون، والذي كان من المتوقَّع أن يحضره نائب الرئيس النيجيري؛ يامي أوسينباجو.
واستدعت نيجيريا سفير جنوب أفريقيا لإجراء محادثات، وقالت: إنّ "الرئيس محمدو بخاري سيرسل مبعوثاً إلى رامافوزا للإعراب عن استيائه"، وفي الوقت نفسه؛ قررت نيجيريا إعادة 600 شخص من مواطنيها إلى البلاد، كانوا يقيمون في جنوب أفريقيا، إثر أحداث التي استهدفتهم.
ومن جهتها، أعلنت منظمة العفو الدولية أنّ الهجمات على الأجانب في جنوب أفريقيا استهدفت "فئة ضعيفة"، معتبرة أنّها نتيجة مباشرة لـ "أعوام من الإفلات من العقاب والإخفاقات في النظام القضائي الجنائي".
وفي زامبيا؛ تظاهر ألف طالب أمام سفارة جنوب أفريقيا في لوزاكا، تعبيراً عن غضبهم، ورفعوا لافتات كتب عليها "لا لكراهية الأجانب"، كما وألغت زامبيا مباراة ودية في كرة القدم كانت مقررة في لوزاكا خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي.

اقرأ أيضاً: كيف تشكل تجارة القات الخريطة الاقتصادية في القرن الأفريقي؟
وبلهجة عنيفة؛ دعا رئيس زامبيا، إيدغار لونغا، جنوب أفريقيا إلى "وضع حدّ لهذه المجزرة"، قبل أن "تتحول كراهية الأجانب هذه إلى إبادة واسعة النطاق".
وندّد نظيره في زيمبابوي، إيمرسون ماناناغاغوا؛ "بكلّ أشكال العنف التي تغذيها الكراهية"، مشيداً في المقابل "بردّ فعل السلطات الجنوب أفريقية السريع"؛ سعياً لعودة الهدوء، كما دعت بوتسوانا، وهي أيضاً محاذية لجنوب أفريقيا، مواطنيها في هذا البلد إلى التزام "أقصى درجات الحذر".

مظاهرات مندّدة باستهداف الأجانب في جوهانسبورغ

أسباب اقتصادية تؤجّج العنف
ومنذ أعوام؛ يواجه العمال الأجانب مشاعر معادية في جنوب أفريقيا؛ ثاني أكبر اقتصاد في القارة؛ حيث يعتقد المواطنون المحليون أنّهم ينافسونهم في سوق العمل، خصوصاً في القطاعات التي لا تحتاج إلى عمالة ماهرة في بلد ترتفع فيه معدلات البطالة.

اقرأ أيضاً: تركيا في القرن الأفريقي: حنين العثمانيين الجدد للهيمنة
ويقول الخبراء في هذا الشأن؛ إنّ "جنوب أفريقيا تحرّرت من الفصل العنصري، وسقطت في الفصل الاقتصادي، الأشدّ قسوة؛ فبعد مرور عقد كامل على نهاية الفصل العنصري، بقي 80% من سوق الأوراق المالية بجوهانسبورغ في يد البيض، و4% للسود، والباقي للأجانب من جنسيات مختلفة، وظلّت نسبة 70% من الأراضي الزراعية تحت سيطرة الأقلية البيضاء أيضاً، إضافة إلى قطّاع البنوك والمناجم والمصانع المُسيطَر عليه من أربع تكتلات أجنبية".

ووفق تقرير نشرته "بي بي سي"، القسم العربي، بتاريخ 9 أيار (مايو) 2019، بعنوان "كيف تبدو جنوب أفريقيا بعد ربع قرن من إلغاء نظام الفصل العنصري؟"؛ فقد ازداد عدد ساكني الأكواخ ومدن الصفيح بنسبة 50% عام 2006؛ أي بمعدل 4:1 من كلّ جنوب أفريقي يعيش بلا خدمات أساسية؛ كالمياه النقية للشرب، والكهرباء، والصرف الصحي، وقد كانت نسبة البطالة بين السود 23% عام 1991، لكنّها في عام 2019 بلغت 65%، بينما بلغت 1% بين البيض للعام ذاته، حسبما جاء في التقرير نفسه.

اقرأ أيضاً: أفريقيا.. وجهة لـ"الدواعش"
كما تعاني الغالبية السوداء من معدلات فقر عالية مقارنة بالآسيويين والبيض؛ وقد ارتفع معدل الفقر بين السود والمختلطين خلال الفترة ما بين 2011 إلى 2015، بحسب تقارير حكومية، ويتراجع دخل الفرد بشكل متزايد منذ 2010؛ إذ وصل الفارق بين دخل الفقراء ودخل الأغنياء إلى أكثر من عشرة أضعاف، وصار 10% من السكان يستحوذون على 90% من ثروات البلاد.
وفي الآونة الأخيرة؛ ساهم تدفق رؤوس الأموال من الجارة الغنية نيجيريا، التي تستغلّ المناخ الجاذب والمتساهل للاستثمار داخل جنوب أفريقيا، في تآكل فرص العمل عبر اعتمادها على العمالة الصومالية المهاجرة، وبالتالي عصفت تلك العملية بالعدالة الاجتماعية بين أبناء اللون الواحد، وهو ما يقف، في نظر الخبراء، وراء تزايد ما يُطلق عليه "الأفروفوبيا" (رهاب الأفارقة).

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية