التصعيد ضد قيس سعيد.. من وماذا يفيد؟

التصعيد ضد قيس سعيد.. من وماذا يفيد؟


22/06/2022

حكيم مرزوقي

ومن نكد الدنيا على البلاد التونسية أن يزايد على ظرفها الاقتصادي والاجتماعي الصعب الذي تعيشه، طرفان سياسيان متصادمان في الجوهر والتوجهات، لكنهما قد يلتقيان من حيث لا يتقصدان، مما يعقد الأمور ويزيد المشهد قتامة.

إنهما الزعيمان اللدودان عبير موسي وراشد الغنوشي، الأولى رئيسة الحزب الدستوري الحر، وريث التجمع الدستوري الديمقراطي الذي جثم على صدور التونسيين زهاء 27 عاما من حكم الرئيس زين العابدين بن علي، الذي غادر السلطة بعد انتفاضة 2011 ليتمكن بعده الغنوشي من السيطرة على مقاليد الحكم عبر حركته الإسلامية التي أجهزت، أو كادت، على ما تبقى من أنفاس الدولة المتعبة.

كأن الاثنين كانا يتناوبان الانقضاض على الحكم بذات القسوة، وبنفس الآليات المتعلقة بمنظومة الفساد بل وزاد فيها الإسلاميون من “ابتكاراتهم” ضمن مناخ زينته ديمقراطية زائفة لبت تعطشهم إلى السلطة ونزوعهم نحو ثقافة الغنيمة.

موسي بنت زعامتها على إرث بورقيبي يستمد شرعيته من الإنجازات الأولى لدولة الاستقلال.. هذا الإرث الذي يتنافس الكثيرون في تجييره لأنفسهم، جاء مطعّما بسنوات ما يشبه “الرخاء الاقتصادي والبحبوحة المعيشية” التي عرفتها فترة بن علي، مستغلة بؤس الواقع الاجتماعي الذي تسبب فيه حكم حركة النهضة وحلفاؤها.

والغنوشي لم يشذ عن أسلوب موسي، ولكن في الاتجاه المعاكس، إذ بنى زعامته على مظلومية سياسية باتت اليوم باهتة وممجوجة، وتدثر بثوب الإسلامي الحداثي في أشد الحالات مكرا ومراوغة، لكنه انكشف أمام خصم سياسي (عبير موسي) سبق له أن ذاق مثله، طعم السلطة، ولكن على مرحلتين متناقضتين، ومتشابهتين أيضا.

يا لسخرية الأقدار التي تخلفها الأطماع السياسية، وتجعل أعداء التوجهات والأهواء والأمزجة الأيديولوجية أشبه بالحلفاء في حملاتهم الشرسة ضد الرئيس قيس سعيد، ووقوفهم ضد إصلاحاته الدستورية.

تزايد حملات التصعيد ضد الرئيس التونسي من طرف خصميه السياسيين (الغنوشي وموسي)، تأتي على سبيل الاستقواء واستغلال التناقضات الحاصلة بينه وبين المنظمة النقابية على وجه التحديد، وهو أمر لا يمكن تفسيره إلا بالانتهازية السياسية.

وفي هذا الإطار، انضم الحزب الدستوري الحر الذي تشير استطلاعات الرأي المحلية إلى تقدمه بفارق كبير على خصومه في حال إجراء انتخابات، إلى الاتحاد العام التونسي للشغل في رفض الإصلاحات الاقتصادية التي طالب بها صندوق النقد الدولي.

ما الذي استجد حتى ترفض موسي إصلاحات حكومية كانت تؤمن بها هي نفسها؟ بل وتتبناها حزبيا، كتجميد الأجور في الوظائف العامة والشركات المملوكة للدولة، إضافة إلى خفض الدعم الحكومي.

كيف لصاحب توجه ليبرالي أن ينقلب على حين غرة إلى اشتراكي متشدد، لا لشيء وإنما للتصعيد ضد سعيد وإسقاط مشروعه الإصلاحي وإلا فبماذا نفسر تأكيدات حزب موسي بأنه لن يعترف بأي “اتفاق مالي تبرمه البلاد مع مقرضين دوليين مقابل إصلاحات لا تحظى بشعبية”، وذلك على خلفية زيارة مدير إدارة الشرق الأوسط بصندوق النقد الدولي لتونس وبدء المفاوضات بشأن حزمة إنقاذ مالي.

أما في ما يخص الدستور العتيد الذي تقدم به العميد الصادق بلعيد، الرئيس المنسّق للهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة، وأمدّ به رئيس الدولة بغية مناقشته ومن ثم طرحه على الاستفتاء، فقد سخر منه الرجل الذي لا يؤمن بالدساتير والقوانين الوضعية أصلا.

ووجه الغنوشي رسالة إلى رئيس الجمهورية قال فيها إن “الدساتير لا تكتب على عجل بل على نار هادئة”، واصفا الأمر بـ”تمثيلية رديئة ومسرحية ركيكة”.. ودون أن يتطرق إلى تحسسه من عدم ذكر دين الدولة في الدستور الجديد، مكتفيا بمعارضته دستوريا.

هكذا، وبقدرة قادر، أصبح الغنوشي الذي انفض من حوله قياديون كثيرون في حزبه، شخصية مدنية تقدر المؤسسات الدستورية وتتهم الآخرين بالانقلابية، وتدعو للاحتكام إلى القانون، داعيا إلى مقاطعة الاستفتاء مشيرا إلى أن “الحل يكمن في انتخابات تشريعية ورئاسية سابقة لأوانها من أجل إعادة الكلمة للتونسيين عبر انتخابات حرة”.

التونسيون حتما لن يعودوا إلى ما قبل حركة الخامس والعشرين من يوليو التي “أزاحت عنهم الغمة” كما يقولون، وما كانت تقول موسي، نفسها، في مباركة صريحة لما أقدم عليه سعيد، وهي التي تعرضت مع كتلتها البرلمانية إلى شتى أشكال التنمر من طرف الإسلاميين وحلفائهم تحت قبة مجلس نواب الشعب.

تحتاج موسي أن تعرف أنها لا تقدم خدمة لتونس بتصعيدها مع الرئيس التونسي، وينبغي ألا تأخذها العزة بارتفاع شعبيتها.. إنما حصل ذلك بسبب إعلانها الطلاق البائن مع حكومة حركة النهضة، وهو ما فعله سعيد الذي تحشد اليوم الجماهير ضده.

مراقبون ومحللون سياسيون ينصحون عبير بأن تثوب إلى رشدها قبل أن ينسحب البساط من تحت قدميها وهي التي صمدت كثيرا قبل أن يتقبلها التونسيون بعيد إسقاطهم لمنظومة فساد وحكم لم يكن يوما ديمقراطيا.

ولسائل أن يسأل: هل قدر هذه البلاد المنهكة أن يحكمها إما واحد من منظومة حزب الدستور القديم ممن تسببوا في كوارث عديدة أو إخواني لا يعترف بأحزاب أو دساتير أو حتى رقعة وحدود للوطن؟

ربما فات سياسيين كثيرين من معارضي سعيد أن شعبهم وصل سن الرشد، لُدغ أكثر من مرة ومن أكثر من جحر.. وها هو يقف اليوم خلف رجل بلا حزب ولا مصالح فئوية ضيقة، ولكن دون أن يسلم رقبته لأحد.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية