"البيان" الذي لم يُصدره الإخوان المسلمون

"البيان" الذي لم يُصدره الإخوان المسلمون

"البيان" الذي لم يُصدره الإخوان المسلمون


21/03/2024

إيماناً بأنّ رسالة الإسلام الأخلاقية تقوم على التسامح والمحبة، وتأمر بالسلام والإصلاح والإعمار، وتُحرّم الدم والدمار والعدوان، وانطلاقاً من أنّ التغيير يبدأ من داخل أنفسنا والتراجع عن الخطأ وعدم المكابرة، تعترف الجماعة بجنايتها على المنتمين إليها والمتعاطفين معها، عندما تصدّرت المشهد السياسي، في أعقاب ثورة ٢٥ كانون الثاني (يناير)، وهي لا تمتلك الخبرة، ولا الأدوات الكافية للتغيير، وعندما تمسّكت بالسلطة تحت مسمى "الدفاع عن الشرعية" في لحظة انقسام مجتمعي وسياسي غير مسبوق في تاريخ مصر.

تعترف الجماعة بأنّها أخطأت عندما لم تعبأ بالشرعية القانونية، في أعقاب ثورة ٢٥ يناير

تعترف الجماعة بأنّها أخطأت عندما لم تعبأ بالشرعية القانونية، في أعقاب ثورة ٢٥ يناير، وحتى بعد أن وصلت إلى أعلى منصب سياسي في مصر، لم يلتزم الرئيس الإخواني الأسبق، محمد مرسي، بقَسَمه أن يحترم الدستور والقانون، فمضت الجماعة في طريقها، متجاهلة تقنين أوضاعها، مدعيةً أنّها تمتلك ما هو أقوى من الشرعية القانونية، وهو شرعية الأمر الواقع، على حدّ قول مرشدها الحالي: "تفكيك الجماعة وحلّ تنظيمها طواعية مرتبط بتغيّر الواقع الذي أوجد جماعة الإخوان المسلمين وهو سقوط دولة الخلافة"، تلك النظرة التي تجلّت بوضوح في وضع الجماعة مؤسسة الرئاسة المصرية في فترة حكم الدكتور مرسي أيقونةً جانبية على صفحتها على الإنترنت، فحجم هذه الأيقونة يعكس رؤية الإخوان المسلمين للدولة المصرية مقارنة بحجم الجماعة.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون ومغامرة العقل المستقيل
تعتذر الجماعة عن تناقض خطابها بين الداخل والخارج؛ ففي الوقت نفسه الذي خاطبت قواعد الإخوان وحلفاءها من الإسلاميين، بأنّ الغرب هو عدو الإسلام المتآمر، خاطبت الغرب في الخارج بأنّه الصديق، الذي تحترم مواثيقه ونظمه الدولية، وأدارت نشاط التنظيم الدولي من مقرّ مكتبها المعلن في العاصمة البريطانية لندن، ولم ترَ مشكلة في أن تضخّ أموال الجماعة من خلال أفراد في استثمارات بالسوق الأمريكي والأوروبي.
أخطأت الجماعة عندما حوّلت الاعتصامات والاحتجاجات من كونها مجرد أدوات للضغط السياسي إلى ساحات للجهاد والمُبارزات الكلامية، تحفّهم فيها الملائكة، ويتنزّل عليهم نصر الله تعالى، فلم يعد الصراع، كما هو في حقيقته، صراعاً سياسياً في نطاق الجائز والممكن، وإنّما صراع وجودي بين الإسلام والكفر، والحق والباطل.

أخطأت الجماعة عندما حوّلت الاعتصامات والاحتجاجات من أدوات للضغط السياسي إلى ساحات للجهاد والمُبارزات الكلامية

تأسف الجماعة لما تعرّض له المنتمون إليها نتيجة قرارها الأول باعتماد العمل المسلح (الثوري) مساراً للتغيير، وقرارها الثاني بتجميد هذا المسار ومعاقبة من يكشف شيئاً من تفاصيل العمل المسلح، أو يُبدي تأييداً لمجموعاته عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو وسائل الإعلام، بحرمانه من كل أشكال الدعم المادي والمعنوي الذي انتهى ببعض شباب الجماعة في الخارج إلى التشرّد.
تعترف الجماعة بأنّ العمل السريّ صنع مراكز قوى داخل التنظيم، فغياب الصفة القانونية للجماعة حرمها من أن تكون لها أرصدة مالية مستقلة معلنة، شأن أية مؤسسة أو جمعية؛ لذا فإنّ أموال الجماعة من تبرعات واشتراكات تُضخ في استثمارات وحسابات شخصية لعدد من الإخوة شديدي الولاء لما يُطلق عليهم قيادات الجماعة التاريخية الذين تحوّلوا إلى شخصيات حديدية تسيطر على التنظيم، بما في حوزتهم من أموال، وما يعرفون من أسرار.

اقرأ أيضاً: الأزهر والإخوان المسلمون.. صراع يتجدد
تعتذر الجماعة عن الخداع الدلالي الذي مارسته بإطلاقها كلمة "التربية" على إعداد الأخ؛ ليكون ترساً في ماكينة التنظيم، وهذا يتنافى مع ما تحمله كلمة "التربية" من معانٍ روحية وسلوكية وفكرية، وفي إطلاقها كلمة العمل النوعي أو الثوري على العمل المسلّح، وفي إطلاقها كلمة "الأسر" على سجْن أبناء الجماعة، وكأنّها حرب دينية مقدسة من يسقط فيها ما بين شهيد وأسير.
تعتذر الجماعة عن الخداع الدلالي الذي مارسته القيادات بترديدها كلمة "المؤسسية" وصفاً لصناعة القرار وطرق تيسير الأعمال داخلها، والواقع أنّها كانت بعيدة عن معاني المؤسسية الحقيقية التي تقوم على الشفافية وتداول المعلومات، وقبول الاختلاف، والتنوع بين الأعضاء والتنافس، والمحاسبة وفق لائحة داخلية تحترم القانون، وتخضع لسيادته، تلك القيمة التي لا بديل عنها في أيّ مجتمع حضاري، وهذا ما لم تعرفه الجماعة بدورانها في حلقة تنظيم شمولي يستعصي على أيّ شكل من أشكال المؤسسية القانونية؛ بخلطه السياسي بالديني والخيري بالحزبي والوعظي.

اقرأ أيضاً: إبراهيم ربيع: الإخوان المسلمون كيان وظيفي يعمل بالوكالة
فمضت الجماعة في حركة دائرية حول نفسها، تستفرغ الجهد ولا تحقق هدفاً، وتعمل بموجب لائحة تُنافي قوانين العمل المؤسسي؛ إذ يُبايع الأخ الذي يتم تصعيده تنظيمياً، بعد استكمال أركان البيعة العشرة، المرشد ومن ينوب عنه على السمع والطاعة بقسمٍ نصّه: "أبَايِعُ المرشد بِعَهْدِ اللهِ ومِيثَاقِهِ عَلَىْ أَنْ أَكُونَ جُندياً مُخلِصاً عَامِلاً في جَماعَةِ الإخوانِ المُسْلِمِينَ، وعَلَىْ أَنْ أَسْمَعَ وأُطِيعَ في العُسْرِ واليُسرِ والَمنْشَطِ والمَكْرَهِ إلاَّ في مَعْصِيةِ اللهِ، وعَلَى ألاَّ أُنَازِعَ الأمر أهله، وعَلَى أنْ أَبْذُلَ جهدي ومالي ودَمِي"، وفي ثلاجة السمع والطاعة بالجماعة تجمّدت العقول، وفي أفران شحنها للعواطف أُشعلت الانفعالات بلا منطق وعلى غير هدى، وبالتالي بلا نفع أو نتيجة.

تُؤكد الجماعة اليوم تراجعها عن التحريض على الكراهية والاحتراب وتقويض أركان الدولة المصرية

تعتذر الجماعة؛ لأنّها نظرت إلى الناس والحياة بمنظار فقه المحنة، الذي  يستعلي على المجتمع، وتُؤكد اليوم تراجعها عن التحريض على الكراهية والاحتراب، وتقويض أركان الدولة المصرية، وكان الدكتور مجدي شلش عضو اللجنة الإدارية العليا، ومسؤول مكاتب محافظات قطاع وسط الجمهورية بجماعة الإخوان المسلمين، وأستاذ أصول الفقه بكلية الشريعة جامعة الأزهر، ورفيق الدكتور محمد كمال؛ الذي أشرف على تحوّل الجماعة المُعلَن نحو العمل المسلح تحت اسم العمل النوعي فالعمل الثوري، قال في حواره مع قناة "مكملين" الذي حفره "اليوتيوب" في ذاكرته:
"إنّ جماعة الإخوان المسلمين تبنّت بعد فضّ اعتصام رابعة إستراتيجية أطلقت عليها "خطة الإنهاك والإرباك والإفشال لإسقاط النظام المصري"، وتغيّر شعار الجماعة من "سلميتنا أقوى من الرصاص" إلى "سلميتنا أقوى بالرصاص"، مؤكداً أنّ تلك الإستراتيجية موضع اتفاق وقناعة من الإخوة في مختلف مستويات العمل داخل الجماعة، وأنّه شارك في إعداد التأصيل الشرعي للتحول من السلمية/ المسار الإصلاحي إلى العمل المسلح/ المسار الثوري، مع عدد من الشرعيين والبرلمانيين من أبناء الجماعة، وبحضور أربعة من أعضاء مكتب الإرشاد، وقد استغرق إعداد تلك الرؤية ستة أشهر من العمل المتواصل في إحدى الأماكن المغلقة، حتى خرجت في مئة صفحة، وقد لاقت قبولاً من قيادات السجون، وقواعد الجماعة، سيما الأخوات، مستشهداً بقول الأخوات في لقاء بمحافظة كفر الشيخ: "لا طاعة للأزواج إذا تراجعوا عن خيار الجهاد"، فانحياز الجماعة إلى العمل المسلح (الثوري) لم يكن قرار القيادات فحسب؛ بل قرار المكاتب الإدارية في محافظات مصر باستثناء محافظتين".

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون في تركيا: جدوى الرهان وأمده
كما تعترف الجماعة أنّها أخطأت عندما حاولت منذ وقتٍ ليس بالبعيد ترميم الجماعة باستكمال الهياكل الإدارية في الداخل والخارج، وإرجاء استكمال المراجعات الفكرية حتى تخرج القيادات من السجون، والإبقاء على شمولية التنظيم، وطريقة العمل وفق القواعد التنظيمية المتبعة منذ عقود إلا أنّنا اكتشفنا أنّنا غير قادرين على استعادة السيطرة السابقة على جميع قواعد الجماعة، وهذا ما سبق وتوقّعه القيادي بالجماعة الدكتور، مجدي شلش، بقوله: "لن تنجح القيادات الداعية إلى تجميد العمل الثوري المسلح استجابة لضغوط الغرب، فلن يتراجع شباب الإخوان عن هذا الخيار، فقد رأيت في زياراتي مع قيادات الإخوان لمختلف محافظات مصر إصراراً وقناعة لدى الإخوة والأخوات في مختلف القطاعات بالمُضيّ في طريق العمل المسلح (الثوري)، مهما كانت التضحيات"، اليوم نقول إنّ مثل هذا يُهدد السلم المجتمعي، ويُفكك المجتمع إلى جماعات متصارعة.
أخيراً، إخفاقات الجماعة المتكررة في تقديم نموذج دولة أو مؤسسة يُشار إليه بأنّه منجز حضاري، وهشاشة وتناقض أفكارها، وعدم مصداقية جاهزية مشروعها، ولاواقعية ما تدعيه له من مثالية أحدث صدمة في أوساط المنتمين إليها والمتعاطفين معها، نتج عنها موجات إلحادية تُنكر الدين، وموجات تكفيرية تصطدم بالمجتمع.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية