أكد الباحث السياسي والأديب الكويتي محمد البغيلي، أنّ الإسلام لم يشهد تداولاً للسلطة، ورأى أنّ بدايات تشكيل الدولة العربية الإسلامية منذ وفاة الرسول عليه السلام، لم تضم أية معارضةً سياسية، وهو ما قاد إلى انتفاء وجود أية ملامح ديمقراطية لدى جماعات الإسلام السياسي اليوم.
وقال البحث الكويتي، في محاضرة ألقاها أمس الثلاثاء في رابطة الكتاب الأردنيين، إن الدولة الإسلامية لم تضمن التعددية السياسية. ونُظمت المحاضرة بالتعاون مع مركز"تعلم واعلم" للأبحاث والدراسات، وحملت عنوان "المعارضة السياسية في الإسلام"، وأدارها أستاذ الفلسفة ورئيس رابطة الكتاب الأسبق الدكتور أحمد ماضي.
البغيلي: لا آلية لتبادل السلطة في عهد الخلفاء الراشدين ولا وجود لتوجهٍ ديموقراطي لدى أية جماعة إسلامية اليوم
وسأل ماضي في مستهل المحاضرة "هل توجد معارضة سياسية على مر تاريخ الدولة الإسلامية؟"، مشيراً إلى أنّ "مفهوم الديموقراطية بمعناه الأولي، المتعلق بحكم الأكثرية، لم يكن سائداً بطبيعة الحال، مقابل مفهوم الشورى الذي لم يكن واضح المعالم في نظام الحكم الإسلامي".
وانطلاقاً من كلام ماضي، تطرق البغيلي إلى بداية حكم الخلفاء الراشدين في الإسلام، مؤكداً أنّ انتقال السلطة بينهم، لم يكن "قائماً على أي نقاشٍ أساسه الاختلاف والمعارضة، بحيث يفضي هذا النقاش للوصول إلى قرارٍ سياسي"، إنما اعتمد على "فرض السلطة بالقوة".
وأوضح البغيلي "لم توجد آلية واضحة ومتكررة مثلاً، لتبادل السلطة، كل خليفةٍ تسلم الحكم بطريقةٍ مختلفة، خلال فترةٍ شهدت صراعاً يقوم على الإجماع أو الاختلاف على البيعة، إلى أن جاءت فكرة توارث الحكم في الدولة الأموية، ولم تخضع هي الأخرى إلى آلية واضحة في انتقال الحكم".
ومن خلال كتابه البحثي، الذي يحمل العنوان ذاته: "المعارضة السياسية في الإسلام"، يرى البغيلي أنّ البحث يفضي إلى "أنه لا توجد ديموقراطية في الإسلام السياسي اليوم، فهو شيء، والديموقراطية شيء آخر. ذلك أن تداول السلطة في تاريخ الإسلام وحاضره، ليس موجوداً، لذا، لم يسبق أن ظهرت معارضة ما، تسلمت السلطة أو شاركت فيها، ولا يمكن إذن، الحديث عن ديموقراطية، بلا نظام سياسي، ولا معارضة".
كتاب البغيلي، الصادر عام 2014، عن دار آفاق، يشكل أيضاً، مراجعاتٍ لحكم الخلفاء الأربعة الأوائل، مُخرجاً حقبتهم السياسية من حيّز التقديس، ومبيناً أن نماذج المعارضة "لهذا الخليفة أو ذاك، كانت في غالبها تقابل بالرفض والتصدي وأحياناً بالقمع والقتل".
أما حديثاً، فتطرق الباحث إلى تجربة جماعة الإخوان المسلمين بالحكم في مصر عام 2012، حيث أكد "أنه لا يعتقد بوجود توجهٍ ديموقراطي لدى أي جماعة إسلامية اليوم، غير أنّ جماعة الإخوان، كان يجب أن تأخذ حقها كاملاً في فترة الحكم، لتتوضح ملامحها رؤيتها للسلطة والنظام السياسي".
وبسؤاله إذا ما كانت الفترة التي حكمت الجماعة أثناءها، كافيةً للحكم على الرؤية السياسية للجماعة، بفعل ممارساتها الواضحة أثناء حكم الرئيس محمد مرسي، قال البغيلي إنه يقصد وصول الجماعة إلى السلطة، عن طريق صناديق الاقتراع، وتأثير الأكثرية".
وشدد في تصريحه لـ"حفريات" على أنّ "جماعة الإخوان في مصر؛ لم تتعاون مع القوى السياسية الموجودة في مصر سواء المعارضة منها أم المتفقة، كما أنها وجهت شيئاً من العنف تجاه الأقباط، وحاولت ترسيخ حكم جماعة الإخوان، أما الرئيس محمد مرسي، فلم يكن يسعى إلى الحكم من خلال الديموقراطية والتعددية".
الإخوان في مصر لم تتعاونوا مع القوى السياسية سواء المعارضة منها أم المتفقة، وتعاملوا بعنف مع الأقباط
واعتبر البغيلي أنّ إرث التاريخ، أسهم في خلق حالةٍ من "رفض الحكم بالتداول اليوم بين جماعات الإسلام السياسي"؛ إذ لم يكن أصحاب السلطة وحدهم، من يحاول قمع المعارضة، بل حتى بعض المفكرين الأوائل في الإسلام، "كالفارابي وابن رشد، اللذينِ لم يخرجا عن إطار فكرة أفلاطون التي تتصور الحكم والنظام السياسي، مقتصراً على حكم مجموعةٍ محددة من الحكماء"، وهو ما يفضي برأيه، إلى مبدأ "الشورى"، الذي يخضع هو الآخر إلى الاختلاف، بين مفكري الماضي، ومفكري الحاضر أيضاً، ولا يمكن له أن يقوم إلا في ظل دولةٍ إسلامية خالصة، لا شورى فيها لغير المسيطرين".
وختم البغيلي بالقول: "إن المصطلحات تلتبس تاريخياً وحالياً، فمن إسلام سياسي، إلى شورى، إلى ديموقراطية، لكن، أين هو النظام السياسي الذي يكفل حرية الرأي للأفراد، وحقهم بالمشاركة السياسية في ظل (الإسلام السياسي)، إني أظن أن البحث في هذا الشأن، يقود إلى نسفِ فكرة النظام السياسي في تاريخ الإسلام".
يذكر أن محمد البغيلي، يحمل شهادة الدكتوراة في الفلسفة السياسية من الجامعة الأردنية، إلى جانب دراسته بكالوريوس العلوم السياسية، وهو شاعر وأديب، له مؤلفات منها؛ رواية "ضحية رأي" و"عاصفة في أروقة الجامعة"، وكتاب "مملكة الكويت الديموقراطية"، إضافة إلى كونه عضو جمعية الصحفيين الكويتيين، والاتحاد الدولي للصحفيين.