الانكسار الداخلي في تنظيمات "الإخوان"

الانكسار الداخلي في تنظيمات "الإخوان"


27/10/2021

وحيد عبدالمجيد

كانت صلابة تنظيمات «الإخوان» وعدم قابليتها للانكسار من الداخل تحت أي ظرف أحد الافتراضات التي توافرت شواهد على صحتها بدرجة أو بأخرى، قبل أن يصل ثلاثة من أقواها إلى الحكم في أوائل العقد الماضي. وبقي الافتراض قائماً بدرجة أقل بعد الهزيمة التي مُني بها تنظيم «الإخوان» في مصر أو ما يُسَمى «الجماعة الأم» التي تدين تنظيماتهم الأخرى بالولاء لزعيمها المُسمى «المرشد العام». أحدثت تلك الهزيمة في حينها انكساراً سياسياً يُصيب عادةً الأحزاب والتنظيمات التي ترى السلطةَ غايةً في ذاتها وليست وسيلةً لخدمة الشعب والسعي إلى تحقيق التقدم والازدهار. وبدا الانكسار الداخلي أقل أهميةً في ذلك الوقت لأن الصراعات التي ترتبت عليه في أوساط الجماعة لم تُحدِث أثراً فورياً. لكن تبين في الأشهر الأخيرة أن الصراع الأكثر حدةً داخل الجماعة كان يتراكم إلى أن انفجر في صورة إقالات متبادلة لقادة جناحيها الرئيسيين في الخارج، الأمر الذي يحمل نُذر انقسام غير مسبوق.
وجاء ذلك بُعيد هزيمتين مُني بهما حزب «حركة النهضة» في تونس، و«حزب العدالة والتنمية» في المغرب، على نحو يؤكد أكثر من أي وقت مضى خطأ الافتراض المتعلق بصلابة هياكل تنظيمات بُنيت بطريقة كان مُعتقداً أنها تجعلها عصيةً على الانكسار.
أعطت هذه التنظيمات اهتماماً فائقاً لتصليب هياكلها وبُنياتها الداخلية، ولتنشئة الأعضاء فيها منذ انضمامهم إليها على الخضوع لقيادة مركزية تُمسك الخيوط كلها بين يديها. وقامت استراتيجية التجنيد لهذه التنظيمات على اختيار أو اصطياد شباب مستعدين للالتزام بالتعليمات التي تصدر لهم من دون تفكير، وتنفيذها كما هي، ثم ترسيخ هذا الاستعداد للسمع والطاعة خلال السنوات التي يقضونها في أول وحدة تنظيمية يُلحقون بها، والتي أُطلق عليها أُسرة لتيسير عملية التنشئة وفق الطريقة التي تضمن استمرار ولاء العضو. فالأسرة الطبيعية التي يولد فيها الإنسان هي مؤسسة التنشئة الأولى في المجتمع. ولهذا لجأ «الإخوان» إلى محاكاتها، لكي تكون لقيادة التنظيم اليد العليا في تنشئة أعضائه منذ الصغر. وعندما يُنقل العضو إلى الوحدة التنظيمية التي تليها، وهي الشُعبة، تكون عملية التنشئة على السمع والطاعة قد اقتربت من الاكتمال.
ولهذا لم تعرف تنظيمات «الإخوان» في تاريخها صراعات داخلية كبيرة إلا في أحوال استثنائية. لم يحدث فيها انقسام هيكلي أو انشقاق كبير مؤثر، بل انسلاخات محدودة، منذ الانسلاخ الأول في «الجماعة الأم» عام 1940، عندما تركها بعض شبابها وأسسوا ما أسموها «جماعة شباب مُحمد».
غير أن ما يحدث الآن يُفيد بأن تنظيمات «الإخوان» أكثر هشاشةً مما كان مُتصوراً. فالشواهد متزايدة على انكسار تنظيمي داخلي يأخذ شكلين مختلفين. الأول استقالات متزايدة من حزب «حركة النهضة» تنطوي على مغزى عميق، وقد تتطور باتجاه انشقاق كبير أو أكثر في ظل تمترس قيادته في موقعها ورفضها إجراء أي إصلاح داخلي، أو التخلي عن هيمنتها على الحزب. ويزيد أهمية هذه الاستقالات أنها تشمل قادةً في الصف الأول.
والثاني صراع حاد يُنذر بانقسام هيكلي في جماعة «الإخوان» في مصر بين جناحي إبراهيم منير ومحمود عزت، كما في «حزب العدالة والتنمية» بعد أن وصل التباعد بين جناحي سعد الدين العثماني وعبد الإله بن كيران إلى ذروته، إثر الهزيمة التي أخذت الحزب من قمة الخريطة السياسية إلى قاعها. وربما يقود هذا الانقسام إلى انشطار كل من الجماعة في مصر والحزب في المغرب.
وهذا هو مصدر الأهمية الخاصة للانكسار التنظيمي الداخلي، إذ تكون آثاره عادةً أقوى وأعمق وأطول مدى من الانكسار السياسي، وخاصة حين يحدث في تنظيمات تفتقد قيمة الحوار وقُبول الاختلاف والاستعداد للمراجعة الجادة.

عن "الاتحاد" الإماراتية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية