صابر بليدي
عمّق تحديد الـ18 من شهر أبريل القادم، كموعد للانتخابات الرئاسية في الجزائر، من الأزمة التي تتخبط فيها الأحزاب الإخوانية في البلاد، فبعد عزم حركة مجتمع السلم على ترشيح رئيسها عبدالرزاق مقري لخوض السباق الرئاسي، أظهر الرئيس السابق للحركة أبوجرة السلطاني بوادر تمرد داخلي، بالنية في الترشح هو الآخر أو التوجه لدعم مرشح ما غير مرشح حزبه.
وجاءت معالم التفكك المبكر في حركة حمس، في خضم الوتيرة المتسارعة التي أفرزها صدور مرسوم استدعاء الهيئة الناخبة، حيث تعكف العديد من الأحزاب السياسية والشخصيات المستقلة على تحضير نفسها وسحب استمارات الاكتتاب من وزارة الداخلية.
وإذ اختار عبدالرزاق مقري مسقط رأسه (محافظة المسيلة) للإعلان عن نيته الترشح بعد عرض المسألة على هيئة مجلس الشورى الوطني الذي استدعي للانعقاد خلال الأيام القليلة المقبلة، وألمح إلى بعض الخطوط العريضة لبرنامج حركته، فإن غريمه عقد السبت الماضي لقاء جهويا لما بات يعرف بـ”المنتدى العالمي للوسطية” في العاصمة.
ولم يبد أبوجرة السلطاني أي تناغم مع طموح عبدالرزاق مقري في خوض سباق الانتخابات الرئاسية، وألمح إلى خلافات بينه وبين الرجل، مبررا المسألة بما أسماه “ميثاق المنتدى الذي حدد شروطا معينة في الشخصية التي يدعمها في الاستحقاق الرئاسي”.
وينتظر أن يستقطب الاستحقاق الرئاسي العديد من الشخصيات المنحدرة من تيار الإسلام السياسي، حيث سيكون الوعاء الإخواني مشتتا على عدد من الشخصيات والأقطاب، قياسا بالمواقف المتضاربة لرموزه، ليزيد من المتاعب الشعبية للتيار، التي بدأت تتجلى منذ الانتخابات التشريعية والمحلية التي جرت في السداسي الأول من العام 2017.
وفيما أعلن زعيم حزب تجمع أمل الجزائر (تاج) عمار غول، الموالي للسلطة، عن ترحيبه بقرار استدعاء الهيئة الناخبة، ونفى أن يكون قد دعا إلى تأجيلها أو ناشد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة بالترشح إلى ولاية رئاسية خامسة، أرجأت جبهة العدالة والتنمية موقفها من مسألة الانتخابات الرئاسية إلى غاية انعقاد مجلس الشورى قريبا في دورة طارئة.
وأثارت المناورات الأخيرة التي قام بها عبدالرزاق مقري، عبر ما أسماه بـ”مبادرة التوافق الوطني” وتأجيل الانتخابات الرئاسية إلى العام 2020، وكشفه عن لقاءات متكررة من شقيق الرئيس ومستشاره الشخصي سعيد بوتفليقة، لبحث سيناريو التأجيل، موجة كبيرة من الانتقادات الحادة التي طالت حركة حمس.
وجاءت أولى عبارات النقد من النائب البرلماني حسن عريبي، من جبهة العدالة والتنمية، الذي انتقد بشدة في بيان له “مناورات الحركة” واتهم زعيمها بـ”تحطيم الطبقة السياسية وتيار الإسلام السياسي بعدما لعب على أوتار المعارضة في تكتل الحريات والانتقال الديمقراطي، ثم المشاركة في الانتخابات وبعدها محاورة السلطة والتخطيط معها لفرض سيناريو معين”.
وسبق لعبدالرزاق مقري أن اتهم رفيقه السابق في تيار الإخوان عمار غول، قبل أن ينشق عنه في 2012، بـ”السطو على مبادرة التوافق الوطني” والعمل على تمييع المشروع، بإطلاقه مبادرة “الندوة الوطنية للإجماع الوطني”، الأمر الذي كرس حالة التنافر الداخلي لدى رموز التيار الإخواني.
وعاتب ناشطون في حركة مواطنة المعارضة رئيس حمس على قيادته لاتصالات سرية مع محيط الرئاسة، والتخطيط لفرض خيار التأجيل رغم مساسه بالنص الدستوري، كما استغرب رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي والاجتماعي (غير معتمد) كريم طابو، ورئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية محسن بلعباس، “الخطوة التي قامت بها حمس، والانقلاب على مواقفها السابقة”.
وانتقد كريم طابو ما وصفه بـ”مناورات حمس، وقيامها باتصالات سياسية مع شخصية لا تحمل أي صفة رسمية في الدولة الجزائرية”، في إشارة إلى سعيد بوتفليقة، رغم أن مقري برر المسألة بكون “رئيس البلاد هو من فوض الرجل، وليس من حق حمس رفض من يفوضه الرئيس للحديث باسمه”.
ويعمل رئيس حمس على إرباك المشهد السياسي من خلال التصريحات الحساسة التي يدلي بها في مجالسه وفي كواليس الحركة، فهو من جهة اتهم “الجيش وأحزاب الموالاة والمخابرات القديمة بإجهاض مبادرة التوافق الوطني”، ومن جهة أخرى ذكر أن “عائلة الرئيس تخشى من انتقال مفاجئ في السلطة يتحول إلى انتقام، وأن السلطة خائفة ومرتبكة”.
وتوحي تصريحات مقري إلى إدارته لمعارك متناقضة في آن واحد، لإخراج نفسه في ثوب البطل الذي يخلص البلاد من السلطة وممّن يشاركونه لواء الإسلام السياسي.
عن "العرب" اللندنية