الاستحقاقات اللبنانيّة الكبرى... التّسليم لـ"حزب الله" أو التّعطيل والفراغ؟

الاستحقاقات اللبنانيّة الكبرى... التّسليم لـ"حزب الله" أو التّعطيل والفراغ؟


04/06/2022

إبراهيم حيدر

أنجز مجلس النواب اللبناني انتخاب رئيسه نبيه بري للمرة السابعة توالياً، ونائباً له هو الياس بو صعب. لكن هذه المرة لم تكن كسابقاتها بعد التحولات التي أحدثتها الانتخابات النيابية الأخيرة، فلا أكثرية نيابية، وفي المقابل لا قدرة على إحداث تغيير سياسي معاكس لما أنتجه اتفاق الدوحة 2008 وما كرّسه من ثلث معطل، ولا السير نحو تطبيق اتفاق الطائف وفق التوازنات الجديدة. التأزم اللبناني مستمر ومفتوح على الاستحقاقات المصيرية المقبلة، بدءاً بالمعركة على اسم رئيس الحكومة وتشكيلها، واحتمالات الانفجار السياسي والأمني والاجتماعي، على ما نشهده من صراعات بين القوى السياسية والطائفية وترهّل المؤسسات والتفلت الأمني والفوضى.

يتبين من خلال ما أنتجه مجلس النواب أن "حزب الله" يخوض معركة الممانعة لبناء أكثرية جديدة، وإذا لم يتمكن من ذلك يستخدم فائض قوته وهيمنته لفرض وقائع سياسية. هذا الأمر، وإن لم يكن متاحاً في انتخاب الرئيس ونائبه في مجلس النواب، لكن ممارسته ممكنة عند تشكيل الحكومة وانتخابات رئاسة الجمهورية عبر استخدام القوة والقدرة على التعطيل. المشهد السياسي اللبناني الحالي يظهر عجزاً خطيراً عن صوغ التسويات السياسية وعن بلورة خطط إنقاذ، فقوى التغيير التي دخلت إلى مجلس النواب غير قادرة على إحداث نقلة نوعية نحو التغيير، بسبب الاصطفافات القائمة بين المحاور السياسية، وهي لا يمكنها أن ترسم طريق إعادة بناء الدولة والمؤسسات في ظل الهيمنة.

توازنات مجلس النواب اللبناني الجديدة، لن تغير كثيراً من الممارسات السياسية في البلد، ولن تحدث انقلاباً في عملية تشكيل الحكومات، فالبلد أمام انسدادات سياسية خطيرة عند بدء معركة تشكيل الحكومة والصراع على توازناتها، فيما "حزب الله" يستنفر قوته في المعركة الإقليمية ويعود لإدخال لبنان في دائرة الصراع والمعارك، في ظل التأزم الإقليمي والدولي، ما يعني أنه يعوّض فقدان الأكثرية النيابية بالتصعيد الإقليمي لإعادة الهيمنة والإمساك بالقرار من موقعه الإقليمي، خصوصاً أن التوازنات اختلّت سياسياً ونيابياً بعد التراجع الذي أصاب محور الممانعة وجعل أكثريته غير حاسمة.

أظهرت القوى السياسية والطائفية في لبنان، الممسكة بزمام الأمور، أنها قادرة على إعادة إنتاج نفسها بقوة، وإدارة اللعبة، ليس فقط باستغلال خلافات القوى المعارضة واختلافاتها في مقاربة الأمور فحسب، بل باستقطاب بعضها وفرض وقائع سياسية تستمد قوتها من الأمر الواقع المفروض منذ عام 2016، أي منذ انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية اللبنانية وحكمه بالتحالف مع "حزب الله"، وهذا ما حدث في انتخابات رئيس مجلس النواب.

وعلى هذا يقف لبنان أمام احتمالات عدة، أبرزها التعطيل المحتمل للمؤسسات بعد إنجاز الانتخابات النيابية، في غياب التفاهمات، يبدأ بتعطيل المجلس لفرض إرادة الأقوى. وثانياً قد ينسحب التعطيل على تشكيل الحكومة المقبلة، ما لم يحصل توافق عليها وقبل ذلك اختيار اسم رئيسها، وهذا يعني أن تشكيل الحكومات، إما يستمر كما كان في السابق، وتحديداً بعد اتفاق الدوحة 2008 وانتزاع الثلث المعطل، وإما يبقى البلد في حالة فراغ حكومي.

في استحقاق الحكومة، لا يظهر أي معطى يشير إلى الاتفاق بين الأقليات النيابية على المرحلة المقبلة، وعلى معالجة جدية للتأزم السياسي والمالي والاقتصادي. الأجواء تشير إلى أن القوى السياسية والطائفية التي عادت إلى مجلس النواب بلا أكثرية، ستستمر بالنهج ذاته الذي على أساسه تتشكل الحكومة. فرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مرشح للعودة، لكن بشروط، ليس لأن لا غطاء دولياً أو قوة دعم إقليمية لإعادة تسميته، بل لأن التوازنات الجديدة لن تعطي ميقاتي الأكثرية إلا بشروط، خصوصاً التي يضعها رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، اللذان يريدان حكومة تناسب تطلعاتهما وبمعايير محددة وأكثرية راجحة بثلث معطل قبل استحقاق انتخابات الرئاسة، فضلاً عن الخلاف الذي نشأ أخيراً وتغريد ميقاتي خارج سرب العهد برفضه طلبات معينة، أبرزها إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.

وحتى الآن، وفي ضوء التأزم الإقليمي، ليس من توجه دولي للضغط من أجل عقد تسويات للحل اللبناني، تُعجل في تشكيل الحكومة وصولاً إلى تمرير استحقاق الرئاسة المقبل. التطورات الإقليمية والدولية وفشل توقيع الاتفاق النووي سيبقي لبنان في حالة تعطيل، يسير على وقع الفراغ إلى توقف عمل مجلس النواب وعدم قدرته على تمرير مشاريع القوانين المطلوبة، فيما لا يزال "حزب الله" في موقع القوة بتأثيراته الإقليمية وسلاحه. وهذا التعطيل قد يأخذ مسارات مختلفة، لتحسين الشروط أمام أي استحقاقات أو توجهات للحل في لبنان، فبقدر ما أن "حزب الله" يسعى للتعويض عن فقدانه الأكثرية ياستحضار قوته الإقليمية، فإن "التيار الوطني الحر" يحاول تعويض تقلص كتلته النيابية من 29 نائباً في 2018 إلى 22 مع حلفائه، بفرض شروط هائلة على تشكيل الحكومة تحضيراً لاستحقاق انتخابات الرئاسة في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل أو البقاء في القصر الجمهوري، فيما "القوات اللبنانية" لا تستطيع حتى بكتلتها المسيحية الكبيرة أن تغير من الوقائع لغياب قدرتها على التحالفات والتأثير على مسارات الأمور.

الانتخابات النيابية الأخيرة بقدر ما أحدثت تحولات في المشهد السياسي اللبناني، إلا أنها بفعل الأمر الواقع والقدرة على التعطيل، لم تحدث انقلاباً يُسقط مفاعيل الثلث المعطل الذي تكرّس في الحكومات السابقة. لذا يبقى البلد مفتوحاً على مزيد من الأزمات بأشكال مختلفة، طالما لا وجود لتفاهمات إقليمية ودولية على صوغ تسوية تنظم التوازنات الجديدة، وهذا الانسداد يكرس الفراغ والتعطيل، بما يعني إسقاط نتائج الانتخابات، وقد يؤدي إلى انفجار يستجلب تدخلاً إقليمياً ودولياً من نوع آخر.

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية