الاتحاد الأوروبي وانتهاكات حقوق الإنسان في تركيا وبيلاروسيا

الاتحاد الأوروبي وانتهاكات حقوق الإنسان في تركيا وبيلاروسيا


كاتب ومترجم جزائري
08/03/2021

ترجمة: مدني قصري

في كل عام، يَمنح أعضاء البرلمان الأوروبي جائزة ساخاروف لشخصيةٍ أو منظمة، هدفُها مكافأة "حرية العقل". تفيدنا قائمة الفائزين بالجائزة عن البلدان التي لا تكون فيها الحياة على ما يرام بالنسبة للمنشقين: الصين، وروسيا، وفنزويلا، إلخ. في عام 2020 تلقت إحدى المنظمات هذا التميز: "المعارضة الديمقراطية البيلاروسية" التي يرأسها لوكاشينكو.

لا يزال من العسير جداً على الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة فرض عقوبات على دولة ترتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان داخل حدودها

بيلاروسيا وتركيا (التي مُنِحت إحدى مواطنيها، الناشطة الكردية ليلى زانا، جائزة ساخاروف في عام 1995) تسخران من الاتحاد الأوروبي الذي لا حول له ولا قوة بشأن موضوع يقع مع ذلك ضمن ات وجوده، كما تؤكد المادة 2 من معاهدة الاتحاد الأوروبي (1992):

"تأسس الاتحاد على قيم احترام كرامة الإنسان والحرية والديمقراطية والمساواة وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان. "

بموجب هذا المفهوم، تتهاطل قرارات البرلمان الأوروبي على مينسك وأنقرة منذ سنوات، وتعرب عن نفس الشكاوى: الاحتجاز غير القانوني للمعارضين السياسيين، وقمع الشرطة، وعدم احترام الحقوق والحريات الأساسية.

اقرأ أيضاً: تركيا: ما رأي الحقوقيين في خطة أردوغان لحقوق الإنسان؟

على الرغم من انشغالها الدائم بالاحتجاج الشعبي الذي يحتدم في بيلاروسيا وتركيا، فإن بروكسل تعاني كثيراً في إظهار العزم والحزم. ففي آب (أغسطس) 2020، جَدّدت انتخابات رئاسية مزورة لمدة خمس سنوات ولاية ألكسندر لوكاشينكو البالغ من العمر 66 عاماً، وهي الولاية القائمة منذ عام 1994، مما دفع البلاد إلى مناخ ثوري، بل وقادت الاتحاد الأوروبي إلى رفض الاعتراف بنتائج التصويت.

الاتحاد الأوروبي يدعم تيكانوفسكايا

احتشدت المعارضة الديمقراطية حول امرأة لم تكن معروفة من قبل، تدعى سفيتلانا تيكانوفسكايا، تدعي أنها هي الفائزة في الانتخابات. وقد أعقب هذه الانتخابات إضراب عام واحتجاجات سلمية ضخمة تم قمعها بعنف: اعتقالات وتعذيب وخطف وترهيب. فهكذا أخلى بلوكاشينكو في النهاية الشوارع من المتظاهرين. وتواصل تيكانوفسكايا الآن النضال من منفاها الليتواني بدعمٍ معلن من الاتحاد الأوروبي.

اقرأ أيضاً: انتهاكات أردوغان لحقوق الإنسان تكشف خدعة خطته الإصلاحية

لكن بصرف النظر عن منح جوائز ساخاروف التي تترك المستبدين غير مبالين، فما الذي يمكن أن يفعله الاتحاد الأوروبي من أجل حقوق الإنسان؟

المسألة حاسمة بالنسبة لهاتين الدولتين المجاورتين للاتحاد الأوروبي اللتين أقامتا روابط مؤسسية معها: مفاوضات الانضمام لتركيا، وسياسة الجوار الأوروبية لبيلاروسيا. أدوات التقارب هذه، التي تهيء، من بين أمور أخرى، لتعزيز حقوق الإنسان، يتم تحييدها الآن بسبب الانجراف الاستبدادي للدولتين. الاتحاد الأوروبي الذي يتعاظم قلقه في شأن أمنه الذي أضعفه الطلاق البريطاني، يكافح اليوم من أجل الترويج لقيمه في الخارج، على الرغم من وسائل العمل التي يحتفظ بها بفضل قوته.

نقاط الضعف

تشكل التصريحات العلنية لكبار المسؤولين في بروكسل أوّلَ أداة ممكنة. لكن لكي تكون مقنعة، فإنها تحتاج إلى الاتساق. فالحال أنّ الدبلوماسية الأوروبية، على الرغم من أنها أصبحت أكثر استقلالية تجاه الدول الأعضاء، فإنه يصعب أحياناً قراءتها، كما يتضح من الرجل الذي يقودها، الإسباني جوزيب بوريل. في كلماته حول تركيا، كانت المسألة مجرد "مدّ اليد" و"مقاربة بناءة"، بينما ظلت أوضاع حقوق الإنسان تتدهور بشكل مطرد على مدى عقدين، مما أضر بشكل خاص الأكراد والأكاديميين الذين يرفضون الخط الذي يمليه النظام. من ناحية أخرى، فعندما يتعلق الأمر ببيلاروسيا، نرى جوزيب بوريل يتحدث عن طيب خاطر عن العقوبات.

قد يصبح النموذج الغربي أقل جاذبية، وهو يتعرض للمنافسة من نموذج شي جين بينغ، الذي يغري الحكام المستبدين: الازدهار بدون ديمقراطية

كيف نبرَّر هذه المعاملة التفاضلية؟ قد يكون لعزلة بيلاروسيا علاقة بهذا: الأوروبيون، في انتقادهم  لـِ لُوكاشينكو، على يقين من أنهم لا يسيئون إلا إلى شخص مستبد غالباً ما كان شخصاً بشعاً. ديكتاتور مينسك، المنغلق في عالم موازٍ يحنّ إلى الحقبة السوفييتية، يدير ظهره بحزم للغرب "الشيطاني".

تركيا تُشتت انتياه الأوروبيين

في المقابل، تتمتع تركيا بقوة إزعاج قوية: ففي الفوضى الليبية حيث نشرت آلاف الجنود منذ عام 2019، وعلى طرق الهجرة من سوريا إلى أوروبا التي تسيطر عليها، وفي أوروبا نفسها بفضل الشتات التركي المقيم في أوروبا، الذي لم يُخْفِ رأيه المؤيد لأردوغان في الاستفتاء الدستوري لعام 2017، والآن في شرق البحر الأبيض المتوسط، ​​وناغورنو كاراباخ. على هذه الجبهات المتعددة، تصطدم تركيا بمصالح الدول الأوروبية، ولا سيما فرنسا. كما تؤدي هذه الهجمات على الاستقرار الإقليمي إلى تشتيت الانتباه عن انتهاكات حقوق الإنسان في داخل تركيا.

العقوبات الأوروبية، أداةٌ بلا فعالية

كما لاحظ الدبلوماسي والباحث ماكسيم لوفيفر، فإنّ التصريحات "تظل ذات تأثير ضئيل عندما لا تكون مدعومةً بالعمل الدبلوماسي والوسائل القسرية". فإن كان الاتحاد الأوروبي يستطيع أن يكون حازماً وقسرياً بالفعل، فذلك يجب أن يكون في المجال الاقتصادي أوّلاً، ولا سيما مع تركيا، التي تعد أكبر شريك تجاري لها. يدعمها الاتحاد الأوروبي بالإعانات أيضاً في إطار برامج التعاون: وحدها، أموال ما قبل الانضمام IPA، وهي أداة تمول تنمية الدول الأعضاء في المستقبل، تمثل أكثر من 1,6  مليار يورو، للفترة 2007-2013.

لا يزال من العسير جداً على الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة فرض عقوبات على دولة ترتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان داخل حدودها، دون المساس بالأمن الدولي. لكن الصعوبة تزداد خطورة عندما تتمكن الدولة المعنية من الحفاظ على توازن القوة. ففي صيف عام 1989، أدت مذبحة المتظاهرين في ميدان تيانانمين على يد الجيش الصيني إلى فرض حظر أوروبي على الأسلحة لبكين ووقف التعاون.

اقرأ أيضاً: بالأرقام.. تركيا تتصدر عالمياً في ملف انتهاكات حقوق الإنسان

بعد ثلاثين عاماً، عندما أصبحت الصين قوة عظمى، أصبح الاتحاد الأوروبي أكثر تردداً في اتخاذ إجراءات صارمة، على الرغم من الانتهاكات الجسيمة للحقوق والحريات الأساسية، لا سيما تلك التي تعاني منها أقلية الأويغور. حرص أعضاء البرلمان الأوروبي على منح جائزة ساخاروف لممثل هذه المجموعة العرقية المضطهدة - المفكر إلهام توهتي، في عام 2019 - وفي 17 كانون الأول (ديسمبر) 2020 صوّتوا على قرار بعدم الالتزام بأي شيء. من صلاحية المجلس الأوروبي إعلان العقوبات بالإجماع من قبل سبعة وعشرين رئيس دولة أو حكومة. لكن مبادئ السياسة الخارجية تختلف وتتباين بين الدول الأعضاء.

اقرأ أيضاً: الأرقام تتكلم.. هذا واقع حقوق الإنسان في تركيا

ولكن حتى عندما ينتهي الأمر بالدول الأعضاء إلى إصدار عقوبات، فما الذي تؤدي إليه؟ تكبدت بيلاروسيا، منذ عام 1996 من مجموعة كاملة من العقوبات التي تستطيع بروكسل القيام بها: قطع الاتصالات وبرامج التعاون  وحظر التأشيرات على لوكاشينكو وشخصيات أخرى، وحتى تجميد الأصول. يبدو أنّ هذه الإجراءات أتت ثمارها من عام 2007 إلى عام 2010، مما سمح بتسخينٍ ملحوظٍ للعلاقات مع الاتحاد الأوروبي. لكن تشدد النظام الجديد ما لبث أن أغلق هذا القوس. أثبتت روسيا أيضاً، تحت وطأة العقوبات الأوروبية منذ ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014، مدى صعوبة إحلال أجندة بناءة محلّ منطق الحرب الباردة، على الرغم من المصالح التجارية والاستراتيجية المشتركة بين روسيا والأوروبيين.

الازدهار بدون ديمقراطية

لماذا يصعب تعزيز حقوق الإنسان؟ يجب التذكير أنها في جزء منها "بناء ثقافي غربي"، مبني على تراث ديني وفلسفة التنوير، وأنها مرتبطة بمفهوم الكونية الذي أصبح موضع تساؤل الآن. لا تشارك القوى الناشئة في القرن الحادي والعشرين هذا التقليد بالضرورة. في هذا الصدد، أضحت إقليميّة أوروبا في النظام العالمي لا تبشر بالخير من حيث ما تعتبره من حقوق الإنسان الأساسية. في المستقبل، قد يصبح النموذج الغربي أقل فأقل جاذبية، ولا سيما وهو يتعرض للمنافسة من نموذج شي جين بينغ، الذي يملك ما يغري به الحكام المستبدين في جميع أنحاء العالم: الازدهار بدون ديمقراطية.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

theconversation.com

الصفحة الرئيسية