الإسلام السياسي التركي.. انتهاكات للحريات وحقوق الإنسان

الإسلام السياسي التركي.. انتهاكات للحريات وحقوق الإنسان


16/06/2020

مثل تقرير الحريات الدينية لعام 2020، الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، مطلع شهر أيار (مايو) الجاري، فصلاً جديداً في التوتر القائم بين تركيا والولايات المتحدة، وصدمة مدوية في الأوساط الرسمية التركية، وذلك في ظل خيبة أمل الأخيرة في ترميم علاقاتها بواشنطن، وفشلها في تبييض وجهها لدى الولايات المتحدة والغرب إزاء ممارساتها العدوانية تجاه حرية الصحافة، وحرية الرأي والتعبير، وكذا، أوضاع الأقليات الدينية والقومية، بالإضافة إلى غيرهم من الفئات الأخرى المستهدفة من بين العاملين في المجالات السياسية والحقوقية والمدنية المختلفة، لطالما تتناقض أفكارهم وأهدافهم مع سياسات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، فيتعرضون للتنكيل والقمع والفصل التعسفي من أعمالهم؛ حيث يحكم الأخير قبضته المتعسفة على مجمل الأوضاع الداخلية، في ظل النظام الرئاسي الجديد الذي طبقه، مؤخراً.
العدوان مستمر
واعتبر التقرير أنّ العام 2019، عكس أوضاعاً "مقلقة" في مستوى الحريات الدينية بتركيا، وذلك على إثر استمرار سياسة القمع من جانب الحكومة التركية، التي تتمثل في تقييد الممارسات الدينية للأقليات، والتدخل المتنامي في أنشطتهم المختلفة، فضلاً عن ارتفاع حوادث العنف المجتمعي ضد هذه الفئات.

اقرأ أيضاً: "كورونا" وفاشية أردوغان
تزامن نشر التقرير مع إرسال دفعة ثانية من المساعدات الطبية إلى الولايات المتحدة من جانب تركيا، نهاية نيسان (أبريل) الماضي، على خلفية أزمة فيروس كورونا المستجد، في محاولة لرأب الصدع في العلاقة بين الطرفين؛ إذ قالت وكالة الأناضول الرسمية ، إنّ المساعدات الطبية والوقائية جاءت بناء على تعليمات الرئيس التركي.

بينما أرفق أردوغان رسالتين أثناء إرساله المساعدات الطبية في المرتين، حيث خاطب فيهما الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بعبارات تجنح إلى الود الشديد، والرغبة في مواصلة التعاون والتحالف بينهما، وقد بدأهما بـ"السيد الرئيس، صديقي العزيز"، وقال في الرسالة الأخيرة: "كونوا على ثقة بأنّ بلادي ستواصل كافة أشكال التضامن باعتبارها شريكاً موثوقاً وقوياً للولايات المتحدة، سواء من حيث تلبية الاحتياجات الأساسية في ظل الوباء أو في مرحلة العودة إلى الحياة الطبيعية"، ومؤكداً أنّ "التطورات الأخيرة في منطقتنا أظهرت أهمية مواصلة التحالف التركي الأمريكي والتعاون بأقوى صوره".

اقرأ أيضاً: أردوغان ومندريس.. المسار والنهاية
كما أبدى أردوغان رغبته في معالجة الأزمات الموجودة بين البلدين، حيث لفت في رسالته الأولى إلى أنّه يتطلع إلى "أن تشهد الفترة المقبلة في ظل روح التضامن التي أبديناها خلال الوباء تفهماً أفضل من الكونجرس ووسائل الإعلام الأمريكية للأهمية الاستراتيجية لعلاقاتنا، وأن يتصرفوا بالطريقة التي يستوجبها سعينا المشترك لحل مشاكلنا المشتركة".
بيئة معادية للأقليات والتنوع
لا يكاد يختلف تقرير العام الحالي عن التقارير الأخرى التي صدرت خلال الأعوام الماضية، سواء من وزارة الخارجية الأمريكية أو المنظمات الحقوقية الأممية، لا سيما هيومان راتيس ووتش، والتقرير الصادر عن مؤتمر بروكسل، في العامين الماضيين، بينما دانت جميعها سياسات النظام التركي فيما يتصل بالأوضاع الحقوقية، المدنية والسياسية، ووصفتها بأنها تمثل "تهديداً" للحريات وأوضاع حقوق الإنسان، بيد أنّ تقرير هذا العام، والذي تضمن اتهامات واسعة ضد أنقرة، واجهته الأخيرة بانزعاج شديد، وتصدت للحقائق والأرقام الموثقة بعبارات بلاغية وجمل مترددة، ليس فيها تفنيد للواقع.

 

ولم يغفل التقرير الأمريكي التدخلات التركية الخارجية، التي تبعث بتأثيرات سلبية على محيطها الإقليمي والمحلي؛ حيث وصف الوجود التركي في شمال وشرق سوريا بـ"الاحتلال"، كما أضاء التقرير على نقاط محددة تتعلق بوقائع انتهاك حقوق الأقليات الدينية في تركيا، حيث أوضح أنّه كما في السنوات السابقة، مازالت الحكومة التركية مستمرة في التدخل في الشؤون الداخلية للطوائف الدينية، وذلك عبر منع انتخاب أعضاء مجلس الإدارة لمؤسسات غير مسلمة، من ناحية، وإدخال قيود جديدة على الانتخابات التي طال انتظارها لبطريرك الكنيسة الرسولية الأرمنية، من ناحية أخرى.

 

اقرأ أيضاً: الغارديان: اللاجئون بيادق سياسية بيد أردوغان لإرهاب الغرب
ولفت التقرير إلى دور وزارة الداخلية التركية التي عملت على تقليص ترشيحات بعض الأفراد في الانتخابات الأخيرة، كما اتهم، في السياق ذاته، الحكومة بانتهاك الحرية الدينية للطائفة العلوية، والتي تعد أكبر الأقليات الدينية في البلاد؛ حيث لم يظفروا باعتراف رسمي حول دور العبادة الخاصة بهم، حتى الآن، بالرغم من وجود حكم من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، يؤكد على أنّ هذه السياسات تمثل تعدياً لحقوق العلويين.
سياسة "الذئب الرمادي"
التقرير ذاته أوضح أنّ الأقليات الدينية في تركيا، كشفت عن المعاناة التي يعيشون تحت وطأتها من جراء الخطابات والسياسات الحكومية التي توفر بيئة معادية ضدهم، كما تساهم بشكل ضمني في ممارسة العنف والعنصرية تجاههم، خاصة، وأنّ المسؤولين الحكوميين تنسب لهم عبارات تبعث على الكراهية والتعصب، في حين لم يحدث، خلال العام الماضي، أي تقدم لإلغاء قانون التجديف التركي.

 

وفي العام 2019، تعرضت المواقع الدينية والثقافية، الأرمنية والآشورية واليونانية، ومن بينها، المقابر الخاصة بهم إلى أضرار جمة، تراوحت بين التخريب المباشر أو الدمار بسبب الإهمال المتعمد من جانب الحكومة، بحسب التقرير الأمريكي؛ وقد أوضح أنّ من بين أشكال الإهمال والتخريب التي تبين حجم الاعتداء على الأماكن المقدسة لدى الأقليات، تأتي مشاريع البناء التي أقرتها الدولة في محيط تلك الأماكن، الأمر الذي تشهده مقاطعة سيفاس، شرق تركيا، حيث أصدرت الحكومة تصاريح التعدين للمنطقة المحيطة بالأماكن المقدسة للعلويين.

 

أوضاع "مقلقة" في مستوى الحريات الدينية بتركيا، وذلك على إثر استمرار سياسة القمع من جانب حكومة أردوغان

وثمة واقعة مهمة أشار لها التقرير؛ حيث دعا الرئيس التركي، في آب (أغسطس) العام الماضي، بتحويل كنيسة للسريان الأرثوذكس في اسطنبول إلى مسجد، وكان قد سبق ووضع لها حجر الأساس لترميمها، بينما تعد أول كنيسة في تاريخ الجمهورية التركية، لكن وعلى الرغم من ذلك، تكررت دعوة أردوغان لأكثر من مرة لجهة تحويلها إلى مسجد.
وفي تشرين الثاني (نوفمبر) العام الماضي، صدر حكم قضائي من محكمة تركية عليا، يسمح بتحويل متحف كنيسة أرثوذكسية يونانية أخرى إلى مسجد.
من جانبها، اعترضت وزارة الخارجية التركية، في بيان رسمي لها، على ما جاء في تقرير الحريات الدينية لعام 2020، ورفضت الاتهامات المنسوبة للحكومة التركية والنظام؛ إذ وصفت التقرير بأنّه "ليس محايداً وأعد بلغة بعيدة عن الحيادية، كما حدث في الأعوام الماضية".

 

ووصف الناطق الرسمي بلسان الخارجية التركية، حامي أقصوي، التقرير بأنّه يستند إلى "ادعاءات ومزاعم ومصادر مجهولة، محاولاً إظهار حالات فردية على أنها انتهاك للحريات الدينية في تركيا"، موضحاً أنّ "المزاعم الواردة في التقرير وغياب الحيادية فيه، يلقي بظلاله على مصداقية التقرير".

 

الإسلام السياسي التركي خدع الناس بنظرية "صفر عدو"، في الوقت الذي كان يروج فيه لخطاب ما قبل التمكين

وإلى ذلك، أوضح الباحث والمفكر المغربي، سعيد ناشيد، أنّ الإسلام السياسي الحاكم في تركيا هو الوريث الفعلي لكل من الفاشية العثمانية قبل الحرب العالمية الأولى، والفاشية الوطنية قبل الحرب العالمية الثانية، مؤكداً لـ"حفريات" أنّ "الإسلام السياسي التركي خدع الناس بنظرية "صفر عدو"، وذلك في الوقت الذي كان يروج فيه لخطاب ما قبل التمكين، غير أنّه بعد أن تمكن تخلى فوراً عن أقنعته، وأظهر وجهاً غير مسبوق في الفاشية، والتي اتخذت هذه المرة مظهراً دينياً لأجل الدعاية والتسويق".
وبحسب ناشيد، فقد جمع الإسلام السياسي التركي بين يديه أسوأ مظاهر الفاشيات القديمة والمحدثة كلها؛ لذلك فإنّ ما يجري، الآن، في تركيا من قمع للأقليات الدينية والعرقية، ليس سوى الفصل الأخير من مسلسل طويل من الانتهاكات المريرة، التي يحفل سجلها الأسود بوقائع اعتداء متفاوتة للحريات وحقوق الإنسان، بالإضافة إلى حالات تعرضت للتنكيل والقمع، بيد أنّ هذا الفصل الأخير، برأي، المفكر المغربي، قد يكون الجحيم عينه.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية