
بينما تحولت القارة الإفريقية ساحة لصراعات الدول العظمي ما ساهم في عدم الاستقرار السياسي وقوض جهود مكافحة الإرهاب، تواصل وتيرة الأنشطة الإرهابية الارتفاع بشكل ملحوظ خلال الأشهر الأخيرة، حيث شكلت الوفيات العالمية الناجمة عن الإرهاب في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء خلال 2023 نحو 48% من الوفيات الناجمة عن الهجمات الإرهابية في العالم.
وفي أحدث تحركاته، شنت ميليشيات "القوات الديمقراطية المتحالفة" الموالية لتنظيم "داعش" الإرهابي من خلال فصيل يطلق عليه "ولاية وسط أفريقيا"، سلسلة هجمات على عدة قرى بإقليم "بيني" الواقع شرق الكونغو الديمقراطية.
وقال مرصد الأزهر لمكافحة التطرف إن الهجمات أسفرت عن مقتل ما يفوق 37 شخصًا على مدار الأيام الثلاثة الماضية، وفقًا لما ذكرته وسائل إعلام محلية.
وأوضحت تنسيقية المجتمع المدني في إقليم "بيني" الواقع شرق الكونغو الديمقراطية في بيان لها، أن عناصر مليشيات "القوات الديمقراطية المتحالفة" هاجمت عدة قرى تابعة لمنطقة بابيلا باكايكو بإقليم "بيني" في مقاطعة "كيفو الشمالية" على مدار ثلاثة أيام.
وقال رئيس تنسيقية المجتمع المدني المحلي كينوس كاتوهو، إنّ حصيلة هجمات المليشيا الموالية لتنظيم داعش الإرهابي ارتفعت إلى 37 قتيلًا على الأقل، بالإضافة إلى إحراق تسعة منازل وسبع دراجات نارية، مشيرًا إلى أن جنود القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية المنتشرين في المنطقة شرعوا في ملاحقة العناصر المسلّحة التي بدورها اتجهت إلى الغرب فارين من الملاحقة الأمنية، وفقا لما أورده موقع "اليوم السابع" المصري.
تداعيات خطيرة
ولمواجهة ذلك، تحاول بعض دول منطقة شرق القارة السمراء أن تحل الأزمة الأمنية التي تواجهها عن طريق عدة قرارات أمنية، منها مباشرة نيجيريا لـ"عملية الممر الآمن"، وهذه العملية توفر ممراً آمناً للعناصر العاديين منخفضي الخطورة، والذين يرغبون في ترك الجماعات الإرهابية، إذ ينشق هؤلاء العناصر بسبب الضغط العسكري عن داعش التنظيم.
تحولت القارة الإفريقية ساحة لصراعات الدول العظمي ما ساهم في عدم الاستقرار السياسي وقوض جهود مكافحة الإرهاب
لكن التنظيمات المتطرفة تحاول أن تصمد وتعمل جاهدةً لمنع تلك الانشقاقات، إذ ذكر الاتحاد الإفريقي أن أعداد القتلى بسبب هجماتها ارتفعت بنسبة 27% مقارنة بعام 2022 حتى في ظل هذه الانشقاقات التي واجهتها تلك الجماعات، وبدأت تعلن مسؤوليتها عن تنفيذ هجمات في مناطق جديدة في ولايات إيدو وجيغاوا وكانو وكوغي وناساراوا والنيجر وأوندو وتارابا.
في السياق، قال مالك صمويل، الباحث في المكتب الإقليمي لمعهد الدراسات الأمنية لغرب إفريقيا ومنطقة الساحل وحوض بحيرة تشاد، إنه من أجل دحر داعش في شرق إفريقيا يقتضي من السلطات إعادة تقييم استراتيجياتها.
وأكد في تصريحات إعلامية له: "أنه لابد ألا تمل المناهج الحكومية من تشجيع الانشقاق، ولكن يجدر بهم ألا يكتفوا بالقياديين والعناصر الساخطين، ولا بد من وضع استراتيجيات للتعامل مع الجماعة على جبهات مختلفة، مثل تجفيف منابع تمويلها، وإغلاق بعض الطرق المستخدمة للتجنيد والتنقل، مع وضع خطة واضحة وعملية للتعامل معهم".
وأشار إلى أن الفراغ الأمني والصراعات العرقية والقبلية في منطقة غرب إفريقيا، منحت الفرصة للتنظيمات المتطرفة وعلى رأسها داعش و القاعدة، لتكثف أنشطتهم الإرهابية، مع تهديد الأمن والاستقرار في غرب أفريقيا والساحل.
خطر القاعدة وداعش وصل إلى الذروة في أفريقيا
هذا ولفت تقرير صادر عن الأمم المتحدة، في شهر شباط (فبراير) الماضي، إلى أن الآلاف من مقاتلي تنظيمي "القاعدة" و"داعش" ينتشرون في مناطق مختلفة من قارة أفريقيا، وخصوصاً في منطقتي الساحل والقرن الأفريقي، ليصل التهديد الإرهابي إلى ذروته في القارة الأفريقية، بالتزامن مع تراجعه في مناطق أخرى من الشرق الأوسط.
وتضمّن التقرير تحليلات من خبراء في الأمم المتحدة، استناداً إلى بيانات صادرة عن الدول الأفريقية الأعضاء بالأمم المتحدة، والمتضررة من الإرهاب، كما تضمّن معلومات وافية عن التنظيمين الإرهابيين، والجماعات التي ترتبط بهما وهويات أمرائها ومصادر تمويلها والشبكات التي تربطها فيما بينها.
ذكر الاتحاد الإفريقي أن أعداد القتلى بسبب هجماتها ارتفعت بنسبة 27% مقارنة بعام 2022 حتى في ظل الانشقاقات
ربط التقرير الأممي بين انعدام الأمن في مناطق متفرقة من أفريقيا، بتوسع انتشار التنظيمات الإرهابية، وخصوصاً في منطقتي الساحل وغرب أفريقيا، حيث يرتبط انعدام الأمن بشكل وثيق مع ازدياد نفوذ "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" الموالية لتنظيم "القاعدة"، و"الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى" المُوالية لـ"داعش".
ويقول الخبراء المشاركون في إعداد التقرير إن الانقلابات العسكرية التي قوّضت الديمقراطية، وعطّلت العمل بالدستور في كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو، كانت حجتها الأولى هي "محاربة الإرهاب"، وبالتالي فإن التنظيمات الإرهابية كانت سبباً مباشراً في وقوع هذه الانقلابات، ودخول الدول الثلاث في نفق مظلم.
وكانت الأنظمة العسكرية التي حكمت دول الساحل الثلاث قد برّرت تحركها للسيطرة على الحكم والإطاحة بالأنظمة المدنية المنتخَبة، بفشل الأخيرة في القضاء على الإرهاب، حيث ظلت، طيلة السنوات العشر الأخيرة، دائرة نفوذ الإرهابيين تتسع بشكل مستمر.
حجم تهديدات الجماعات المتطرفة على إفريقيا
هذا وتوصف المنطقة الحدودية بين دول النيجر وبوركينا فاسو ومالي، بحسب المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، بأنها “المثلث الأخطر”، حيث تنشط فيها التنظيمات الإرهابية بشدة، وتنطلق من تلك المنطقة لاستهداف مناطق أخرى.
وزادت تلك التنظيمات من هجماتها وخصوصا بعد الانقلاب العسكري في النيجر في تشرين الأول/أكتوبر 2023، حيث أصبح داعش لاعبا أساسيا في منطقة الساحل، وبدأ في فرض أجندته وسيطر على مناطق واسعة شمال مالي، وبوركينافاسو.
كما انتعشت أنشطة داعش الاقتصادية والمبادلات التجارية بين مدينة ميناكا والنيجر والمناطق الخاضعة لنفوذه و بدأ التوسع يتمدد إلى الدول الأطلسية، مثل بنين وتوغو وساحل العاج، فيما تنتشر الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة وداعش في جنوب الصحراء الكبرى، إلى الدول الساحلية في غرب إفريقيا مثل بنين.
ويتركز نشاط المتطرفين ببنين في شمال البلاد، حيث يحاولون تجنيد واستقطاب الأشخاص في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023.
أفريقيا تحتضن نصف أنشطة الإرهاب عالميا
هذا وأظهرت إحصائيات نشرها مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية - مؤسسة بحثية تابعة لوزارة الدفاع الأميركية – في شباط/فبراير الماضي، سقوط قرابة 4 آلاف شخص في أفريقيا خلال 2023 بسبب الهجمات الإرهابية؛ بزيادة بلغت نحو 19 في المئة مقارنة بالعام 2022؛ حيث ارتفع العدد الكلي من 19 ألف إلى 23 ألف شخص.
وبحسب المركز فقد ارتفعت الوفيات الناجمة عن العنف المتشدد في أفريقيا خلال العام الماضي بشكل كبير لتصل إلى "مستوى قياسي من العنف المميت".
أصبح داعش لاعباً أساسياً في منطقة الساحل وبدأ في فرض أجندته وسيطر على مناطق واسعة شمال مالي وبوركينافاسو
وتشهد دول منطقة الساحل في غرب أفريقيا وعدد من البلدان الواقعة شرق القارة تزايدا مخيفا في أنشطة الجماعات الإرهابية التي نمت وتطورت وانقسمت وأعادت تشكيل نفسها. وأدت الهجمات المتواصلة التي تشنها تلك الجماعات إلى زعزعة الاستقرار في الصومال وبوركينا فاسو ومالي والنيجر ونيجيريا.
بالنسبة لمنطقة الساحل فقد ارتفعت الوفيات بنحو ثلاثة أضعاف عن المستويات التي سجلت في عام 2020. وبلغت الوفيات في منطقة الساحل 50 بالمائة من جميع الوفيات المرتبطة بالمتشددين المبلغ عنها في القارة في عام 2023.
وقال المركز "قوضت الانقلابات العسكرية التي وقعت في عدد من بلدان المنطقة الأهداف والجهود الساعية لتوفير الاستقرار والأمن".