أحمد محمد الشحي
انتهج تنظيم «الإخوان» نهجاً سوداوياً دموياً، قائماً على رفض الآخر، وتوزيع تهم التكفير والتضليل على الأفراد والمجتمعات، وعلى العزلة والمفاصلة.
كما اعتبر حسن البنا استخدام القوة والعنف جزءاً من استراتيجية التنظيم لتحقيق أهدافه، متوعداً ومهدداً في خطاباته باستخدام القوة إذا لزم الأمر، وهو ما كان في وقائع عدة، وبالأخص فيما يتعلق بالنظام السري الذي أسسه حسن البنا لممارسة أنشطة التجسس والاغتيال.
إن فكر الخيانة والمكر متغلغل في أعماق هذا التنظيم منذ نشأته الأولى، فقد ابتدأ حسن البنا تأسيس التنظيم عام 1928 كجمعية خيرية اجتماعية لا علاقة لها بالسياسة ظاهرياً، ونص على ذلك في القانون الأول للجمعية في الباب الثاني المادة رقم (2) بلفظ: «هذه الجمعية لا تتعرض للشؤون السياسية أيا كانت»!
ونجح بهذه طريقة الماكرة في استخراج ترخيص للجمعية لمزاولة أنشطتها، متظاهراً بأنها جمعية خيرية اجتماعية غير ذات صلة بالسياسة، هذه كانت الأهداف المعلنة، وأما الأهداف الخفية فكانت شيئاً آخر تماماً، فقد عمل حسن البنا تدريجياً على إلغاء هذه المادة من قانون التنظيم، إلى أن أعلن بشكل صريح عن النشاط السياسي للجماعة في عام 1938 .
وذلك في خطاب مؤتمر الطلاب الأول، والذي جاء فيه قوله: «أستطيع أن أجهر في صراحة بأن المسلم لن يتم إسلامه إلا إذا كان سياسياً! وأن على كل جمعية إسلامية أن تضع في رأس برنامجها الاهتمام بالشؤون السياسية وإلا كانت تحتاج هي نفسها إلى أن تفهم معنى الإسلام»!
هكذا كشف حسن البنا بكل وضوح عن النهج السياسي للتنظيم، بعد أن كان يتظاهر بخلاف ذلك طيلة سنوات، خدع فيها الحكومة والجماهير، واستغل هذه السنوات في الاستقطاب والتغلغل في المجتمع، فلما تمكن ووجد الفرصة مواتية، كشف القناع عن النهج السياسي للتنظيم، وقد صرح حسن البنا نفسه بأن السياسة كان نهجاً للتنظيم منذ نشأته الأولى، فقال في الخطاب الذي أشرنا إليه بعد أن كشف القناع:
«قد يقول بعض الناس: إن جماعة الإخوان المسلمين قد تركت مبادئها، وخرجت على صفتها، وصارت جماعة سياسية بعد أن كانت جمعية دينية، ثم يذهب كل متأول في ناحية من نواحي التأويل ملتمساً أسباب هذا الانقلاب في نظره، وعلم الله أيها السادة أن الإخوان ما كانوا يوماً من الأيام غير سياسيين»!
فإذا كان التنظيم سياسياً منذ اليوم الأول، فما معنى تلك المادة التي أدرجها حسن البنا في القانون الأول للتنظيم، والتي تنفي أن يكون للتنظيم أي علاقة بالشؤون السياسية؟! وهل هناك أبلغ دلالة على المكر والخيانة والخداع من هذه الواقعة؟!
إن ذلك يكشف بجلاء أن «الإخوان» يتكلمون بألف لسان، ولهم في مرحلة الضعف والانحسار لغة خاصة، وفي مرحلة القوة والتمكن لغة أخرى، ومع الجهات الخارجية لغة، ومع الجماهير لغة، ومع الأتباع والأعضاء لغة، ومع من هم خارج التنظيم لغة، والهدف من ذلك كله واحد، وهو تنفيذ أجندات التنظيم بكل سبيل.
وأما نهج العنف لدى التنظيم فحدِّث ولا حرج، وما اغتيال القاضي أحمد الخازندار عام 1948 واغتيال محمود فهمي النقراشي رئيس وزراء مصر عام 1948 إلا نماذج على ذلك، بل وصل الأمر إلى اغتيال فايز عبد المطلب، أحد أعضاء النظام الخاص، بسبب اختلافه معهم.
وما تبع ذلك من مخططات سيد قطب الإرهابية، وصولاً إلى أعمال العنف التي مارسها التنظيم بعد سقوط حكم «الإخوان» في مصر منذ 2013، والإفرازات الخطيرة لهذا التنظيم منذ نشأته، فكم أفرز من إرهابي، وكم تأثرت به تنظيمات إرهابية؟ وما ابن لادن والظواهري والبغدادي وغيرهم إلا أبناء ترعرعوا في أحضان تنظيم «الإخوان».
إن هذه الحقائق تكشف خطورة هذا التنظيم، وزيف شعاراته البراقة التي يتشدق بها، مهما كانت مزخرفة، فكم تكلم بألف لسان للتمكن والتغلغل والاختراق، كما توجب هذه الحقائق على المخدوعين بهذا التنظيم أن يقفوا مع أنفسهم وقفة تفكر واعتبار، دون تعصب وانغلاق، ليرجعوا إلى رشدهم، ويكسروا أغلال التعصب الأعمى الذي ربَّاهم عليه التنظيم، حتى أصبحوا لا يرون الأمور إلا من منظار حزبي ضيق، بعد أن اختطف التنظيم عقولهم وولاءهم، فليراجعوا أنفسهم ما دام في العمر بقية!
عن "البيان" الإماراتية