الإخوان في تونس وسياسة السير على الحواف

الإخوان في تونس وسياسة السير على الحواف

الإخوان في تونس وسياسة السير على الحواف


03/07/2025

الحبيب مباركي

في ردّ على سؤال كتابي توجّه به أحد أعضاء البرلمان مؤخرًا إلى رئاسة الحكومة التونسية حول إمكانية اتخاذ إجراء قانوني بشأن حظر حزبي “النهضة” و”التحرير” في تونس، جاء الردّ كالتالي “إنّ اتخاذ إجراءات قانونية وإدارية بهدف حل حزبي النهضة والتحرير، تبعًا لارتكابهما مخالفات على معنى الدستور والمرسوم عدد 87 لسنة 2011 المتعلّق بالأحزاب السياسية، يقتضي صدور أحكام قضائية باتّة ونهائية في القضايا المرفوعة ضدهما.” ما يعني أنّ الكرة الآن باتت في ملعب القضاء التونسي الذي ستكون له الكلمة الفصل في ما إذا كان قرار الحل أو الحظر ممكنًا الآن، أو أنه سيبقى مؤجّلًا إلى حين.

في الأثناء، لا أحد يستطيع اليوم التكهّن بما ستؤول إليه وضعيّة “الإخوان في تونس” (حركة النهضة تحديدًا) بعد المسار التصحيحي الذي رسمه الرئيس قيس سعيّد يوم 25 يوليو 2021، والذي وضع حدًّا لكلّ الهياكل والأحزاب التي من شأنها أن تحيد بقطار الإصلاح عن مساره الصحيح، وتزيد من “بيروقراطية التعطيل”، وتدفع بتونس إلى التراجع خطوات إلى الوراء.

فقد تلاشت أحزاب “الإسلام السياسي” إثر الإعلان عن تعليق نشاط البرلمان ومن ثمّ حلّه، ولم يتبقَّ في المشهد سوى حزب “حركة النهضة”، الذي اختار الاصطفاف وراء بعض الأحزاب اليسارية لتكوين ما يُعرف بـ”جبهة الخلاص”.

حركة النهضة، التي انحسر دورها في الساحة السياسية التونسية بعد غلق أغلب مقارها ومنع اجتماعاتها، إضافة إلى سجن أغلب قياداتها البارزة من الصفّين الأول والثاني بعد إدانتهم في قضايا تتعلّق بالإرهاب و”التآمر على أمن الدولة”، لا تزال تتوهّم بقدرتها على العودة إلى المشهد السياسي، وظلّت توهم من لا يزالون ينتسبون إليها ولم يقطعوا حبل الودّ معها بأنها قادرة على إيجاد مخرج لأزمتها في يومٍ ما.

فالحركة الإسلامية، التي كانت لاعبًا رئيسيًا في الحكم بتونس منذ 2011، لا تزال تلاحقها اتّهامات أمام القضاء بالتورّط في اغتيالات سياسية شهدتها البلاد، إضافة إلى ملف التسفير واختراق أجهزة الدولة.

وبعد صدور أحكام قضائية بالسجن ضد قياديين بارزين في الحركة، من بينهم رئيس الحركة راشد الغنوشي الذي تلاحقه أكثر من قضية لم يُبتّ فيها قضائيًا، لم تتوانَ الحركة عن التستّر وراء رداء المظلومية، أملًا في إنقاذ نفسها من قرار الحظر الذي بات أقرب من أيّ وقت مضى.

ورغم أنّ أغلب الدلائل تشير إلى أنّ تيار “الإسلام السياسي” قد انتهى في تونس، وأنّ التشريعات تتيح للسلطات الحاليّة اتخاذ قرار حلّ هذا الحزب ومنعه من النشاط السياسي، إلا أنّ مراقبين يرون أنّ تنفيذ قرار الحظر لا يزال خاضعًا لترتيبات ستُعلن في توقيتها المناسب، لتكون متزامنة مع قرارات قضائية تكشف أغلب الاتهامات التي ظلّت تلاحق حركة النهضة منذ تولّيها السلطة في تونس، سواء بشكل فردي أو ضمن حكومات “الترويكا”.

ويقول بعض الخبراء إنّه بالاحتكام إلى القانون المنظّم للأحزاب السياسية في تونس، الصادر سنة 2019، وبالنظر إلى الأحكام القضائية الصادرة ضد عدد من أعضائه، فإنّ حزب النهضة يمكن حظره وحلّه، أسوة بما قامت به بعض البلدان العربية التي اعتبرت جماعة الإخوان تهديدًا مباشرًا لكيان الدولة ومحاولة لضربه من الداخل.

وسبق لمصر أن أعلنت حظر جماعة الإخوان نهائيًا بعد مظاهرات 30 يونيو 2013، ليتم تصنيفها في ديسمبر من نفس السنة تنظيمًا إرهابيًا، إثر الفوضى التي تسبّبت بها للدولة المصرية بعد تولّي الرئيس عبدالفتاح السيسي السلطة. والأمر ذاته ينطبق على قرار الحظر الذي اتخذته الحكومة الأردنية بحق الجماعة في نهاية أبريل الماضي، بعد الكشف عن مخططات استهدفت ضرب الدولة وتأجيج الأردنيين ضد السلطة.

هذان مثالان بارزان على المخاطر التي يمكن أن تتسبّب بها رواسب الجماعة في بعض البلدان العربية، وهي تجارب يتوجب أخذها بعين الاعتبار عند التعامل مع الحركات الإسلامية المؤدلجة التي لا تعترف بمدنية الدولة ولا بالتداول السلمي على السلطة.

لكن السؤال الأهم يبقى: ماذا لو اتخذت السلطة التونسية، ممثّلة في الرئيس قيس سعيّد، قرارًا بحلّ حزب النهضة ومنعه نهائيًا من ممارسة النشاط تحت أيّ يافطة؟ وما الذي يمنع من اتخاذ قرار كهذا؟

يرى مراقبون أن أفضل الحلول قد تكمن في هذا النوع من القرار، القادر على إبطال مفعول التخفي وراء أولئك الذين لا يزالون يزعمون أنّهم سيعودون إلى السلطة يومًا ما.

تونس، التي تمّ تخليصها من “مافيا الفساد”، ولا تزال حركة القضاء نشطةً بقوة في هذا الاتجاه، لا يمكن أن تنهض أو تعود عجلة التنمية فيها إلى الدوران، إلا بتحجيم دور هؤلاء (الإسلاميين) نهائيًا.

إنّ سياسة “السير على الحواف” لم تعد تنفع في هذه المرحلة من الإصلاح الذي تسير فيه تونس، سواء على مستوى ربط علاقات وشراكات متينة مع محيطها الإقليمي، أو مع دول الخليج، أو خارجيًا. وقد بات من الواضح أن المكانة التي أصبحت تونس تحظى بها لدى هذه الدول، هي ما سيدفعها أكثر للتخلّص من إرث الإسلام السياسي ودحض مشروعه نهائيًا.

تونس، بموقعها الجغرافي المميّز، وإرثها العريق، وتاريخها الحضاري العميق، لا يمكن لها إلّا أن تحظى بمكانة مشرقة تحت الشمس. هذه هي تونس التي راهنت عليها أجيال من القادة السياسيين البارزين، الذين ينشدون البناء والإصلاح والتشييد، لا مافيا الخراب ولا أولئك المرتهنين للخارج الذين يضعون مصلحة الدولة آخر همّهم.

العرب




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية