الإخوان في بريطانيا: علاقات متشعبة واستثمارات كبيرة واللعب على وتر الانتخابات

الإخوان في بريطانيا: علاقات متشعبة واستثمارات كبيرة واللعب على وتر الانتخابات


03/03/2022

ما تزال بريطانيا، وعلى مرّ العقود، تُعتبر "ملاذاً" آمناً لجماعة "الإخوان المسلمين"، فقد نجحت جماعات الإسلام السياسي في تأسيس شبكة من العلاقات مع المنظمات الاجتماعية والخيرية، مستفيدة من سياسة الدولة والكنيسة البريطانية بالسماح بتوفير الموارد للمدارس الدينية ووكالات الخدمة الاجتماعية للأقليات الدينية.

ووفقاً لتصريحات منسق مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي جيل دي كريترشوف، يُقدّر عدد النشطاء الإسلاميين المقيمين في بريطانيا بنحو (25) ألفاً، وإنّ وجود الإسلاميين في المملكة المتحدة أعلى من أيّ دولة أخرى في القارة الأوروبية، إلى حدّ تسمية لندن من قبل خبراء المخابرات الفرنسية ومكافحة الإرهاب باسم "لندنستان"، وفق ما أورده المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات.

اقرأ أيضاً: دراسة حديثة تكشف دور الإخوان في تشكيل الجماعات المتطرفة في بريطانيا

هذا، وتواطأت الحكومات البريطانية عقوداً طويلة مع الأحزاب والجماعات الإسلاموية ـ بما فيها التنظيمات المتطرفة ـ بهدف تحقيق ما يُسمّى المصلحة الوطنية في الخارج، فقد تستّرت عليها، وعملت إلى جانبها، وأحياناً درّبتها وموّلتها، بغية الترويج لأهداف محددة للسياسة الخارجية. علاقة وُصفت بـ "بزواج المصلحة"، بحسب مارك كورتيس في كتابه "شؤون سرّية: تحالف بريطانيا مع الإسلام الراديكالي"، موضحاً أنّ بريطانيا أقامت مع بعض قوى الإسلام السياسي تحالفاً استراتيجياً دائماً لضمان تحقيق أهداف السياسة الخارجية الأساسية طويلة الأجل، ودخلت في اتحاد وثيق العرى بصورة مؤقتة مع قوى أخرى لتحقيق نتائج محددة قصيرة الأجل.

يرتبط الإخوان المسلمون في بريطانيا، وفق دراسة نشرها المركز الأوروبي، بمنظومة مهمّة للغاية من المصالح، التي ترتبط بأمور سياسية وأمنية واجتماعية، جعلت لهم أهمية كبرى لدى الحكومات المتعاقبة، ويتمّ ذلك من خلال نظام مؤسسي محكَم، حيث يشمل منظومة من الجمعيات، وصلت إلى ما يقارب (60) منظمة داخل بريطانيا، وقد تنامى حجم الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة لجماعة الإخوان في بريطانيا. وتشير التقديرات إلى أنّ تنظيم الإخوان يمتلك ثروات مالية تتراوح بين (8 ـ 10) مليارات دولار. وقد حصلت شركات الإخوان ومؤسساتها على الوضع القانوني، ويرجع ذلك إلى تخوّف بريطانيا من أن تتحوّل أنشطة الجماعة إلى النشاط السرّي لضرب المصالح البريطانية وتهديد أمنها.

 

جيل دي كريترشوف يُقدّر عدد النشطاء الإسلاميين المقيمين في بريطانيا بنحو (25) ألفاً

 

وقد أدّت حرية الحركة لجماعات الإسلام السياسي في بريطانيا إلى إيصال النفوذ للبرلمانيين، على رأسهم جيريمي كوربين زعيم حزب "العمال"، المتهم بالتقرّب من الجماعة، والظهور في مؤسساتها في أكثر من مشهد مختلف.

وقبيل إجراء الانتخابات التشريعية البريطانية 2019، وُجّهت اتهامات عديدة لكوربين، بوجود علاقات قوية له مع جماعة الإخوان؛ خاصة بعد تصريح له صُنّف بأنّه معادٍ للسامية.

وكان من المقرر أن يشارك جيريمي كوربين في ندوة عبر الإنترنت في 12 شباط (فبراير) 2022، تضمّ شخصيات تابعة لجماعة الإخوان المسلمين المصنفة في الكثير من الدول تنظيماً إرهابياً، لكنّه انسحب بعد الانتقادات.

اقرأ أيضاً: الإسلاموفوبيا في بريطانيا والسويد ـ عام 2021 ،الواقع والمخاطر

لم يقتصر الأمر على حزب العمال، ففي السابق عندما اكتسب "تحالف وقف الحرب" اليساري زخماً قبيل حرب العراق 2003، دخلت معه الرابطة الإسلامية في بريطانيا، وهي منظمة أسّسها العضو السابق في جماعة الإخوان المسلمين كمال الهلباوي في شراكة سياسية بارتياح.

العلاقة بين الإخوان وبين الأحزاب البريطانية ليست قاصرة على حزب العمال واليساريين فحسب، وإنّما تشمل أيضاً حزب المحافظين، الذي يُصنف على أنّه يميني.

وتشير تقارير صحفية بريطانية إلى أنّ حزب المحافظين لديه علاقات قوية مع جماعة الإخوان، التي ساعدت الحزب في العديد من الجولات الانتخابية من خلال حشد الناخبين المسلمين لانتخاب مرشحي الحزب.

 

تشير التقديرات إلى أنّ تنظيم الإخوان يمتلك ثروات مالية تتراوح بين (8 ـ 10) مليارات دولار

 

وكشفت صحيفة "التايمز" البريطانية في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 2022 حصول نائبين؛ أحدهما من حزب المحافظين، والآخر من حزب الديموقراطيين الأحرار، على مقابل مالي من مكتب محاماة للعمل على تشويه سمعة إحدى الدول الخليجية، وتبيّن أنّ شركة "بندمانز" للمحاماة التي تعاملت معهما تتولى قضايا الدفاع عن جماعة الإخوان المسلمين في بريطانيا وجهات خارجية، بحسب ما أشارت الصحيفة، وهو ما أقرّته النائبة الليبرالية ليلى موران بأنّها استخدمت مكتبها في البرلمان للمشاركة في اجتماع من خلال تطبيق "زوم" لانتقاد تلك الدولة، نظّمه مكتب "بندمانز" للمحاماة مقابل مبلغ (3) آلاف جنيه إسترليني، واضطرّ زميلها النائب المحافظ كريسبن بلنت إلى الاعتراف بأنّه تلقى (6) آلاف جنيه إسترليني للمشاركة في الاجتماع نفسه.

 

وصل نفوذ جماعة الإخوان المسلمين في بريطانيا إلى حزب العمال واليساريين واليمين المتطرف

 

التخوفات على مستقبل الجماعة دفعها إلى تبنّيها استراتيجية حشد مبنية على "استغلال الدين والعرق"، من خلال تحفيز كافة المسلمين في بريطانيا ـ وليس الإخوان فقط ـ على المشاركة السياسية وتحقيق نسبة مشاركة كبيرة تعكس قوة الوجود الإسلامي في البلاد، وهذه الرؤية، تبنّاها المجلس الإسلامي في بريطانيا الذي له علاقات مع جماعة الإخوان،  وهو يُعدّ أكبر منظمة إسلامية في بريطانيا تتضمن أكثر من (500) منظمة إقليمية ومحلية تابعة، بما في ذلك المساجد والجمعيات الخيرية والمدارس.   

تُقدّر أعداد الجاليات المسلمة في بريطانيا بما يقارب (3) ملايين و(100) ألف مسلم في إنجلترا، وعلى الرغم من أنّ المسلمين يشكّلون (5.6%) فقط من السكان، فإنّهم إذا صوّتوا كمجموعة سيكون لديهم القدرة على تحديد من سيصبح نائباً محلياً في (31) دائرة انتخابية تتركز فيها قوى انتخابية مسلمة، ويمكن للمسلمين أن يكون لهم تأثير كبير على نتيجة الانتخابات، وهو ما يفسر سرّ العلاقة بين الجماعة وحزب العمال والمحافظين، وقدرتها في التأثير عليهما.

واجهت جماعة الإخوان المسلمين في الأعوام الأخيرة، وفق الدراسة، العديد من التحقيقات والتدقيق حول أنشطتها المتطرفة والإرهابية داخل أروقة البرلمان لدفع الحكومة إلى اتخاذ قرار بحظر جماعات الإسلام السياسي وتنظيم الإخوان والمنظمات الخيرية التابعة له في البلاد، وذلك بعدما أثبتت تقارير اللجان المتخصصة والمعلومات الأمنية المخاطر التي تهدد البلاد من جرّاء هذا التنظيم الذي ينتهج أجندة سرّية تخدم الإرهاب والتطرف، لكن كان مصير هذه التحقيقات دائماً أن تظلّ حبيسة الأدراج، على الرغم من علم الحكومة البريطانية واستخباراتها بهذه النشاطات، بحكم علاقات الحكومة البريطانية الممتدة إلى الأيام الأولى لتكوين جماعة الإخوان المسلمين في مصر، الإخوان المسلمون في بريطانيا ـ ازدواجية في التعامل وتراخي الحكومة.

 

أثبتت تقارير اللجان المتخصصة والمعلومات الأمنية المخاطر التي تهدد البلاد من جرّاء التنظيم الذي ينتهج أجندة سرّية تخدم الإرهاب والتطرف

 

في سياق آخر، ذكرت صحيفة ديلي تليغراف في 20 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، أنّ البرنامج الحكومي الرسمي "بريفينت" لوقف التطرف في بريطانيا، الذي لجأت إليه حكومتها لمواجهة التطرف وتقليص التهديدات الإرهابية التي تواجه المملكة المتحدة، فشل في استهداف المتطرفين التابعين لجماعات الإسلام السياسي، على الرغم من أنّهم يمثلون الغالبية العظمى من الحوادث الإرهابية التي تشهدها البلاد؛ ممّا يشير إلى عدم توافق جوهري بين حجم التهديد من تطرف الإسلام السياسي، والنقص النسبي الواضح في الاهتمام الذي يوليه برنامج الحكومة الرسمي لمكافحة الإرهاب.

اقرأ أيضاً: الشبكة الإخوانية في بريطانيا.. توسع رغم الحصار الأوروبي

هذه العلاقة بين الإخوان المسلمين والأحزاب البريطانية، مع حزب العمال سابقاً، وحالياً مع حزب المحافظين الذي ينتمي إليه رئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون، ربما تفسّر رفض لندن مطالبات بحظر نشاط الجماعة، وإن تحفظت الحكومة على بعض أنشطة الجماعة وتوجهها لدعم التطرف، والتي كان آخرها حظر حركة (حماس) في 26 تشرين الثاني (نوفمبر) 2021

.

تؤمن بريطانيا بأهمية الحفاظ على العلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين كورقة مساومة سياسية لاستخدامها عند الحاجة، هذه المتانة من العلاقات استمرت منذ عقود طويلة، ولم تتبدل بتبدل الحكومات البريطانية، بين عمالية ومحافظة، يسارية ويمينية.

وفي الوقت الحالي، تظلّ بريطانيا هي المعقل الأكثر استقراراً لجماعة الإخوان المسلمين العالمية. وقد يكون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والقوانين البريطانية حافزاً للمجموعة للتوسع أكثر في البلاد، خاصة أنّ البلاد خالية من الإرشادات الأمنية للاتحاد الأوروبي التي أتاحت لدول مثل فرنسا والنمسا وهولندا وبلجيكا تضييق الخناق على الجماعات الإخوانية والإسلامية.

اقرأ أيضاً: تقرير: اليمين المتطرف والإخوان الخطر الذي يهدد بريطانيا والسويد

وتنتهج جماعة الإخوان المسلمين أجندة سرّية تخدم مصالحها داخل بريطانيا، وتزايدت أنشطتها في ظل تفشي فيروس كورونا، وما زالت تشكّل لندن ملاذاً آمناً لتنظيم الإخوان المسلمين، ويتواجد العديد من قيادات التنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين في بريطانيا، وبعضهم يحمل الجنسية البريطانية.

أمّا عن أبرز قيادات الإخوان المسلمين في بريطانيا؛ فهم: إبراهيم منير الذي يدير الجماعة من العاصمة البريطانية لندن، وكان يشغل منصب المتحدث باسم الإخوان المسلمين في أوروبا منذ عام 1982، ويقيم منذ أعوام في العاصمة البريطانية لندن، وفقاً لـ"مونت كارلو" في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2020، وهو أحد مؤسّسي منتدى الوحدة الإسلامية (IUF)  ومقرّه لندن وفقاً لـ policyexchange، وكان يشرف منير على النشرة الأسبوعية لجماعة الإخوان المسلمين.

ومن القادة أيضاً الأمين العام المساعد للتنظيم الدولي للإخوان في لندن محمود الإبياري، وعصام الحداد العضو السابق في منظمة الإغاثة الإسلامية وشريك مؤسس للهيئة، ويُعدّ من أكبر مسؤولي وقيادات الإخوان المسلمين، ومحمد سودان أيضاً أمين لجنة العلاقات الخارجية بجماعة الإخوان المقيم أيضاً في لندن.

 

صحيفة ديلي تليغراف: البرنامج الحكومي الرسمي "بريفينت" لوقف التطرف في بريطانيا، فشل في استهداف المتطرفين التابعين لجماعات الإسلام السياسي

 

يمتلك الإبياري القيادي بالتنظيم الدولي، المقيم في بريطانيا، شركتين في أوروبا وحصصاً في عدة شركات في ماليزيا وكندا، أمّا إبراهيم منير، فقد آلت إليه كافة الأمور الخاصة باستثمارات وأموال الإخوان بعد القبض على "محمود عزت" و"خيرت الشاطر"، ويمتلك "منير" بمفرده حصصاً وأسهماً في (17) شركة مملوكة للإخوان في أوروبا وآسيا، وفقاً لـ"العربية" في 10 كانون الثاني (يناير) 2021.

أمّا عن مؤسسات الإخوان في بريطانيا، فإنّها تمتلك (60) منظمة داخل بريطانيا، بينها منظمات خيرية ومؤسسات فكرية، وقنوات تلفزيونية، وما زالت الجماعة تفتتح مقرات لها في بريطانيا، كافتتاح مكتب الجماعة في حي "كريكلوود" شمالي لندن، بالإضافة إلى الرابطة الإسلامية في بريطانيا، والمجلس الإسلامي البريطاني الذي يُعدّ أكبر منظمة إسلامية في المملكة المتحدة، وترأس المجلس "زارا محمد" البالغة من العمر (29) عاماً، وفقاً لـ"بي بي سي"  في 1 شباط (فبراير) 2021، والصندوق الفلسطيني للإغاثة والتنمية، ومؤسسة قرطبة، وحزب التحرير، بالإضافة إلى منظمة الإغاثة الإسلامية في بريطانيا.

يُذكر أنّ التنظيم الدولي في بريطانيا دأب على استغلال الجائحة عبر مؤسساته الأهلية في مضاعفة مواردها من التبرعات تحت مزاعم "دعم المتضررين من الوباء"، ممّا أبرز مخاوف لدى البريطانيين من استغلال "الإخوان" مواقع إلكترونية في نشر أفكار متطرفة داخل المجتمع البريطاني؛ لذلك رفضت لندن منح تأشيرات لعدد من أعضاء الجماعة لدخول البلاد، وسعت لتقييم زيادة النشاط الاقتصادي للمؤسسات التابعة للإخوان خلال فترة انتشار كورونا، وفقاً لـ"سكاي نيوز عربية" في 19 آذار (مارس)2021.

وكان رئيس الوزراء البريطاني  "بوريس جونسون" قد انتقد سلوك جماعة الإخوان في بريطانيا، واعتبر أنّها "أحد أكثر الأطراف دهاء من الناحية السياسية في العالم الإسلامي". وتابع: "من الخطأ تماماً أن يستغل الإسلاميون الحريات هنا في المملكة المتحدة، ومن الواضح تماماً أنّ بعض الجهات المرتبطة بالإخوان مستعدة لغضّ الطرف عن الإرهاب".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية