الإخوان في أوروبا... بين التغلغل الشعبي والتواطؤ الاستخباراتي والرفض الرسمي

الإخوان في أوروبا... بين التغلغل الشعبي والتواطؤ الاستخباراتي والرفض الرسمي

الإخوان في أوروبا... بين التغلغل الشعبي والتواطؤ الاستخباراتي والرفض الرسمي


09/10/2023

تتلقى جماعة الإخوان المسلمين الكثير من الدعم والإعانات من الحكومات والمؤسسات الأوروبية الرسمية بشكل مباشر أو غير مباشر، وفق ما أشارت إليه دراسة نشرها المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات على موقعه الإلكتروني.

وبحثت الدراسة واقع الجماعة في أوروبا، وحقيقة تحول الجماعة إلى ورقة سياسية ضد الدول العربية، وتخادمها مع الأحزاب الأوروبية، وارتباطها بالجماعات الجهادية، وتطرقت كذلك إلى تأثير الانشقاقات داخل الجماعة على علاقاتها بالحكومات.

وأوضحت الدراسة الأسباب وراء دعم الغرب لتنظيم الإخوان المسلمين، وهي استغلال أجهزة الاستخبارات تأثير تنظيم الإخوان المسلمين كورقة ضغط أو ورقة سياسية في الشرق الأوسط، لشن حروب دعائية ونشر معلومات مضللة عن العديد من دول المنطقة، أو كجهة للحصول على معلومات وبيانات عن تلك الدول لتحقيق مكاسب سياسية إقليمية.

وعن الدعم المقدم للإخوان من الدول الأوروبية، أكد المركز الأوروبي أنّ نظام الشفافية المالية لدى المفوضية الأوروبية كشف أنّ الجمعيات التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، أو تلك التي تدور في فلكهم من قريب، قد خصص لها أكثر من (52) مليون يورو من الأموال العامة بشكل مباشر أو غير مباشر بين 2007 و2020. وتلقت ما يقرب من (80) مليون يورو على شكل تمويل من الحكومات الأوروبية خلال العقد الماضي، في شكل تبرعات مُنحت لتنظيمات ذات صلات بالإخوان المسلمين من قبل الاتحاد الأوروبي ومجلس أوروبا ومختلف الحكومات الوطنية منذ عام 2004.

جماعة الإخوان تتلقى الكثير من الدعم والإعانات من الحكومات والمؤسسات الأوروبية الرسمية بشكل مباشر أو غير مباشر

وعن العلاقات الوثيقة بين الإخوان وأوروبا، فقد تنامى التعاون بين الجماعة وبعض أجهزة الاستخبارات خلال عام 2021، من خلال بث المعلومات التي يتم جمعها، عبر القنوات الفضائية التابعة للإخوان، لتحقيق خطة لإحداث اضطرابات سياسية داخل دول المنطقة عبر مراحل الإرباك والإنهاء والحسم.

وتورطت دول أوروبية في دعم قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وحثهم على تحريض الكونغرس على قطع المساعدات الأمريكية عن بعض الدول بهدف تحقيق سياساته الإقليمية، انطلاقاً من واشنطن، وفق دراسة المركز الأوروبي.

الجمعيات التابعة لجماعة الإخوان المسلمين حصلت على (52) مليون يورو من الأموال العامة، وتلقت (80) مليون يورو على شكل تمويل من الحكومات الأوروبية

أمّا عن التدابير الحكومية لمحاربة التطرف، فقد أوضحت الدراسة أنّ الحكومات الأوروبية تلجأ غالباً إلى الجمعيات والمنظمات من أجل برامج التوعية أو تعزيز الاندماج أو منع التطرف؛ ممّا يؤدي إلى إنفاق عام حسن النية يجد طريقه إلى جماعة الإخوان المسلمين وفروعها، لا سيّما أنّ هناك فروعاً للإخوان المسلمين في كل دولة أوروبية.

وبحسب الدراسة، فإنّ بعض الدول الأوروبية تستمر في احتواء ودعم الإخوان المسلمين وعدم اتخاذ تدابير وإجراءات فعالة ضد التنظيم، لعدة أسباب؛ أهمها عامل الاستفادة من الجماعة في منظومة المعلومة، سواء داخل البلدان الغربية أو العربية أو الإسلامية، يرجع لعدم وجود مبرر كافٍ من وجهة نظرهم، كذلك عدم وجود أدلة لحظرها وإغلاق مكاتبها في دول الاتحاد الأوروبي. وتحتاج أوروبا تنظيم الإخوان المسلمين، وتخشى أن يكون تصنيفهم وحظر أنشطتهم مبرراً لالتحاق عناصرها بمنظمات متطرفة.

وعن تحالفات الإخوان، فقد حققت الجماعة وفروعها نجاحاً ملحوظاً جزئياً في أوروبا، من خلال تشكيل تحالف مع اليسار السياسي في إيطاليا وفي ألمانيا، ورغم أنّها تبتعد عن الأجواء السياسية، لكنّها تسعى لتعزيز العلاقات بالجهات السياسية الألمانية المختلفة، ومع أصحاب القرار في ألمانيا، بهدف توسيع نفوذها.

وأكدت الدراسة أنّه ظهرت خلال الأعوام الماضية خطة إعادة بناء التنظيم الدولي للإخوان في أوروبا والولايات المتحدة، عبر إنشاء مراكز حقوقية ومؤسسات تختص بقضايا الحريات شديدة النخبوية عبر قيادات شابة، واعتمدوا في هذا النهج على شبكات العلاقات العامة والاتصالات مع الجهات الغربية.

وأوردت الدراسة التقييم الأمني الذي جرى تقديمه للبرلمان الأوروبي، والذي أظهر أنّ جماعة الإخوان المسلمين تعمل من خلال هيكل سرّي، وغطاء علني من المنظمات، وتملك تأثيراً محدوداً، لكنّه يتنامى في بعض الدول الأوروبية.

استطاعت جماعة الإخوان المسلمين السيطرة على المنظمات الدينية والرياضية والاجتماعية

 وفي السياق، كشفت الاستخبارات الألمانية في ولاية شمال الراين وستفاليا، كبرى ولايات ألمانيا، عن تزايد عدد قيادات جماعة الإخوان في ألمانيا، لتصل إلى (350) في بداية العام الحالي 2022. وتملك جماعة الإخوان المسلمين مواقع إلكترونية وظهوراً متزايداً على وسائل التواصل الاجتماعي باللغة الألمانية.

وذكرت الدراسة أنّه لم يتم تصنيف "الإخوان المسلمين" جماعة متطرفة في أوروبا، إلّا أنّ ما يتردد في الكواليس يوحي بتفكير جدي في اتخاذ هذه الخطوة على المستوى الأوروبي، وتنتقد الجماعة التقارير الرسمية الأوروبية التي تشير إلى أنّ الانتماء إلى الجماعة أو الارتباط بها "مؤشر محتمل على التطرف". ويرى التنظيم أنّ التقارير تمثل رغبة سياسية مبيتة ضد الجماعة، وأنّ ذلك الموقف يُفهم في إطار "حملات التحريض" التي تقودها دول وأنظمة ضد الجماعة.

ويسعى الإخوان لتصوير أنفسهم كممثلين للمجتمع الإسلامي والجاليات المسلمة بأكملها في أوروبا، وهذا يعني أنّ الحكومات الأوروبية غالباً ما تلجأ إليهم من أجل برامج التوعية والاندماج. واستطاعت جماعة الإخوان المسلمين السيطرة على المنظمات الدينية والرياضية والاجتماعية؛ ممّا منحها فرصاً للتحدث نيابة عن المسلمين، والتقرب إلى الساسة وصانعي القرار الأوروبيين، للضغط على الهيئات التنفيذية والتشريعية الأوروبية، مثل المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي، في محاولة للتأثير على السياسات والقوانين الأوروبية لتوسيع نفوذهم وتنفيذ أجندتهم.

وعن التقرب إلى الساسة وصانعي القرار الأوروبيين، أظهرت الدراسة أنّ جماعة الإخوان المسلمين تتسلل إلى الأنظمة الديمقراطية في أوروبا لخلق مجتمع موازٍ قائم على إيديولوجية الإخوان المسلمين، وتعمل جماعة الإخوان المسلمين في بروكسل لتعزيز رؤيتهم وتحقيق أجندتهم من خلال مجموعة من الهياكل والمؤسسات، وتقدم من خلالها برامجهم إلى موظفي الخدمة المدنية والبرلمانيين الأوروبيين.

ووفق الدراسة، فقد سعى تنظيم الإخوان المسلمين باستمرار للتقرب إلى الأحزاب لتوسيع نفوذه، وتشكيل أداة ضغط على الهيئات التنفيذية والتشريعية الأوروبية، مثل المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي، في محاولة للتأثير على السياسات والقوانين الأوروبية التي تؤثر على المسلمين الأوروبيين.

كشفت الاستخبارات الألمانية في ولاية شمال الراين وستفاليا عن تزايد عدد قيادات جماعة الإخوان في ألمانيا، لتصل إلى (350)

 ولم يتوقف تأثير الإخوان عند هذا الحد، فقد أشار جهاز الأمن البلجيكي إلى أنّ الإخوان المسلمين واصلوا حملة التسلل في الأحزاب السياسية، وعملوا على دعم المرشحين بناء على اتفاقيات تتعلق بالامتيازات للجماعة، وفق الدراسة.

وأكدت الدراسة أنّ الجمعيات المقربة من الإخوان المسلمين تستقطب بشكل متزايد لاجئين من البلدان لتجنيدهم من أجل تحقيق أهدافها في أوروبا.

وتخدم الاستثمارات المالية أجندة الإخوان المسلمين في أوروبا، حيث سعى الإخوان لتكوين شبكة من العلاقات الاقتصادية الرسمية وغير الرسمية في أوروبا في كافة القطاعات. كبنك التقوى، وبنك (أكيدا) الدولي، وشركات (الأوف شور)، ومكاتب الصيرفة، ولديها عدد من الشركات التابعة في عدد من الدول.

 وقالت الدراسة: إنّ أجهزة الاستخبارات، وبضغط من البرلمانات الأوروبية، بدأت بداية من العام 2014 في الكشف عن أنشطة ومخاطر الإسلام السياسي، خصوصاً (الإخوان)، وذكرت أنّهم أكثر خطورة من الجماعات السلفية (القاعدة وداعش).

وتقول رئيسة وحدة دراسات الشرق الأوسط في المعهد الأوروبي للبحر الأبيض المتوسط لورديس فيدال: "إنّ مشكلتنا مع الإخوان المسلمين لا تكمن في ممارسة العنف، فهم لا يفعلون ذلك في أوروبا، مثلما يحدث في بعض دول الشرق الأوسط، لكنّ خطورتهم هنا تكمن في عملهم الدائم على خلق بيئة إيديولوجية ودينية تتبنّى مثل هذه الأفكار المتشددة".

وبحسب الدراسة، فقد وصفت الاستخبارات الألمانية الإخوان المسلمين بـ"الذئاب في ثياب الحملان"، وحذرت في تقريرها الصادر في 10 كانون الثاني (يناير) 2022 من خطورة الجماعة المتطرفة، نظراً لارتفاع أعداد الجمعيات الإسلامية إلى (960) جمعية، ومحاولاتهم المستمرة لتأسيس نظام سياسي واجتماعي متطرف في ألمانيا، باعتمادهم على سياسة اختراق مؤسسات الدولة لخلق كوادر وساسة يصبحون صناع قرار في المستقبل يستطيعون من خلالهم تكريس العنف والتطرف.

واعتبر جهاز أمن الدولة البلجيكي (VSSE) في آذار (مارس) 2022 أنّ تنظيم الإخوان المسلمين يشكل "تهديداً ذا أولوية قصوى فيما يتعلق بالتطرف، لأنّ استراتيجيتهم قصيرة المدى يمكن أن تخلق مناخاً من الاستقطاب والفصل العنصري داخل المجتمع البلجيكي، وبالتالي تشكل عاملاً موجهاً "من التطرف". وتم اقتراح تكثيف جهازي المخابرات جهودهما لرفع الوعي في الدوائر السياسية والإدارية بالتهديدات المرتبطة بوجود الإخوان المسلمين في بلجيكا. ملف: الإسلام السياسي في أوروبا ومعضلة الحدّ من أنشطته.

وطرح المركز في دراسته تساؤلاً: هل انتهى زمن الإخوان؟ مؤكداً أنّ الجماعة تشهد حالة من التصدع غير مسبوقة؛ بسبب الانشقاقات والتشرذم، ولافتقادها أدوات الترويج لأفكارها، عقب الرفض الشعبي لها بالشرق الأوسط، وظهور الخلاف الداخلي للعلن، وتزامن الإجراءات المشددة ضدها في عدة دول.

وقد صنفت مصر الإخوان جماعة إرهابية، وأدرجتها الإمارات على لائحة المنظمات الإرهابية، وأعلنت تونس إقالة الحكومة وتجميد البرلمان الذي سيطر عليه حزب النهضة، الذراع السياسية للجماعة، وانضمت تركيا إلى قائمة هذه الدول بوقف بث بعض القنوات الفضائية التابعة للجماعة، وتوقيف (34) إخوانياً دعوا لإشاعة الفوضى في مصر في تشرين الثاني (نوفمبر) 2022، وطردت الاستخبارات الألمانية بعض المنظمات الإخوانية من صفوف المجلس الأعلى لمسلمي ألمانيا، وجردت القيادي ووزير مالية الإخوان بألمانيا  (إبراهيم الزيات) من مناصبه بالمجلس، وحلت فرنسا المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، وحاصرت تمويل الإخوان، وصادرت (25) مليون يورو من أموالهم، وسحبت بلجيكا الاعتراف الرسمي من الهيئة الإسلاميةن ورحّلت (حسن إيكويسين)، رجل دين مغربي ينتمي للإخوان.

وفي السياق، قدّم البرلمان البريطاني مقترحاً لتعديل قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وأقرّ البرلمان السويدي تعديلاً دستورياً لتمرير قوانين أكثر صرامة لمحاربة الإرهاب، وشددت النمسا من مراقبة مسجد الهداية بفيينا وأنشطة الإخوان بالمجلس الإسلامي، بجانب حظرها لأنشطة الجماعة بالأماكن العامة. محاربة التطرف ـ دور المؤسسات الإسلامية في بريطانيا وهولندا.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية