تحظى الولايات المتحدة بأهمية خاصة على خريطة الدول التي تنشط بها جماعة الإخوان، أو تحاول بشكل مكثف التأثير على صناع القرار بها وتوظيفها كأداة ضغط على الدول العربية، وفي هذا السياق استعرضت دراسة أعدها (المركز العربي لدراسات التطرف) تطور جماعة الإخوان المسلمين في الولايات المتحدة منذ ستينيات القرن العشرين، حين بدأت موجة من المهاجرين المسلمين القادمين من الشرق الأوسط وجنوب آسيا بالوصول إلى أمريكا بحثاً عن التعليم والفرص، وقد وجدت الجماعة في الحريات الاجتماعية والسياسية الأمريكية مناخاً مناسباً لنشر أفكارها، وبدأت بتنظيم نفسها في إطار من السرّية، مستعينةً بمسمّيات محايدة مثل "الجمعية الثقافية".
شراكة الإخوان والوهابية
خلال الستينيات تزامن نشاط الإخوان في أمريكا مع مشروع الأسلمة العالمي الذي أطلقته المؤسسة الوهابية، وبدءاً من عام 1962 تولى عدد من قيادات الإخوان مناصب بارزة في (رابطة العالم الإسلامي)، وقد ساعدت الرابطة على نشر الوهابية ودعمت مشاريع دعوية متعددة في أمريكا، وساهمت بتمويلات كبيرة في دعم النشطاء الإسلامويين، بهدف تحسين صورة الوهابية في الغرب وتحويلها من مجرد تيار هامشي إلى تيار سائد.
وقد شكّل التعليم، وخاصة بين الشباب، وفق الدراسة، محور استراتيجية الإخوان للوصول إلى المجتمع الأمريكي، وتأسس "اتحاد الطلاب المسلمين" عام 1962 على يد مجموعة من أفراد الجماعة في أمريكا الشمالية، وبدأت الاجتماعات تتم من خلال مؤتمرات ومعسكرات الاتحاد، ووزعت خلالها ترجمات إنجليزية لكتابات منظّري الجماعة مثل حسن البنا وسيد قطب. ومع تطور التنظيم، ساعد كل من أحمد توتونجي وجمال برزنجي، وهما من رواد العمل الإسلامي في الغرب، على تأسيس رابطة للطلاب المسلمين في جامعة إلينوي، بهدف استقطاب طلاب آخرين إلى الجماعة.
الاتحاد الإسلامي الدولي والندوة العالمية للشباب الإسلامي
وفي أواخر الستينيات وسع الإخوان نطاق أنشطتهم بإنشاء "الاتحاد الإسلامي الدولي للمنظمات الطلابية"، وتم عقد أول اجتماع للاتحاد في مكة، وشغل توتونجي منصب الأمين العام. وفي عام 1972 تأسست "الندوة العالمية للشباب الإسلامي" في الرياض، وقد شارك توتونجي وبرزنجي في تأسيسها، وعلى الرغم من وصف الندوة بأنّها منظمة مستقلة، إلا أنّ علاقاتها بالحكومة السعودية كانت واضحة، واستفادت من دعم مالي لتعزيز دورها في دعم مشاريع الإخوان المسلمين.
وقد شهدت السبعينيات، وفق الدراسة، توسع الإخوان المسلمين في أمريكا، حين أسس كل من برزنجي وهشام الطالب "الصندوق الإسلامي لأمريكا الشمالية" بهدف توسيع النفوذ خارج الجامعات، وقد تلقى الصندوق دعماً مالياً من بعض الدول، ممّا مكّنه من تأسيس مراكز وجمعيات إسلامية في الولايات المتحدة، وبحلول أواخر السبعينيات تمكن الصندوق من السيطرة على عدد كبير من المساجد في أمريكا، ويشير تقرير أمني إلى أنّ الصندوق يمتلك أو يسيطر على حوالي 75% من المساجد الأمريكية.
المعهد العالمي للفكر الإسلامي
وفي ضوء محاولاتها للسيطرة على بعض المؤسسات وتوجيهها لخدمة مشروعها، أسست مجموعة من قيادات الإخوان "المعهد العالمي للفكر الإسلامي" عام 1981 كهيئة فكرية تهدف إلى "أسلمة المعرفة"، وبين المؤسسين البارزين أحمد توتونجي وجمال برزنجي وعبد الحميد أبو سليمان، إلى جانب شخصيات أخرى بارزة في الإسلام السياسي، وقد سعى المعهد، بحسب الدراسة، إلى التأثير على الخطاب الديني والسياسي في الولايات المتحدة، حتى أنّ الحكومة الأمريكية اعتمدت عليه لتحديد الأئمة المسلمين في الجيش الأمريكي، قبل أن يكشف عن علاقات لبعض أعضائه بتنظيمات إرهابية.
وتُعدّ "الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية" التي تأسست عام 1981 من أهم مؤسسات الإخوان في الولايات المتحدة، وتهدف إلى نشر الإسلام السياسي. وعلى الرغم من تصنيف الجمعية كدار عبادة لأغراض ضريبية، إلا أنّها تلقت دعماً مالياً كبيراً من دول الخليج، وهو ما ساعدها على توسيع نفوذها بين مسلمي أمريكا. وقد أشار تقرير سابق إلى أنّ الجمعية هي امتداد لاتحاد الطلاب المسلمين، الذي تطور ليصبح إطاراً شاملاً لجميع المهاجرين المسلمين في أمريكا الشمالية.
شخصيات بارزة بين الإخوان في أمريكا
من بين الشخصيات القيادية المؤثرة في أنشطة الإخوان في الولايات المتحدة برز كل من سيد سعيد وجمال بدوي وطه العلواني، وكان لهم دور بارز في تأسيس وإدارة الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية، إلى جانب مناصب قيادية في المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي. وقد أسهمت هذه الشخصيات بشكل فعال في نشر الفكر الإسلاموي وتعزيز الوجود الإخواني في الولايات المتحدة.
وتشير الدراسة إلى أنّ سيد سعيد ساهم في تأسيس الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية. وبعد هجرته إلى الولايات المتحدة، تخرج في جامعة إنديانا في عام 1984، ويبدو أنّه قضى حياته المهنية بأكملها في العمل في المنظمات المرتبطة بالإخوان المسلمين، وشغل منصب الأمين العام للجمعية، كما شغل منصب المدير الوطني لمكتب الجمعية للتحالفات بين الأديان والمجتمعات.
وتخلص الدراسة إلى أنّ جماعة الإخوان المسلمين نجحت في بناء شبكة واسعة من المؤسسات والمنظمات في الولايات المتحدة، بدءاً من اتحاد الطلاب المسلمين، مروراً بالجمعية الإسلامية والمعهد العالمي للفكر الإسلامي، إلى الصندوق الإسلامي لأمريكا الشمالية، وتمكنت الجماعة من استغلال الدعم المالي الذي حصلت عليه من بعض الدول لتثبيت أقدامها وتعزيز نفوذها، ومع مرور الوقت أثارت هذه الأنشطة قلق بعض الجهات الرسمية، حيث كُشف عن علاقات لبعض أعضائها بتنظيمات متطرفة، ممّا دفع بعض السلطات إلى إعادة النظر في سياساتها تجاه هذه المؤسسات، خاصة في ظل الاتهامات الموجهة لجماعة الإخوان بأنّها تحاول استغلال الديمقراطية الأمريكية لتحقيق أجندات خفية.