"الإخوان المسلمون"... حركة اجتماعيّة أم تيّار ديني؟

"الإخوان المسلمون"... حركة اجتماعيّة أم تيّار ديني؟


05/07/2022

منير أديب

أفضل إجابة عن هذا السؤال لا بد من أن تكون من أدبيات "الإخوان المسلمين" أنفسهم، وأحاول أن أقدم التنظيم كما أراد التنظيم لنفسه من دون زيادة أو نقصان، فقد قال المؤسس الأول حسن البنا: "نحن دعوة سلفية، وطريقه سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، وروابط علمية ثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية".

فرغم أنه وصف دعوته بكل شيء، إلا أنه قال في مجموعة الرسائل عن الجماعة إنها ليست حزباً سياسياً، ولا جمعية خيرية، أو فرقة رياضية، ولكننا أيها الناس، وهنا يخاطب البنا أنصاره، "فكرة وعقيدة ونظام ومنهج لا يحدده موضع، ولا يقيده جنس، ولا يقف دونه حاجز جغرافي، ولا ينتهي بأمر حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ذلك لأنه نظام رب العالمين ومنهاج رسوله الأمين". 

لا مشكلة في تعريف حسن البنا نفسه، فهو يرى أن ما طرحه على النّاس دعوة "ربانية" سوف تظل باقية، لأنها تستقي منهجها من رب العالمين ومنهاج الرسول صلى الله عليه وسلم؛ كان يتحدث عن دعوته وكأنه يتحدث عن دين جديد، فيضع أركان هذا الدين في دعوته، ويرى أنه الوحيد الذي نجح في ترميم العقيدة "الفاسدة" من وجهة نظره؛ فعودة الحياة إليها كانت مرتبطة بالإعلان عن تنظيمه!

فعلى أي صورة اختلفنا فيها مع حسن البنا، فقد لفت نظرنا أنه عندما أعلن عن جماعته عرّفها على أنها جماعة دينية ليس لها علاقة بالسياسة، فقد هرب الرجل من الاشتغال في السياسة في أول 10 سنوات، وعندما اشتد عود تنظيمه عاد إليها، وهذا دليل فطنة البنا ومكره، ثم أكد ذلك بقوله: إننا لسنا حزباً سياسياً.

هناك من يرى أن الهوى خالج البنا، فخلط عملاً صالحاً وآخر فاسداً، حتى بات الفساد عنواناً للمحتوى الذي قدمه التنظيم في حياة المؤسس وبعد مماته، وهذا مرتبط بصورة كبيرة بالتدرجية التي أعلن من خلالها أفكاره، إذ بدأ بدعوة دينية بحتة ثم أدخل عليها السياسة وانتهى بتدشين جناح عسكري للجماعة في نهاية الثلاثينات من القرن الماضي.

يرى البنا تنظيمه دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وكل هذه مفردات دينية، أتبعها بوصفها في ما بعد بأنها هيئة سياسية، وكأنه يريد أن يقول: إن "الإخوان" تيار ديني وسياسي، صعب الجمع بين التيارين، ولكنه أراد ذلك بتعريفه، وهذا ما يخالف ويناقض تماماً الطرح بأن "الإخوان" حركة اجتماعية.

أنصار التنظيم "الديني" يعرفون "الإخوان" في سياق الدفاع عنه بأنه حركة سياسية، وبالتالي من حقها المشاركة السياسية باعتبارها فصيلاً سياسياً ومكوناً لا يمكن الاستغناء عنه، وسياق آخر مرتبط بوصفها حركة اجتماعية، وهنا يقصد المدافعون رفع أي تهم عنها تتعلق بالإرهاب والتطرف، فكلما وصفت التنظيم بالإرهاب رموك بالقول: إن "الإخوان" حركة اجتماعية قابلة لتصويب أفكارها ومعتقداتها، وهذا قول يجافي حقيقة التنظيم ويخالف حتى تعريف المؤسس ورؤية قادة الجماعة لتنظيمهم.

عندما تتأمل وصف "الإخوان المسلمين" لأنفسهم تجد أن مؤسس التنظيم ما ترك وصفاً حميداً إلا وخلعه على جماعته؛ فكل الذين يرون أن "الإخوان" دعوة دينية "ربانية" يمكن أن يروا ذلك في ما قاله البنا، وكل من يريد أن يمارس السياسة معتبراً أن الدعوة "سياسية" من الطراز الفريد يمكن أن يفعل ذلك، ويلقي به في وجوه السياسيين الذين يرون التنظيم دعوة دينية دخلت معترك السياسة وخلط كلّ منهما الآخر.

العجيب أنك عندما تتأمل الجماعة من واقع تعريف مؤسسها تجدها دعوة "جهادية"، "الجهاد سبيلنا... والموت في سبيل الله أسمى أمانينا"، والهدف هنا هو إرضاء مشاعر أطياف "الإخوان" وغير "الإخوان"، فقد نجح في أن يضم إلى دعوته كل الأطياف من كل الأوساط، بهذه المراوغة، وهنا تجد داخل التنظيم من يغرق في تديّنه وتجد فيه أيضاً من يغرق في ممارسته السياسة، كما تجد من يغلو في عنفه تحت مسمى الجهاد، ورغم اختلاف هذه الطوائف بعضها عن بعض، إلا أنه يضمها سقف تنظيمي واحد.

"الإخوان المسلمون" ليسوا حركة اجتماعية، ففي المفهوم الفلسفي للحركات الاجتماعية أنها لا تمارس السياسة، وإذا كان ذلك فهي تنظيم سياسي فهمه لا بد من أن يكون من منظور اجتماعي، ولا يمكن إطلاق اللفظة نفسها عليها وهي تنظيم ديني "مغلق"؛ الحركات الاجتماعية التي تشتغل في التغيير تكون أكثر وضوحاً في تعريف نفسها، وليست مغلقة بالمفهوم الذي عرفنا عليه تنظيمات الإسلام السياسي و"الإخوان المسلمين" على وجه التحديد.

"الإخوان" يَقتلون باسم الدين ويتبرأون من القتل باسم الدين أيضاً؛ معادلة تستخدمها الجماعات الدينية وليس الحركات الاحتجاجية أو الاجتماعية أو التي يمكن حصرها في هذا النطاق، فـ"الإخوان" تنظيم ديني يرى نفسه المعبّر الحصري عن الإسلام، ولا يؤمن بمجموعات التغيير الأخرى إيماناً فعلياً. صحيح يُهادنها ولكنه لا يدخل في خلاف معها قد يخصم من رصيده.

"الإخوان" تيار ديني نجح في إقناع النّاس (البيئة المخالطة له) بأنه تيار سياسي حتى دخل غمار السياسة بالمفهوم الديني، وراوح في تعريف نفسه بين التيار الديني والسياسي؛ الحركات الاجتماعية لا تُبنى على مفاهيم دينية مغلقة ولا تمارس العنف، صحيح هي حركة اجتماعية من حيث مفهومها وفلسفتها، ولكن من حيث الممارسة هي تيار ديني "متطرف" لم يتمتع بالوضوح قدر تمتعه بالدهاء والتطرف.

يمكن أن تقبل المجتمع بكل تنوعاته الاجتماعية وطوائفه ومذاهبه، ولكنك لا يمكن أن تقبل مجتمعاً متفسخاً، لا وضع نفسه في سلة المجتمع ولا هو طائفة بالمعنى المفهوم للطائفة، هو تيار ديني مذهبي مرتبط بعقيدة صاحبه وليس بتوجهه الديني أو السياسي كما في حالة "الإخوان المسلمين".

"الإخوان المسلمون" أشبه بالراقصة التي تدّعي الفضيلة وتتباهى بأنها نجحت في تغطية جزء كبير من جسدها، تفعل ذلك وهي تتناسى أنها كشفت أكثر مما سترت من هذا الجسد، وهنا اعتمدت على عيون الناس التي تحكمت فيها ملايين الرسائل الموجهة للتنظيم.

عن "النهار" العربي


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية