الأمين العام للأمم المتحدة في العراق: سر الابتسامة المشبوهة

الأمين العام للأمم المتحدة في العراق: سر الابتسامة المشبوهة

الأمين العام للأمم المتحدة في العراق: سر الابتسامة المشبوهة


08/03/2023

بعثت زيارة الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بجدل محتدم، داخل الأوساط السياسية العراقية على خلفية ظهوره في صورة تجمعه بقادة بعض الميليشيات المدعومة من إيران، وهم مدرجون على قوائم الإرهاب الأمريكية. هذه الزيارة، التي تعد الأولى منذ ستة أعوام لأمين عام الأمم المتحدة للعراق، تتزامن مع مرور نحو عقدين على سقوط نظام الرئيس السابق، صدام حسين، بعد حرب خاضها تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة في آذار (مارس) عام 2003.

مواقف مثيرة وصور مريبة!

ولا يعد لقاء الأمين العام للأمم المتحدة بقادة الفصائل المسلحة الولائية أمراً جديداً؛ بل إنّ هناك سوابق مماثلة، وقد تسببت في ردود فعل عنيفة، محلياً ودولياً، بينما بعثت بتساؤلات حول طبيعة هذا اللقاء وتعاطي المنظمة الأممية مع أشخاص على قوائم الإرهاب. في عام 2020، قامت رئيسة بعثة الأمم المتحدة في العراق، جينين هينيس بلاسخارت، بلقاء قائد ميليشيات كتائب حزب الله العراقي، وقتذاك، عبد العزيز المحمداوي والذي يكنى بـ"أبو فدك"، وهو أحد المدرجين على قوائم الإرهاب الأمريكية.

وبالتزامن مع انطلاق تظاهرات "تشرين" عام 2019، والتي كانت ضد الطبقة السياسية بالعراق، ومنها الفصائل الولائية التي تتسيد الحكم، غردت بلاسخارت ضد التصعيد الذي قام به المتظاهرون، وقالت إنّ "التهديدات وإغلاقات الطرق المؤدية لمنشآت النفط والموانئ تسبب خسائر بالمليارات. وهذا يؤدي إلى إضرار وخيم باقتصاد العراق ويقوض تلبية المطالب المشروعة للمتظاهرين".

وفي النصف الثاني من الشهر الماضي  شباط (فبراير)، التقت رئيسة بعثة الأمم المتحدة في العراق بزعيم ميليشيات عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، الأمر الذي أثار سخط قطاعات سياسية واسعة، لا سيما أنّ بلاسخارت قالت إنّها بصدد بحث "الوضع السياسي بالعراق".

عادل الخزاعي:لا نخفي شعورنا بالصدمة

 وعبر  حسابه في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، سخر  الناشط العراقي، عمر حبيب، من الصورة التي جمعت غوتيريش بقادة الميليشيات، وقال إنّ الصورة تجمع "عقوبات دولية وقليل من لائحة الإرهاب وقضايا فساد".

وقيس الخزعلي تم إدراجه على قوائم الإرهاب، عام 2019، إلى جانب آخرين ظهروا مع الأمين العام للأمم المتحدة. ووفق وزارة الخزانة الأمريكية، فإنّ الخزعلي متورط في قضايا متعلقة بانتهاكات لحقوق الإنسان ومنها اغتيال النشطاء والمعارضين؛ حيث إنّ عناصر من ميليشياته نفذت عمليات استهداف بحق المتظاهرين خلال تظاهرات عام 2019.

ولذلك، دان الصحفي العراقي، سلام الحسيني، على حسابه في "تويتر"، لقاء غوتيريش بقادة الميليشيات، ووصف الأمم المتحدة بأنّها تقوم بـ"تدوير النفايات السياسية" في العراق.

شرعية للفساد

وذكر المبعوث الأمريكي السابق لسوريا جويل رايبورن أنّ "الأمين العام للأمم المتحدة يبتسم في اجتماع في بغداد مع الإرهابي قيس الخزعلي، الذي قتل المئات من القوات الأمريكية، وقتل الآلاف من العراقيين، ويقصف بشكل روتيني القوات الأمريكية في العراق وسوريا".

لا يعد لقاء الأمين العام للأمم المتحدة بقادة الفصائل المسلحة الولائية أمراً جديداً؛ بل إنّ هناك سوابق مماثلة، وقد تسببت في ردود فعل عنيفة

وفي حديثه لـ"حفريات"، يقول مدير المركز العراقي للحقوق والحريات وعضو المجلس الوطني للمعارضة العراقية، عادل الخزاعي: "كنا نعارض أن تلتقي الأمم المتحدة مع الحكومة العراقية، كون الحكومة العراقية لديها سجل حافل بالانتهاكات المرتبطة بحقوق الإنسان، مع الأخذ في الاعتبار أنّنا قد بعثنا ملفات الانتهاكات والقتل والتغييب قسراً والمسجلة بالصوت والصورة للأمين العام وكذا مجلس حقوق الإنسان. غير أنّ الأمم المتحدة تمتص غضب الحقوقيين باللقاء والتباحث واستلام الملفات".

ويردف الخزاعي: "لا نخفي شعورنا بالصدمة من لقاء الأمين العام بقادة الميليشيات، بينما لا يمكن معرفة بدقة شعور النازحين والمعتقلين والأطفال الذين قُتل ذويهم على يد هذه المليشيات، وأقول لأمين عام الأمم المتحدة إنّ اليد التي تمسكها مبتسماً، قتلت في بغداد فقط نحو 1500 إنسان باعتراف مقتدى الصدر (يد قيس الخزعلي)، وأنّ جميع المنظمات الحقوقية والإنسانية تشعر بالخذلان والخيبة من دعمكم المريب لقادة الميليشيات، كما أنّ جميع الضحايا ينظرون إليك بعين مفتوحة عن آخرها. ويعد هذا اللقاء رسالة للعراقيين وشعوب المنطقة المقهورة، حتى يفهموا دور المنظمات التي اعتقدوا أنّها تصطف لجانبهم".

وفي أعقاب الزيارة التي قام بها الأمين العام للأمم المتحدة لبغداد، قال: "نحن فخورون بما يمر به العراق من أمن واستقرار، وهو عراق يختلف عما كان".

في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني في بغداد، قال غوتيريشش إنّ الأمم المتحدة تدعم خطوات الحكومة العراقية في برامجها الإصلاحية، ومعالجة الفساد، وتحسين الخدمات، وخلق فرص لعمل الشباب، وهي تغييرات تتطلب وقتاً، والأمم المتحدة تدعم هذه الجهود.

وأضاف: "لقد ناقشنا الخطوات الإيجابية بين الحكومة الاتحادية وحكومة كردستان للوصول إلى اتفاق مستدام، والأمن المائي للعراق مهم جداً، وقلة تدفق المياه إلى نهري دجلة والفرات تشكل تهديداً يتطلب دعماً عالمياً، ونحن نتطلع إلى مشاركة العراق في مؤتمر المياه الذي سيعقد الشهر الحالي".

رسالة للعراقيين

ومن جهته، اعتبر السوداني أنّ زيارة الأمين العام للأمم المتحدة لبغداد "تمثل رسالة دعم للحكومة العراقية لمواجهة التحديات في مسألة التحديات الأمنية والسياسية".

وتابع: "ننتظر دعم الأمم المتحدة عبر وكالاتها لتحقيق الاستقرار السياسي والأمني، خاصة أنّ العراق اليوم أصبح مفتاحاً للحل في المنطقة".

الناشط محمد الطائي: مئة يوم على تشكيل حكومة السوداني

ومع حديث السوداني عن الأولويات القصوى لحكومته، ومنها تحسين وتطوير الأمور الخدمية، يوضح الناشط العراقي المستقل، محمد الطائي، أنّ هناك حالة من التدهور الاقتصادي والأمني التي باتت واضحة، فضلاً عن عجز غير خفي في مواجهة الأزمات، منها "ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي، وكذا التقصير الواضح في أداء الخدمات المختلفة، وتلبية متطلبات الشعب. ويضاف لذلك جملة أزمات سياسية متمثلة في الخلافات القائمة بين الشركاء أنفسهم في ظل دوامة الصراع مع الخصوم".

ووفق الطائي لـ"حفريات" فقد مر أكثر من مئة يوم على تشكيل حكومة السوداني، أو كما يسميها العراقيون حكومة "الإطار التنسيقي" و"الحكومة التوافقية المحاصصاتية"، بينما عكست هذه الفترة الزمنية "تخبطات الحكومة في محاولتها معالجة الأزمات الكثيرة، خاصة السياسية منها".

وتجلى ذلك في الكثير من القرارات التي أعادت "المحاصصة السياسية" للواجهة، مرة أخرى، وأبرزها تغيير المحافظين في عدد من محافظات العراق، وإعادة التكليف حسب "الحصص الحزبية" المتوافق عليها. يقول الطائي.

ويتابع: "ترك ذلك كله أثراً سلبياً في تنفيذ المشاريع الخدمية والاستراتيجية لتلك المحافظات، الأمر الذي عكس، بدوره، إعادة بناء الدولة العميقة التي كلف تفكيكها المئات من الشهداء وآلاف الجرحى في مختلف الاحتجاجات التي عاشها العراق منذ تموز (يوليو) عام 2015. والمتهم الأول في هذه الجرائم الفصائل المسلحة التابعة للأحزاب السياسية التي توافقت على تشكيل هذه الحكومة".

زيارة غوتيريش للعراق بعد مرور 20 عاماً على الإطاحة بنظام الرئيس صدام حسين وحزب البعث "نابعة من تولي ملف العراق، السياسي والأمني، أهمية كبيرة من جانب الأمم المتحدة وأمينها العام، وسعيهما إلى مساعدة  العراق للوصول إلى الاستقرار السياسي"، وفق الناشط السياسي العراقي، والذي يرى أنّه بعد عقدين من الزمن لم يشهد العراق أيّ استقرار سياسي أو اقتصادي أو أمني؛ حيث إنّ هذا الاضطراب وعدم الاستقرار سببه "الصراع السياسي بين الكتل السياسية والحكومة من جانب، وبين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، من جانب آخر .

الناشط السياسي العراقي محمد الطائي لـ"حفريات": هناك حالة من التدهور الاقتصادي والأمني التي باتت واضحة، فضلاً عن عجز غير خفي في مواجهة الأزمات

 ويعتقد الطائي أنّ هذه الزيارة لم تأت وليدة لموقف معين بل هي مكملة للدور الذي لعبته جنين بلاسخارت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق، والمهام التي تقوم بها، ومنها إعادة التوازن بين القوى السياسية، ومحاولاتها المتكررة لدفعهم باتجاه الحوار، وفق الدستور وضمن إطار العملية الديمقراطية. وقد نجحت بلاسخارت، نسبياً، في ذكر تفاصيل الصراع السياسي وتداعياته في إحاطتها الأخيرة المقدمة إلى مجلس الأمن، إلا أنّها، أيضاً، لم تتطرق لكثير من المخالفات الدستورية التي تقوم بها قوى "الإطار التنسيقي" في مواجهة القوى السياسية المستقلة والناشئة مع تشريع وإقرار جملة من القوانين التي تتعارض مع حرية الرأي والتعبير.

كما أنّ الخلاف المتصاعد ما بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان على ملفات عدة، أبرزها إقرار الموازنة لهذا العام وملف النفط والغاز وحل أزمة محافظة كركوك وترسيم الحدود بين المركز والإقليم، فضلاً عن ملفات مكافحة السلاح المتفلت، والفساد المستشري في عموم مؤسسات الدولة، ثم إعادة النازحين والسجون السرية، وبخاصة الموجودة في ناحية جرف الصخر، وهي السجون التي تخضع لميلشيات حزب الله العراقي.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية