الأسيرة المحرّرة نسرين أبو كميل: كلمة "ماما" أنستني قهر السجّان

الأسيرة المحرّرة نسرين أبو كميل: كلمة "ماما" أنستني قهر السجّان


26/10/2021

ما إن وصلت الأسيرة المحررة، نسرين أبو كميل، إلى حاجز بيت حانون "إيرز"، شمال قطاع غزة، حتى ركض طفلها أحمد مسرعاً لاحتضانها؛ فهذا اللقاء هو الأول بين الأم وطفلها، الذي فارقته وهو رضيع لم يتجاوز ثمانية أشهر، وعادت إليه بعد الإفراج عنها من سجون الاحتلال الإسرائيلي، وهو يبلغ من العمر سبع سنوات.

ولم يشاهد أحمد والدته طوال السنوات الماضية سوى من خلال الصور، فهو لا يعرفها ولا تعرفه، وكان ينتظر لحظة الإفراج عنها بشوق وحنين، لكنّ الاحتلال الإسرائيلي أراد التنغيص عليهما وسرقة فرحتهما منهما، فبعد ساعات من الانتظار على بوابة المعبر في ساعات الليل المتأخرة، قرّر عدم السماح لها بدخول قطاع غزة، بذريعة عدم موافقة المنسق الإسرائيلي على ذلك.

اقرأ أيضاً: محللون يكشفون لـ "حفريات" سياسة الابتزاز الإسرائيلية ضد الأسرى

غادر الطفل وأشقاؤه الستّة المكان، ودموعهم تغطي وجوههم، لعدم تمكنهم من لقاء والدتهم التي حُرموا من حنانها طوال السنوات الماضية، وبعد مماطلة استمرت ثلاثة أيام تمكنت الأسيرة الفلسطينية من دخول قطاع غزة، ولقاء أبنائها السبعة.

نسرين أبو كميل، من مواليد مدينة حيفا المحتلة، ومتزوجة في قطاع غزة، لها 7 أطفال حرمهم الاحتلال من زيارتها طيلة فترة اعتقالها، أصغرهم كان عمرة ثمانية شهور عند اعتقالها، وأكبرهم كانت تبلغ من العمر أحد عشر عاماً.

نسرين أبو كميل، من مواليد مدينة حيفا المحتلة، ومتزوجة في قطاع غزة

واعتُقلت أبو كميل بتاريخ 18 تشرين الأول (أكتوبر) 2015، على حاجز "بيت حانون" إيرز" شمال قطاع غزة، عندما توجهت لزيارة عائلتها في مدينة حيفا بالداخل المحتل عام 1948، بتهمة "جمع معلومات وتصوير مواقع في إسرائيل".

تعذيب نفسي

تقول نسرين أبو كميل، في حديثها لـ "حفريات": "الاحتلال الإسرائيلي حاول تعذيبي نفسياً من خلال منعي من مشاهدة أبنائي، وعدم منحهم تصاريح زيارة، فخلال السنوات التي قضيتها داخل السجون الإسرائيلية لم أتمكّن من مشاهدتهم، ولو لمرة واحدة، وهذا الأمر أثّر بي بشكل سلبي، وكنت كلّ يوم أموت ألف مرّة، شوقاً إليهم ولوعة على فراقهم".

نسرين أبو كيل لـ"حفريات": سماع كلمة "ماما" من أبنائي السبعة أنستني القهر والظلم في السجن؛ فقد كنت مشتاقة لسماع تلك الكلمة التي حُرمت منها طوال سنوات الأسر

تضيف: "بعد الإفراج عني حاول الاحتلال الإسرائيلي التلاعب بمشاعري ومشاعر أسرتي، ومنعني  من الدخول إلى غزة فور الإفراج عني، فكانت تلك اللحظة من أسوأ لحظات حياتي؛ إذ كنت أنتظر بفارغ الصبر الخروج من السجن لأطفئ نار شوقي بلقاء أبنائي، لكنّ تواصلي معهم بالصوت والصورة أثناء تواجدي بالداخل المحتل هوّن عليّ مرارة تلك اللحظة".

 

اقرأ أيضاً: محللون لـ "حفريات": لهذا ظهر الأسرى مبتسمين

وتواصل الأسيرة المحررة: "بعد موافقتي على الشروط التي وضعها المنسق الإسرائيلي، بمنعي من السفر لزيارة عائلتي في حيفا لمدة عامين، تمكّنت من العودة إلى قطاع غزة، ولقاء أبنائي السبعة، للمرة الأولى منذ ستّ سنوات، فكانت تلك اللحظة من أجمل لحظات حياتي، وكأني ولدت من جديد، وأبنائي لم يبقوا أطفالاً كما تركتهم قبل 6 سنوات، وسوف أعوّضهم عن تلك الفترة التي ابتعدت عنهم فيها".

شعور صعب

وتشير أبو كميل إلى أنها كانت تعيش في قهر داخل السجن، وأيامها كانت منقوصة بدون رؤية أبنائها، وكانت تتذكرهم دائماً، ولا يغيبون عنها لحظة واحدة، وكانت تستذكر اللحظات الجميلة التي قضتها برفقتهم، وكيف كانت تهتم بهم، وتلبي لهم احتياجاتهم، لافتة إلى أنّه لا يوجد شعور أصعب من أن تغيب الأم مرغمة عن أطفالها  سنوات طويلة دون أن تراهم ويرونها.

تقول نسرين أبو كميل، في حديثها لـ "حفريات": الاحتلال الإسرائيلي حاول تعذيبي نفسياً من خلال منعي من مشاهدة أبنائي

وفي يومها الأول بمنزلها، بعد الإفراج عنها، أرادت الأسيرة  المفرج عنها استغلال كلّ دقيقة برفقة أبنائها الذين حُرمت منهم طوال سنوات سجنها، إذ استيقظت من نومها باكراً، وتوجهت إلى غرفهم لإيقاظهم وتجهيزيهم للذهاب إلى المدارس.

 

اقرأ أيضاً: مهرجان الجونة السينمائي.. قضية الأسرى الفلسطينيين إلى الواجهة عبر فيلم "أميرة"

وعلى الرغم من توافد المهنئين إلى منزلها لتهنئتها بالإفراج عنها من السجون الإسرائيلية، إلا أنّها أصرّت على القيام بواجبتها المنزلية كأيّ أم، وأعدت الطعام لأبنائها، وتناولوا وجبة الغذاء من يدَيها، للمرة الأولى منذ اعتقالها قبل 6 سنوات.

تشدّد: "سماع كلمة "ماما" من أبنائي السبعة أنستني القهر والظلم اللذين تعرضت لهما داخل السجون الاسرائيلية؛ فقد كنت مشتاقة لسماع تلك الكلمة التي حُرمت منها طوال سنوات الأسر نتيجة منعهم من زيارتي".

إجراءات انتقامية بحقّ الأسرى

وتؤكد أبو كميل؛ أنّ الأسرى والأسيرات داخل السجون الإسرائيلية يعيشون أوضاعاً في غاية الصعوبة، نتيجة الإجراءات الانتقامية  غير المسبوقة بحقّهم، خاصة خلال الفترة الأخيرة في ظل المواجهات بين الحركة الأسيرة ومصلحة السجون.

أميرة، ابنة نسرين الكبرى، لم تكن تتجاوز أحد عشر عاماً حين اعتُقلت والداتها، ومنذ تلك اللحظة أصبحت الأم الصغيرة، رغم صغر سنها، وعدم معرفتها بمختلف أمور المنزل

ونقلت الأسيرة المحررة رسالة من الأسيرات الفلسطينيات داخل السجون الإسرائيلية، يطالبن  فيها سائر أبناء الشعب الفلسطيني، من مختلف الأطياف والفصائل، بمساندة الأسرى والوقوف إلى جانبهم، في ظلّ ما يتعرضون له من قمع وتنزيل وتعذيب بشكل يومي.

أميرة، ابنة نسرين الكبرى، لم تكن تتجاوز أحد عشر عاماً حين اعتُقلت والداتها، ومنذ تلك اللحظة أصبحت الأم الصغيرة، فرغم صغر سنها، وعدم معرفتها بمختلف أمور المنزل، إلا أنّها قررت الاعتناء بإخوتها، خاصة الرضيع أحمد، وعلى مدار السنوات أثبتت قدرتها على ذلك، وكانت على قدر المسؤولية.

الأم الصغيرة

تقول أميرة، لـ "حفريات: "عندما اعتُقلت والدتي كنت طفلة صغيرة لا أتمكّن من فعل شيء، لكن عندما وجدت والدي حائراً، ولا يستطيع ترك عمله للاعتناء بأشقائي، لذلك قررت أن أكون أمهم وشقيقتهم، فبدأت بالاهتمام بهم ورعايتهم، وتحمّل بعض المسؤوليات حتى لا يشعروا بالحرمان، ومع مرور الوقت أصبحت أقوم بكافة أعمال المنزل".

الأسرى والأسيرات داخل السجون الإسرائيلية يعيشون أوضاعاً في غاية الصعوبة

تضيف: "أن تتحمل فتاة  لم تتجاوز أحد عشر عاماً مسؤولية 6 أطفال، أصغرهم رضيع يحتاج إلى رعاية ومتابعة صحية، كان أمراً ليس سهلاً على الإطلاق، لكنّني تمكنت من تحدي جميع الصعوبات التي كانت تواجهني، وكان والدي يساعدني ببعض المسؤوليات، وكان السند لنا طوال السنوات الماضية، وجودي إلى جانب أشقائي ساعدني في تكوين علاقة مميزة معهم".

تتابع: "كنت أنتظر لحظة الإفراج عن والدتي بشوق وحنين، لأعوض سنوات الحرمان والفقد التي عشتها طوال فترة اعتقالها، وفور الإفراج عنها عانقتها، وشعرت وكأنني أعانقها للمرة الأولى؛ فالبيت الذي لا توجد فيه أم لا توجد به حياة، وبعد الإفراج عنها عادت الحياة الجميلة إلى منزلنا، ولا أسمح لأحد بأن يحرمنا منها مرة أخرى".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية