الأزمة السياسية في لبنان وارتباطها بالصراع الدائر في أوكرانيا

الأزمة السياسية في لبنان وارتباطها بالصراع الدائر في أوكرانيا


11/04/2022

الوضع السياسي في لبنان لا يمكن فصله عن أزمات المنطقة والعالم، فالمحاور التي يمكن أن تتشكّل بفعل الحرب الأوكرانية في المنطقة، على ضوء النتائج التي سوف تنتهي إليها الأزمة، سوف تتحدّد بحسب الطرف الذي سينتصر في الحرب؛ واشنطن أم روسيا؟ فمن يظن أنّ الاشتباك هو مع أوكرانيا مخطئ، فأوكرانيا ما هي سوى المسرح الذي تدار على خشبته الأحداث.

وهناك عدة عناصر يمكن الاشتباك معها:

أوّلاً: من الزاوية الاستراتيجية؛ فالعرب وروسيا جزء من الشرق، مقابل الغرب في العقل الإمبريالي، كما جسّده هنتنغتون وكيبلنغ.

ثانياً: ربّما في ضوء الصراع الغربي مع روسيا، بوصفها قلب العالم الأوراسي، وفي ضوء شكل النظام الدولي الجديد؛ فإنّ مصير العرب داخل التاريخ يبقى مرهوناً بالتموضع في المحور الأوراسي، ويشار هنا إلى جانبين:

1- التطور الذي أجراه "ماكندر" فيلسوف الأوراسية والهارت لاند عندما عدّل فكرته، وقال: إنّ هناك قلبين للعالم، يربط بينهما المنطقة العربية؛ بما تمثله من موقع وموارد وبُعد حضاري عميق، كما يشار إلى فكرة ألفريد ماهان (محيط الأرض مقابل الهارت لاند) التي تولي أهمية خاصة لموقع العرب في هذا المحيط.

التغيير لا يكون إلّا عبر الحامل السياسي؛ لذلك من المبكر التوقع وطرح السيناريوهات، لكنّ التغيير آتٍ، ربما إيجاباً أو سلباً، لكنْ هناك تغيير عميق قادم

2- المساهمات العربية على هذا الصعيد، وموقع العرب في العالم الأوراسي، وخاصّة مساهمة المفكر المصري جمال حمدان، وليس أدلّ من التشخيص المشترك لكلٍّ من جمال حمدان، والروسي دوغين، على أهمية سوريا؛ كخط دفاع استراتيجي عن روسيا، في حالة دوغين، وعن مصر في حالة حمدان؛ لذلك نفهم أسباب ودوافع حرب الــ 11 عاماً في سوريا، وما تلاها من وضع مأزوم في لبنان، والذي وصل إلى انسداد كامل؛ بفعل رهانات واشتباكات ومحاور إقليمية دفعت لبنان إلى أن يدفع ثمن الحصار والعقوبات الاقتصادية من أجل تطويعه وجعله أمام واقع جديد أشبه بالتحدي، ألا وهو تطبيق السلام مع إسرائيل، وقد أشار إلى ذلك وزير خارجية الولايات المتحدة عندما خيّر لبنان بين الموت جوعاً، أو التطبيع مع إسرائيل.

اقرأ أيضاً: دول الخليج تعيد لبنان إلى "دائرة الاهتمام العربي".. فهل يراجع اللبنانيون حساباتهم؟

وفي ظل هذا الواقع، أصبح لبنان أمام نوع من التحدي من أجل البقاء على مبدأ الممانعة، كما هو الحال في أوكرانيا، التي باتت حلبة للصراع من أجل حماية الأمن القومي لروسيا، وإدارة الصراع مع الغرب، كذلك هو الحال في لبنان الذي أصبح مرتبطاً بالسياسات الخارجية لحزب الله، وتوسعاته الإقليمية، في مواجهته أيضاً مع الغرب.

السؤال الأساسي هنا هو: هل بات مفتاح السلام يحدده فقط الانتصار الروسي في أوكرانيا؟ أم الانتصار على إسرائيل؟

أعتقد أنّ ما يجري بين الفلسطينيين والإسرائيليين ليس بعيداً عمّا يجري في أوكرانيا أيضاً، وهو أنّ إسرائيل تمارس ردة فعل على الأدوار والمحاور التي سوف تتشكل في المنطقة؛ فهي تحاول أن تحجز لها موقعاً مقبولاً، خاصّة أنّ الأولويات لم تعد كما كانت في السابق، حيث وجدت منافسة من إيران على من يلعب دور شرطي الشرق الأوسط، وهو أمر ربما سوف تحدده نتائج الحرب في أوكرانيا، والثمن الذي سوف يُدفع مقابل إنهاء الحرب هناك.

اقرأ أيضاً: ما حقيقة "إفلاس لبنان"؟.. خبير اقتصادي يجيب

لذلك أجد أنّه من المبكر أن نحكم على الأحداث الآن، لكن أعتقد أنّ منطقة الشرق سوف تصل إلى الاستقرار السياسي، على مستوى المعالجات، وتقارب الأعداء، ونحن بدأنا نتلمس ذلك بين المملكة السعودية واليمن من جهة، وفي الزيارة التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد إلى الإمارات، من جهة أخرى، وكذا زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى لبنان، والزيارة المحتملة من البابا إلى لبنان في حزيران (يونيو) القادم.

ما يجري بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ليس بعيداً عمّا يجري في أوكرانيا أيضاً، وهو أنّ إسرائيل تمارس ردة فعل على الأدوار والمحاور التي سوف تتشكّل في المنطقة؛ فهي تحاول أن تحجز لها موقعاً مقبولاً

وبالتالي، هناك استقرار سياسي قادم لا بدّ منه، لكن لا أعتقد أنّ ذلك سوف يُغيّر كثيراً من تداعيات الأزمة الاقتصادية في لبنان؛ لأنّ الاستحقاق الانتخابي في لبنان مسحوب بتحديات وأزمات عميقة، مرتبطة بالنظام الطائفي، وكيفية إدارة وترشيد الحوكمة الفاسدة، والمحسوبية، والاشتباكات، والتبعية العمياء، لذلك فمن المستبعد أن تُغيّر هذه الانتخات شيئاً من هذا الواقع؛ لأنّ الوجوه القديمة قائمة، والدولة العميقة ما تزال هي ذاتها تتقدّم المشهد السياسي، وهي متمثلة في الأحزاب الأساسية، وأمراء الحرب، كما أنّ المجتمع المدني كشف هو الآخر قناعه، وبات أكثر تشبثاً بالسلطة، بل أكثر من السلطة الفاسدة ذاتها، كما أنّ هناك خلافات وصراعات على المكاسب والسلطة، والسياسات الطفيلية التي يعاد إنتاجها عبر هذا المجتمع المدني، الذي لا أؤمن به أساساً، بل هو مجرّد أداة تحركها المنظمات الدولية والسفارات.

 

اقرأ أيضاً: أية رسائل حملتها زيارة وزير خارجية إيران إلى لبنان؟

وبالعودة مرة أخرى إلى المشهد الانتخابي المقبل، فإنّ المرشحين لا يملكون مشروعاً سياسياً لحلّ الأزمات الداخلية، لذلك لا أعول على هذه الانتخابات، فالنخبة ما تزال تمارس التضليل، ورفع الشعارات الفارغة والشعبوية، كما كان هو الحال إبّان انتفاضة 17 تشرين الأول (أكتوبر) التي عبّرت فقط عن صرخة وجع، لكنّها اُستُغلت من قبل الأحزاب، وتمّ إجهاضها بفعل غياب مشروع ونظرية وكتاب ثوري واضح يظهر لنا خارطة الطريق من أجل مستقبل واعد.

 

اقرأ أيضاً: ما هي رسائل حزب الله في كشف شبكات تجسس إسرائيلية في لبنان؟

وبالختام، لا أخفي تفاؤلي؛ لأنّ التغيير لا يكون إلّا عبر الحامل السياسي؛ لذلك من المبكر التوقع وطرح السيناريوهات، لكنّ التغيير آتٍ، ربما إيجاباً أو سلباً، لكنْ هناك تغيير عميق قادم، بدأ لبنان يتلمسه على مستوى الهوية والتغيير الديموغرافي والثقافي والسياسي، وكذا على صعيد العلاقات مع الدول المحيطة، وهو الأمر الذي يتصل بتغيرات دولية عميقة، سوف تؤدي إلى أن تكون منطقة الشرق الأوسط أكثر المناطق استقراراً حتى بالمقارنة بالدول الأوروبية، على الأقل لجهة الحوار، والانفتاح على الآخر، بعد خلافات وقضايا كان مسكوتاً عنها، وتُعتبر من المحرّمات.

*أورنيلا سكر: صحافيّة لبنانية، متخصصة في الدراسات الاستشراقية والعلاقات الدولية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية