"اعتزال" الإخوان للعمل السياسي.. خطوة للخلف أم إحياء لـ"تكتيك قديم"؟

"اعتزال" الإخوان للعمل السياسي.. خطوة للخلف أم إحياء لـ"تكتيك قديم"؟

"اعتزال" الإخوان للعمل السياسي.. خطوة للخلف أم إحياء لـ"تكتيك قديم"؟


20/10/2022

طارق أبو السعد

بعد فشل مشروعها السياسي في بعض بلدان المنطقة عادت جماعة الإخوان مجددا للانكفاء الفكري، متخذة من العمل الدعوي خطة بديلة للمرحلة المقبلة.

فالجماعة التي اتكأت منذ تأسيس بنيانها قبل 94 عامًا على العمل السياسي وسيلة للوصول إلى مآربها، تتقن منهج الخطط البديلة مع كل جولة تخسر فيها الرهان، ويتعرض مشروعها السياسي للهزيمة.

ورغم خسارتها الكثير من قواعدها الشعبية في شمال أفريقيا وبلدان المغرب العربي وانحسار مشروعها السياسي، من مصر مرورًا بليبيا إلى بلدان المغرب العربي، إلا أن "هزائم" الإخوان المتتالية، لم تنته بعد.

ملامح التغيير

تلك الهزائم دفعت جماعة الإخوان إلى اتخاذ خطوة للخلف إلى العمل الدعوي؛ ففي مصر أعلنت جبهة لندن بقيادة إبراهيم منير، انسحابها من أي صراع على السلطة في مصر، مؤكدة أن هدف مهمتها السياسية لم يكن مجرد الوصول للحكم بل التعاطي مع ما وصفتها بـ"اللحظة الحرجة" من تاريخ مصر. 

وأكدت أن لديها 3 أولويات سياسية في المرحلة القادمة، تتمثل في إنهاء ملف المعتقلين، وتحقيق المصالحة، وبناء شراكة وطنية، ما يتطلب تجاوز الصراع على السلطة.

ومن مصر إلى جارتها ليبيا، والتي لم تكن أحسن حالا بعد الانشقاقات التي ضربت الإخوان هناك؛ مما دفعها للإعلان في مايو/أيار 2021، عن تحولها إلى جماعة دعوية تحت اسم "الإحياء والتجديد".

ذلك التحول جاء في إطار تنفيذ تعليمات التنظيم الدولي، الساعي لتحسين صورة التنظيم، وبعد انشقاق رئيس حزب العدالة والبناء السابق الذراع السياسية لجماعة الإخوان في ليبيا، وتأسيسه في أغسطس/آب 2021، الحزب الديمقراطي، زاعمًا أنه سيكون بعيدًا عن فكر الإخوان. 

ومن ليبيا إلى جارتها تونس، كانت قيادات حركة النهضة تجنح إلى "اعتزال" العمل السياسي، خاصة بعد الضربة القاصمة التي وجهها إليهم الرئيس التونسي قيس سعيد في يوليو/تموز 2021.

وأعلن 113 قياديا بحركة النهضة الإخوانية التونسية في سبتمبر/أيلول 2021، استقالتهم من الحركة، سبقهم نائب رئيس حركة النهضة عبدالفتاح مورو في العام 2020، بإعلان انسحابه من الحياة السياسية، "والانصراف إلى مشاغل أخرى لها علاقة بالشأن العام".

إخوان المغرب ساروا على نفس الخطى؛ فحركة العدل والإحسان أعلنت إجراء انتخابات جديدة قبل أسبوع، فاز فيها أوس رمال الذي يحمل توجهات دعوية، مما يشير إلى حالة من التراجع عن العمل السياسي وخاصة بعد هزائم الجماعة في الانتخابات البلدية الأخيرة.

وفيما كانت أول القرارات التي ناقشتها حركة العدل والإحسان، فصل الجانب الدعوي عن السياسي، أكدت الحركة في بيان اطلعت "العين الإخبارية" على نسخة منه، "اعتزازها بالقيم الإسلامية للمجتمع المغربي وارتباط المغاربة بالقرآن الكريم والسنة النبوية وبمكانة العلماء والقراء في وجدان المجتمع المغربي"، مما يشير إلى اتجاهها الدعوي البعيد عن العمل السياسي، خلال الفترة الحالية.

خيار استراتيجي

تلك الحالة من الإخفاقات والهزائم المتوالية التي وجدت "الإخوان" نفسها منغمسة فيها، أربكت صفوفها وجعلتها تلجأ إلى "الانسحاب المؤقت" من المشهد السياسي، كخيار استراتيجي مع الإبقاء على مجالي العمل الدعوي والعمل الأهلي الخيري التطوعي، باعتبارهما وسائل يمكن الولوج منها الى المجتمعات العربية.

وحول ما إذا كان هذا الخيار دليل نضج أدى لتحول فكري يعي خطورة الصراع السياسي وخلط الدين بالسياسية، أم استمرار لمسلسل "التقية"، أكد محللون استطلعت "العين الإخبارية" آراءهم، أن جماعة الإخوان حين "تسقط" تستبدل شعاراتها فورًا.

وبحسب المحللين، فإن السياسة لا تنفصل عن أدبيات تنظيم الإخوان؛ فما يدعيه البعض من التوقف عن السياسة هو بمثابة "خدعة كبيرة" لجأت إليها الجماعة كحل أخير نتيجة لهزيمة المشروع الإخواني الذي فقد بريقه، ولكسب مزيد من الوقت حتى ترتب الجماعة أوضاعها ثم تعود لسابق عهدها من "خلط السياسة بالدين.

منهج التقية

وإلى ذلك، قال الكاتب والباحث التونسي باسل ترجمان في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن "جماعة الإخوان الإرهابية بنت حركتها على ثلاث ركائز أساسية؛ الأولى الكذب والثانية التقية والثالثة المظلومية"، مشيرًا إلى أن "الإخفاقات التي تطارد الإخوان تأتي دائما بعد كشف حقيقتهم المخادعة لدى الشارع العربي"، على حد قوله.

وفيما قال إنه "كلما حاصرتهم الشعوب زاد حديثهم عن المظلومية"، أشار إلى أنه بعد كل سقوط للجماعة فإنها تعود إلى منهج التقية للتخفيف من وطأة الأضرار والخسائر، بدلا من مراجعة مواقفهم.

وأوضح الباحث التونسي أن حديث جبهات الإخوان عن التوقف عن العمل السياسي هو أشبه بـ"ادعاء اللصوص بعد ضبطهم بجريمتهم أنهم تابوا ولن يعودوا لارتكاب سرقاتهم ثانية، حتى يتعاطف معهم أكبر عدد ممكن ليعودوا بعدها إلى سيرتهم الأولى"، على حد قوله.

مخطط غربي

وأكد ترجمان، أن "الإخوان" جماعة سياسية وليست دعوية، مشيرًا إلى أن "كل ما قامت به هو عمل سياسي تم خلط الدين به ليمكنوا من التسلل إلى المجتمع".

وأضاف أن "مشروع الإخوان في حقيقته هو مخطط غربي بالدرجة الأولى لاستهلاك طاقة الأمة، والدخول في دائرة مفرغة ما بين مؤيد لها ومعارض"، مشيرًا إلى أنه حين تسقط الإخوان تستبدل لافتاتها فورًا".

"فتجربة الحكم في مصر وتونس والمغرب سياسية، لكنهم (الإخوان) فشلوا، وانكشفت تحالفهم مع منظومة الفساد في كل بلاد المنطقة لتخريب البلاد من الداخل، مما أدى لسقوط مشروعهم وشعاراتهم التي تبين أنها لم تكن إلا مجرد شعارات"، يقول ترجمان، مشيرًا إلى باتوا يستخدمون ركيزتهم الثانية (التقية)، بادعاء التوقف عن العمل السياسي".

الواقع ينسف الشعارات

رؤية ترجمان وافقها الأكاديمي والباحث بمركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث منتصر حمادة، والذي قال إن هذه ليست أول مرة تنشر فيها فروع جماعة الإخوان في المنطقة هذه الآراء أو المواقف، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الفوارق بين خصوصية وأداء كل فرع أو فصيل إخواني.

وأوضح منتصر حمادة، أنه في العام 2017، نشرت عدة جماعات إخوانية آراء ومواقف تدعو إلى الفصل بين العمل السياسي والعمل الدعوي، مستدلا على ذلك بما حدث في تونس مع حركة/ حزب النهضة، وما جرى في المغرب مع حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية، وفي فرنسا مع الفرع الإخواني هناك الذي غير اسمه من اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا إلى اتحاد مسلمي فرنسا.

إلا أنه قال إن هذه المواقف ما هي إلا "مزاعم لا يمكن الوثوق بها؛ فالأداء الميداني هو الجواب الفصل بخصوص التأكد من صحتها"، مشيرًا إلى أن "وجود انقسامات بخصوص تبني خيار الامتناع عن ممارسة السياسة يؤكد صعوبة هذا المطلب؛ فجميع فصائل الإخوان تشربت من أدبيات لا تفصل بين العمل الدعوي والسياسي".

الباحث في مركز المغرب الأقصى للدراسات، أضاف أن هذا التردد في فصل الدعوي عن السياسي هو ذاته الذي يعانيه المغرب مع جماعة الإخوان؛ إذ إن عملية الفصل التي تتحدث عنها ما هي إلا حالة نظرية يمكن إدراجها في خانة الترف الفكري، لكن على أرض الواقع فالأمر مختلف".

خلط السياسة بالدين

وأضاف أن "الإخوان"، جماعة تختلف عن سائر الحركات الإسلامية الدعوية، مثل (الدعوة والتبليغ / التيار السلفي التقليدي) فهي حركة أو جماعة تخلط العمل السياسي بالدعوي، مشيرًا إلى أن تجاربها في المنطقة العربية خير شاهد، مما يعني أن عملية الفصل -إن صحت- لا يمكن أن تتم بين ليلة وضحاها، وستستغرق وقتًا لتفعيلها.

أما الباحث السياسي التونسي حازم القصوري، فيرى أن "ادعاءات الإخوان بوقف ممارسة السياسة هي خطة ممنهجة بديلة تتمثل في الانسحاب التكتيكي من الساحة السياسية".

وأوضح القصوري، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن كل المعطيات التي على الأرض من تجارب الإخوان في تونس وفي العالم العربي وفي أوروبا تؤكد أن الجماعة بصدد خطة بديلة، تتمثل في الانسحاب المؤقت والتكتيكي من الساحة السياسية، كوسيلة لتجنب المزيد من الخسائر.

خسائر وإخفاقات

وأكد الباحث السياسي التونسي؛ أنه بعد الخسائر التي وصفها بــ"الكبيرة" والتي مُنيت به جماعة الإخوان من الإطاحة بها في 30 يونيو/حزيران 2013 في القاهرة (عاصمة المنشأ) والتي تعد قلب الإخوان، وما تلاها من "إخفاقات" و"هزائم" متتالية لكل فصائل الجماعة بالدول العربية مثل تونس والمغرب وليبيا، دفعها لاتخاذ خيار استراتيجي واضح، يتمثل في الانسحاب المؤقت من المشهد السياسي، مع الإبقاء على مجالي العمل الدعوي والعمل الأهلي الخيري التطوعي، باعتبارهما وسائل يمكن الولوج منها للمجتمعات العربية.

إلا أن هذا الخيار، قال عنه القصوري إنه ليس نابعًا من نضج فكري أو تراكم خبرات في الممارسة السياسية، بل هو "تقية" ليستمروا في خداع العالم مرة أخرى"، مشيرًا إلى أن "وظيفتهم الأساسية هي تنفيذ أجندات أجنبية تخدم مصالح دول إقليمية وعالمية".

واستدل على رؤيته بقوله: لا يمكن أن نفسر سفر عناصر النهضة إلى أمريكا وحث الإدارة الأمريكية على اتخاذ موقف ضار بتونس انتقاما من الشعب التونسي والرئيس قيس سعيد إلا بأنهم عملاء".

انتشار التعصب والتطرف

تلك الخطوات الإخوانية، تحتم النظر إلى "ادعاءات" الإخوان بفصل الدعوي عن السياسي، بأنها ليست إلا مجرد "استمرار لممارسة الكذب الإخواني"، بحسب القصوري، الذي قال إن "إخفاقات الإخوان على الساحة العربية جاءت بعد وعي الشعوب بخطورة تلك الجماعة على السلام المجتمعي".

وفيما قال إنه، في ظل تمدد الإخوان أصبح النسيح الوطني يعاني من التمزق الداخلي، مما أدى لـ"انتشار حالات التعصب والتطرف والاستقطاب الحادة"، نصح بحماية الأجيال القادمة عبر عدم ترك الدولة بمفردها في مواجهة تلك الجماعة المتشعبة والمستقوية بالغرب.

واقترح الباحث السياسي التونسي تدشين تحالف عربي تحت مظلة جامعة الدول العربية لمواجهة ومكافحة هذه الجماعة، ليس فقط أمنيًا، لكن فكريًا وسياسيًا وتنظيميًا وماليًا، مع إيجاد وسائل قوية قادرة على اجتثاث جذور التنظيم من منابعه.

وشدد على ضرورة اتخاذ موقف حاسم من الدول التي تؤوي الإخوان أو توفر لهم تمويلًا ودعمًا ماليًا ومنصات إعلامية تبث منها "سموم فكرها".

عن "العين" الإخبارية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية