
تمر اليوم عشر سنوات منذ أن أعلن تنظيم داعش “خلافته”، التي أعلنها للعالم بعد أيام مؤسسها أبو بكر البغدادي من مسجد النوري في الموصل. واستولى التنظيم على مساحات شاسعة من سوريا والعراق، وفرض نسخته المتشددة الدموية، وفرض عقوبات قاسية وجرائم قتل.
وقد كان الواقع خلال هذه السنوات عبارة عن حياة يهيمن عليها العنف الشديد: رؤوس مقطوعة عالقة على سور ساحة البلدة، ومضايقات مستمرة من قبل دوريات “شرطة الأخلاق” وغارات متكررة من قبل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.
وفي نهاية المطاف، تمكن هذا التحالف، الذي يضم أكثر من 70 دولة، من طرد تنظيم داعش من ملجأه الأخير في الباغوز في شرق سوريا في عام 2019. ولم تعد “الخلافة المادية” موجودة، لكن الأيديولوجية ظلت قائمة.
وفي دراسة حديثة نشرها المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات بعنوان "داعش ـ القٌدرات والهيكل التنظيمي من الداخل"، فكك المركز قدرات داعش وهيكلته.
داعش ـ الهيكل التنظيمي من الداخل
بحسب ما ورد في الدراسة، فقد عرض تنظيم “داعش” في عام 2016 بياناً مفصلا لهيكل التنظيم. وأكد على أهمية “مجلس الشورى” الذي يقوم بعمل الخليفة في الكثير من الأحيان. كذلك كرر تأكيده على أهمية اللجنة المفوضة ودورها في إدارة الولايات الموزعة في عدة دول، منها في سوريا والعراق.
التنظيم قدم تفاصيل عن هيكل خلافته، التي زعم أنها تتكون من (35) ولاية، منها (19) ولاية في سوريا والعراق. وقتل نحو (43) من مؤسسيها المعروفين خلال حملة 2017-2019 بينهم زعيمها” أبو بكر البغدادي”. وإلى جانب هؤلاء القادة الأساسيين، قُتل (79) من القادة الرئيسيين من المستوى المتوسط، بالإضافة إلى مئات القادة الميدانيين واللوجستيين.
تكون التنظيم في الوقت الحالي من (14) ولاية و (5) دوواوين أو وزارات. وهناك إدارة واحدة مسؤولة عن إدارة الولايات خارج سوريا والعراق. وألغى تنظيم “داعش” مسئوليات العديد من الولايات كالكهرباء والحسبة وغيرها لأنه لايحتاج إليها بعد فقد معاقله . وفقا لمخطط للهيكل التنظيمي يأتي على رأس التنظيم” الخليفة”. ودوماً لأسباب أمنية سعى تنظيم “الدولة” التعريف بالكنى مبقياً على الهوية الحقيقية للقيادات في تنظيمه مجهولة حتى بين عناصر التنظيم نفس،وتحت الخليفة توجد لجنتان ذات أهمية؛ هما مجلس الشورى، واللجنة المفوضة، وتحت “اللجنة المفوضة” تأتي طبقات قيادية أخرى.
تنظيم داعش ـ الهيكل التنظيمي: المجلس العسكري
تكونت المنظومة العسكرية لداعش من (5) عناصر أساسية تمكن من خلالها إدارة الأمور العسكرية للتنظيم والإشراف على جيوش التنظيم. وامتلك التنظيم مجمعات عسكرية لتجنيد واستقطاب وتدريب المقاتلين على الفنون القتالية.
لكن بعد هزيمة داعش وتصفية قياداته اكتفى التنظيم ببعض الشبكات العسكرية والخلايا النائمة لإثبات تواجده. ويعتمد التنظيم بعد تفكيك منظومته العسكرية على استراتيجية طويلة الأمد مرسومة على شكل خطط و تطبيق مبدأ اللامركزية في عملياته.
المنظومة العسكرية لـ”تنظيم داعش“
ديوان الجند لتنظيم داعش: اتخذ من منطقة 17 تموز في الساحل الأيسر لمدينة الموصل مركز محافظة نينوى مقرا له. وكان يضم مكتب أمير ونائب أمير الديوان. يتكون ديوان “الجند” من عدد من الإدارات وفروعها المسئولة عن الأمور العسكرية للتنظيم وتجنيد وتدريب المقاتلين و الإشراف على جيوش تنظيم داعش(جيش الخلافة ، جيش دابق ، جيش العسرة وعسكري الولايات).
كان الواقع خلال هذه السنوات عبارة عن حياة يهيمن عليها العنف الشديد: رؤوس مقطوعة عالقة على سور ساحة البلدة ومضايقات مستمرة من قبل دوريات “شرطة الأخلاق”
وتشمل جيش الخلافة، الذي أصبح جيشا نظاميا يتكون من فرقة وألوية وكتائب عسكرية يتولى الدفاع عن ولايات التنظيم في العراق وسوريا. وتشيرالوثائق وفقا لـ”The Islamic State Archives” إلى الهيكل العسكري التقليدي لـ”داعش” بالإضافة إلى ذلك ، تؤكد الوثائق أن التنظيم وافق على استخدام أسلحة كيماوية. ومن أكبر إلى أصغر الرتب العسكرية داخل الجيش (الأمراء – أمير المفرزة – أمير السرية – أمير الفصيل – أمير الكتيبة – أمير اللواء – أمير الفرقة – المقاتل) ويتضمن جيش الخلافة (12) فرقة.
هذا إلى جانب جيش دابق، حيث تم تدمير كتائب الجيش بالكامل وبالأخص في معارك نينوى وكان قد اتخذ من منطقة البعاج غرب الموصل مقرا لهم.
وجيش العسرة؛ وقد شكلت بلدة “دابق” رمزية دينية لتنظيم “داعش” وسعى بكل الوسائل للمحافظة على سيطرته عليها، عبر إرسال مئات المقاتلين من “جيش العسرة” وفقا لـ”DW”.
ويعتبر جيش “دابق” بمثابة القوات الخاصة لداعش وتشكل من مجموعة من كتائب القوات الخاصة او المغاوير ، وتم تدريب عناصره على فنون القتال وحرب الشوارع ، هو مجهز بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة والتعبوية. وغالبية عناصره من الشباب والذين تلقوا تدريبات قتالية.
كما يضم مجمعات التدريب والمعسكرات العامة – تنظيم داعش؛ فقد اجتذب التنظيم آلاف المجندين الشبان في الموصل وامتلك التنظيم مجمعات لتدريب المقاتلين فعلى سبيل المثال امتلك التنظيم مجمع تدريب من (3) فيلات في الموصل وأتاحت فتحات تسمح بمرور إنسان في الجدران الخارجية سهولة التنقل بين الفيلات. وكانت الطوابق السفلى تمتلئ بملصقات التنظيم ومنشوراته عن الأسلحة بالإضافة إلى اختبارات عن أساليب الحرب وفقاً لـ”رويترز” في 27 فبراير 2017.
المنظومة العسكرية لداعش تشمل أيضا، بحسب الدراسة، الكتائب النسائية؛ منها كتيبة نسيبة التي دربت النساء على استخدام بنادق هجومية من طراز كلاشنيكوف وقنابل يدوية وأحزمة ناسفة.
وكتيبة الخنساء التي لعبت دورًا رئيسيًا في تجنيد أعضاء غربيين جدد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى أدوار تكتيكية، وكانت بمثابة الشرطة الدينية النسائية، أو الحسبة – بمراقبة النساء في مناطق داعش، والتأكد من التزامهن بالأحكام، ومعاقبة المخالفين. وفقاً لـ” atlanticcouncil” في 17 مايو 2019.
تكون التنظيم في الوقت الحالي من (14) ولاية و (5) دوواوين أو وزارات وهناك إدارة واحدة مسؤولة عن إدارة الولايات خارج سوريا والعراق
هذا فضلا عن جهاز استخبارات، حيث أعلنت خلية الإعلام الأمني الحكومية في العراق، في 26 يونيو 2021، الإطاحة بـ”مخبر” يقدم معلومات لـ”داعش” عن الأجهزة الأمنية العراقية وفقا لـ”روسيا اليوم”. وحرصت أجهزة الاستخبارات الفرنسية وفقاً لـ “RT” في 21 يناير 2022 على دراسة طبيعة الجهاز الاستخباراتي الداعشي، من خلال استجواب “المقاتلين الفرنسيين” العائدين من صفوفه في سوريا والعراق، وتقلدوا مناصب رفيعة داخل التنظيم هناك.
تنظيم داعش – الهيكل التنظيمي: المجلس المالي والهيئة الإعلامية
بعد القضاء على خلافة تنظيم داعش واسترداد الأراضي التي كان يسيطر عليها في عام 2019 راهن الكثيرون على أن هذا التنظيم ماضٍ نحو الزوال أو الانطواء والانكماش الحقيقي كالذي أصاب تنظيم القاعدة.
لكن الدراسة لفتت إلى أن التنظيم اتبع بشكل صارم استراتيجية طويلة الأمد مرسومة على شكل خطط مدروسة يقوم بمراجعتها وتطويرها بشكل مستمر بحيث تتواكب مع الأوضاع المحلية والإقليمية المتغيرة وتساهم في حماية التنظيم من الاندثار.
ويتكون الهيكل التنظيمي للتنظيم من المجلس المالي؛ إذ يُعد تنظيم” الدولة الإسلامية” الأغنى في تاريخ الحركات “الجهادية”، وقد تفوق على تنظيم القاعدة المركزي والفروع الإقليمية للقاعدة، فتمكن من بناء شبكات تمويل ممتدة، ونوَّع في مصادره التمويلية.
وبعد خسارة تنظيم داعش لمناطق سيطرته، وفي عهد الخليفة أبو إبراهيم الهاشمي، تغيرت هيكلية التنظيم، فأصبح هناك لجنتان رفيعتا المستوى: مجلس شورى من خمسة أعضاء. ولجنة منتدبة من خمسة أعضاء (أعلى هيئة تنفيذية)، كل عضو في الأخير مسؤول عن حقيبة (الأمن، البيوت الآمنة، الشؤون الدينية ، الإعلام ، والتمويل). التغيير الملحوظ هو أن اللجنة التفويضية قد زادت من اللامركزية في مختلف القطاعات على المستوى المحلي، والتي تعمل بشكل شبه ذاتي وتتمتع بالاكتفاء الذاتي من الناحية المالية. وفقاً لـ ” New lines institute” في 19 مايو 2020.
وإلى جانب المجلس المالي يضم داعش الهيئة الإعلامية (المركز الإعلامي)؛ ونلفت الدراسة إلى أن الإعلام يتمتع الإعلام بأهمية كبيرة داخل هيكلية تنظيم الدولة الإسلامية، وهو من أكثر التنظيمات الجهادية اهتماماً بشبكة الإنترنت والمسألة الإعلامية؛ فقد أدرك منذ فترة مبكرة من تأسيسه الأهمية الاستثنائية للوسائط الاتصالية في إيصال رسالته السياسية ونشر أيديولوجيته السلفية الجهادية، فأصبح مفهوم “الجهاد الإلكتروني” أحد الأركان الرئيسية في فترة مبكرة منذ تأسيس جماعة “التوحيد والجهاد”، ثم القاعدة في بلاد الرافدين.
التنظيم اتبع بشكل صارم استراتيجية طويلة الأمد مرسومة على شكل خطط مدروسة يقوم بمراجعتها وتطويرها بشكل مستمر بحيث تتواكب مع الأوضاع المحلية والإقليمية المتغيرة
هذا ورجحت الدراسة أن يكون الهيكل الداخلي للتنظيم لم يتم تدميره وأن روابط الاتصال لا تزال مفتوحة، بما في ذلك عبر الإنترنت. وأنه تحول إلى “شبكة لا مركزية” و”تنتشر تنظيماته الفرعية” التي تساعد في تمدده بمناطق أخرى كما هو الحال في أفريقيا وآسيا والحصول على موطئ قدم في بعض البلدان، بما في ذلك كازاخستان وقيرغيزستان و طاجيكستان..
كما أشارت إلى وجود مخاوف عدة بشأن احتمال عودة ظهور داعش، منها مخاوف من تواصل بين الخلايا النائمة لداعش00000 وقياداته، ومخاوف بشأن ما يقرب من (10000) مقاتل من داعش، بما في ذلك حوالي (2000 ) مقاتل أجنبي، ما زالوا محتجزين في سجون تديرها قوات سوريا الديمقراطية قد يمثلون قنبلة موقوتة على المدى القريب.