ارتفاع الدَّين الخارجي لتركيا: الشعب إذ يسدّد فواتير أطماع الرئيس

ارتفاع الدَّين الخارجي لتركيا: الشعب إذ يسدّد فواتير أطماع الرئيس


30/08/2020

بلغ عجز الميزان التجاري لتركيا، خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري 139.1 مليار ليرة، وهو ما دفع الحكومة لاقتراض 6 مليار و28.9 مليون ليرة، خلال مناقصتَي سداد مختلفتين.

ومع التراجع المستمرّ للعملة التركية مقابل الدولار، يبدو أنّ الوضع الداخلي يزداد سوءاً، بينما لا ينفكّ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن دعايات اكتشاف حقول جديدة للغاز، تنتشل بلاده من براثن أزمة خانقة طال أمدها.

مجرد صرف أنظار

وصل تراجع الليرة التركية، في تموز (يوليو) الماضي، لأقل مستوياتها، مع بلوغ التضخم 12.6%، وهو رقم فاق توقعات الاقتصاديين، بحسب تقرير نشرته شبكة "CNBC"، وبحسب تصريح العضو المنتدب لأبحاث إسطنبول الاقتصادية، كان سيلكوكي، للشبكة؛ فإنّ التضخم المتصاعد والانكماش لا ينذران بأيّ تحوّل في المدى القريب، وإنّ ارتفاع التضخم تزامن مع ندرة احتياطات الحكومة، وحذّر سيلكوكي من أنّ الديون الخارجية المتزايدة على تركيا، ستدفع الليرة نحو مزيد من الانهيار، إذا لم تتدخل الحكومة بسياسات مالية تحجّم الانهيار.

 ويرى المحلل السياسي التركي، بركات كار، أنّ ما قامت به الحكومة من اقتراض لسداد ديونها، كشف حجم الأزمة العميق، وفضح كذب النظام الحاكم، بأنّ كلّ شيء على ما يرام، والحقيقة أنّ وضع الاقتصاد التركي في حالة حرجة، تحتم عليهم الشفافية.

اقرأ أيضاً: زيارة أردوغان للدوحة: المأزق الليبي وانهيار الليرة التركية والمخفي أعظم

يتابع كار، في تصريح لـ "حفريات": "الأزمة الاقتصادية التركية أعمق مما يتخيل أردوغان ونظامه، التضخّم بلغ مستويات غير مسبوقة، وهو أمر يمسّ الشرائح العريضة من الطبقة الوسطى وما تحتها، والآن لدينا أكثر من 10 ملايين عاطل عن العمل، الديون تراكمت بنسب ضخمة، والإنتاج شبه متوقف، ولأنّ تركيا الآن في مأزق كبير؛ فهي تبحث عن مخرج لها من خلال البنوك الأوروبية، لكن بسبب انتهاكاتها للقانون الدولي، لا تُمّد لها يد المساعدة.

تواجه تركيا أزمة مالية حادة نتيجة السياسات النقدية الفاشلة، التي وضعت الاقتصاد في موقف ضعيف في مواجهة ارتدادات انتشار فيروس كورونا، وانخفاض الناتج الصناعي

 من جهة أخرى؛ فإنّ التدخل السابق لتحسين الوضع الداخلي التركي، من قبل دول حليفة للنظام مثل قطر، أصبح غير فعّال؛ إذ وصلت البلاد لطريق شبه مسدود، إضافة إلى التدخل العسكري غير الشرعي الذي يمارسه النظام في المنطقة، وهو ما فاقم الأزمة الاقتصادية، بينما يروّج النظام لتدخلاته، ويزعم أنّها لمصلحة القومية التركية، لكن مع تزايد الضغط على المواطنين، مع التهاوي المستمر لليرة التركية أمام الدولار، وانخفاض القيمة الشرائية، يتكشف للمواطنين أنّ كلّ هذه أكاذيب لا طائل من ورائها".

اقرأ أيضاً: أزمة الليرة التركية: كيف انعكست "مغامرات" أردوغان على اقتصاد أنقرة؟

يرى كار؛ أنّ الضغط الداخلي على النظام التركي والناتج عن الأزمة الاقتصادية، يضع الحزب الحاكم في مأزق كبير، خاصة مع التدخلات العسكرية السافرة في ليبيا وسوريا، وحديثاً العراق واليمن، لكنّ هذه فرصة كبيرة أمام القوى الأقليمية والدولية للضغط على أردوغان، ودفعه بعيداً عن مناطق الصراع في المنطقة، لأنّ استمرار تدخلاته العسكرية، رغم الأزمة الداخلية غير المسبوقة، هو صرف لأنظار الشعب عن الواقع الاقتصادي للبلاد، وجرجرة لتركيا إلى أوهام قومية وإسلاموية".

المأزق التاريخي

ما يزال الاقتصاد التركي يعاني من تداعيات تفشي فيروس كورونا، ولا يمكن التنبؤ بتخطي هذه التداعيات بشكل سريع، في ظلّ مؤشرات الوضع الاقتصادي الراهن. ويرى الباحث في الشؤون الأمنية والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط، بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، مصطفى كمال، أنّه على الرغم من إجراءات التحفيز المالي التي اتخذتها تركيا، ما تزال الاستجابة ضعيفة للغاية للمؤشرات الاقتصادية، حتى الآن، بالمقارنة مع دول أخرى ذات وضع مماثل.

يستكمل كمال حديثه لـ "حفريات": "عمدت تركيا، عبر البنك المركزي التركي، إلى زيادة حجم برنامج لشراء السندات، يشمل ديناً حكومياً بنحو 27 مليار ليرة (3.64 مليار دولار)، كذلك أرجأت تركيا مدفوعات سداد الديون، وخففت العبء الضريبي عن قطاعات شتى، في إطار حزمة إجراءات حجمها 100 مليار ليرة، تتضمن مضاعفة الحدّ الأقصى لصندوق ضمان القروض، كما خفّض البنك المركزي أسعار الفائدة إلى 8.75 %، ورغم هذه الإجراءات تتجه تركيا إلى ركود اقتصادي سيكون الثاني لها في أقلّ من عامين، خاصة في ظلّ توقّع بأن ينكمش الاقتصاد بنسبة 2% في 2020".

الباحث مصطفى أمين لـ "حفريات": الطموح السياسي لأردوغان أدى لمزيد من التدهور على المستوى الاقتصادي في تركيا، لأنّ شريحة كبرى من السياسيين الأتراك، لا ترى في هذه التوسعات ضرورة

ويعتقد كمال؛ أنّ السبب وراء الانكشاف الاقتصادي الذي تعيشه تركيا، هو  ارتباطاتها الضخمة بالتمويل الخارجي وانخفاض احتياطيات النقد الأجنبي وضعف مصداقية السياسة النقدية، وهو ما يجعلها رهينة لمعنويات السوق.

 وتواجه تركيا أزمة مالية حادة نتيجة السياسات النقدية الفاشلة، التي وضعت الاقتصاد التركي في موقف ضعيف في مواجهة ارتدادات انتشار فيروس كورونا، وقد سبق إنذارات تداعيات الفيروس على الاقتصاد التركي، انخفاض الناتج الصناعي، أحد أبرز مؤشرات النمو في تركيا.

تركيا المنبوذة

أشار تقرير صادر عن وكالة "موديز"، بداية الشهر الماضي، إلى "مخاوف جديدة في السوق" بشأن السياسة الاقتصادية لتركيا، وتوقع التقرير حدوث "انكماش اقتصادي بنسبة 5٪، عام 2020، مع تركز الانكماش في النصف الأول من العام، يليه انتعاش بطيء نسبياً، وفق المعايير التركية، حوالي 3.5%، عام 2021، نتيجة القيود الهيكلية المختلفة"، ويتوقّع صندوق النقد الدولي أيضاً انكماش الاقتصاد التركي بنسبة 5٪ هذا العام، بعد أن توسّع بنسبة 0.9٪ فقط العام الماضي.

اقرأ أيضاً: "الإيكونوميست": هكذا يتخبط أردوغان في إنقاذ الليرة التركية

 وبحسب الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، مصطفى أمين، فإنّ هذه الأزمة تؤثر بشكل على وضع حزب العدالة والتنمية الإخواني، وتتسبّب في المزيد من انهيار شعبيته، التي تتراجع باستمرار منذ أكثر من خمسة أعوام.

يستطرد أمين، في تصريحه لـ "حفريات": "الطموح السياسي للرئيس التركي المتعلق بالمشروع التوسعي في المنطقة، أدى لمزيد من التدهور على المستوى الاقتصادي في تركيا، لأنّ شريحة كبرى من السياسيين الأتراك، لا ترى في هذه التوسعات ضرورة؛ إذ إنّ المشروع الاقتصادي الأردوغاني، المرتبط بدولة الرفاه، كان كفيلاً بصرف أنظار الحزب الحاكم عن أيّة مشاركة عسكرية خارجية، وهذا ما ظهر بشكل واضح من الانتعاش الاقتصادي الذي شعر به الأتراك من 2002 حتى عام 2011، ومنذ بدأ أردوغان في التورط بمشروعه التوسعي، وتحوّل من فكرة تصفير أزمات تركيا الخارجية إلى مرحلة تأزيم كلّ علاقاته مع الدول المجاورة، فيما عدا قطر، انعكس هذا بشكل مباشر على الاقتصاد التركي".

اقرأ أيضاً: تراجع الليرة التركية إلى أدنى مستوياتها.. بماذا تأثرت؟

لم يصل الاقتصاد التركي للانهيار الكامل، حتى الآن، في نظر أمين، "لكنّه في مفترق طرق، وضع فيه بموجب تصرفات الرئيس، التي يمكن اختزالها في استجلاب العداء مع كافة الدول الإقليمية والمجتمع الدولي، والاتحاد الأوروبي، وكذلك إفساد علاقته بدول الخليج، التي تعدّ أهمّ عملاء الاقتصاد السياحي لتركيا، ليتحوّل أردوغان من مشروع اقتصادي لصالح المواطن التركي إلى  مشروع توسعي، وهي كلفة ضخمة على الحزب الحاكم وعلى الدولة التركيّة".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية