ارتزاق الميليشيات الإخوانية السورية لصالح أنقرة في أذربيجان (2-3)

ارتزاق الميليشيات الإخوانية السورية لصالح أنقرة في أذربيجان (2-3)


13/01/2021

منذ اللحظة الأولى لاندلاع الأزمة في إقليم ناغورني قره باغ، قدمت دعماً علنياً لأذربيجان، على المستوى العسكري والميداني واللوجيستي، وقد كشف خبراء في الأمن والسياسة، أنّ أذربيجان أعدّت للحرب ومهّدت لها؛ إذ إنّ تركيا، التي تضغطها أطماع الثروة في غاز شرق المتوسط، فضلاً عن محاولات توسيع نفوذها السياسي الإقليمي، عبر إحياء الخلافة (الأممية) الإسلامية، تتنقل في الصراعات الإقليمية والخارجية، بين ليبيا وسوريا، مروراً بالعراق واليمن، وحتى أذربيجان.

الأرمن في معادلة التاريخ والسياسة

ولذلك؛ يوضح الباحث في مركز كارنيغي، ومؤلف كتاب "الحديقة السوداء"، توماس دي وال، إلى أنّه "يبدو منطقياً أنّ الأذريين هم من أرادوا بدء هذه الحرب، لا الأرمن، الذين لم يريدوا سوى إبقاء الوضع على ما هو عليه؛ إذ إنّه على الرغم من إعلان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في نيسان (أبريل) العام الماضي، أنّ بلاده ستقف في وجه "من يحاولون تهميش وإقصاء حتى مواطن أرمني واحد" في البلاد، وأنّ أنقرة تولي أهمية خاصة لأمن وسلام وسعادة الطائفة الأرمنية في تركيا، فإنّ الخطاب الرسمي التركي، الداعم لأذربيجان في مواجهة أرمينيا في الصراع الدائر بشأن إقليم ناجورنو قره باغ، كان له أثره في حياة الأرمن في تركيا".

في نهاية أيلول (سبتمبر) العام الماضي، وبالتزامن مع بداية اندلاع الحرب بين أرمينيا وأذربيجان؛ غرّد أردوغان عبر حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "على الشعب الأرمني التمسّك بمستقبله في مواجهة قيادته التي تجره إلى كارثة، وأولئك الذين يستخدمونه كالدمى"، وتابع: "ندعو أيضاً العالم بأسره للوقوف مع أذربيجان في معركتها ضدّ الغزو والوحشية"، وقد أعلن الرئيس التركي تضامنه الكامل وتأييده الكلي لـ "باكو".

اقرأ أيضاً: خفايا تركيا والإخوان في الصّراع بين أرمينيا وأذربيجان (1-3)

منذ اليوم الأول للهجوم الأذربيجاني الذي كان مخططاً له، بشكل مسبق، على إقليم قره باغ ، قالت الحكومة الأرمينية إنّ 81 شخصاً أصيبوا على الأقل من أصل قرابة نحو 4 آلاف من المرتزقة السوريين، الذين جرى إرسالهم إلى منطقة الصراع، حسبما يشير الصحفي السوري المتخصص في قضايا الإسلام السياسي، شيار خليل.

ويضيف خليل لـ"حفريات" أنّ "هؤلاء المرتزقة كانت المواقع الإخبارية تتناقل قبل فترة شهر إلى شهرين من بدء المعارك، معلومات عن نقلهم إلى قره باغ، دون الإدراك لما كان يجري التخطيط له من الجانبين الأذربيجاني والتركي، والذين قالا أنّهما شعب واحد في بلدين (حيث يعتبر الأذريون أحد فروع الشعب التركي ولغته التركية)".

4 آلاف مقاتل من المليشيات السورية

كما أشارت الحكومة الأرمنية، إلى أنّ ثمة "معلومات استخباراتية تشير إلى وجود قرابة أربعة آلاف مقاتل من المليشيات السورية، انخرطوا في الاشتباك الذي أطلقته أذربيجان"، وقد أكدت مراكز سورية حقوقية انتقال العديد من "المرتزقة" المدعومين من أنقرة صوب أذربيجان للمساهمة في "حماية المراكز الحدودية" في حال اندلاع نزاع مع أرمينيا المجاورة.

وقد ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان في لندن، أنّ الدفعة الأولى من المرتزقة السوريين، الذين ينتمون في غالبيتهم إلى ميليشيات "السلطان مراد، والعمشات"، وصلت بالفعل إلى أذربيجان للقتال إلى جانب القوات الأذرية ضد أرمينيا، كما توجهت الدفعة الأولى، وفق المرصد السوري، من عفرين شمال سوريا (والتي احتلتها تركيا في العام 2018 عقب معارك استمرت شهرين ضد قوات سوريا الديمقراطية)، وذلك مقابل مبالغ مالية تصل إلى ما بين 1500 – 2000 دولار أمريكي للشخص الواحد.

تعدّ روسيا القوة التاريخية المهيمنة في المنطقة، فقد كانت كلّ من أرمينيا وأذربيجان جزءاً من الإمبراطورية القيصرية، ثم الاتحاد السوفييتي فيما بعد

سعت أنقرة على الدوام نحو تمكين نفوذها العسكري في أي منطقة صراع، سواء بالاشتراك المباشر من خلال قواتها، أو بواسطة مرتزقة مدعومين منها (أغلبهم سوريون)، بحسب الصحفي السوري المتخصص في الإسلام السياسي؛ إذ تقوم تركيا "بتعبئة المسلحين في مناطق الصراع، مثل ليبيا، التي أصبح لأنقرة دور كبير فيها على خلفية انتشار المرتزقة، وكذا تقديم دعم عسكري لحكومة السراج الإخوانية، التي تقاتل قائد الجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر".

الجيش الموالي للإخوان

ويضيف المصدر ذاته لـ"حفريات": "أقرت عناصر وقيادات ما يعرف بـ"الجيش الوطني السوري"، الموالي لتنظيم الإخوان المسلمين في سوريا، وترعاه أنقرة بالسلاح والتمويل، بإرسال المرتزقة إلى أذربيجان؛ حيث اعترف القيادي بالتنظيم الميليشياوي، زياد حاجي عبيد،  في النصف الثاني من أيلول (سبتمبر) الماضي بأنّهم "مستعدون للدفاع عن المصالح التركية سواء داخل أو خارج الاراضي السورية"".

اقرأ أيضاً: هل إيران هي الخاسر الأكبر من اتفاق أذربيجان وأرمينيا؟

وصرح عبيد لمنصة "رووداو" الكردية: "نعمل على تعزيز مصالحنا المشتركة مع الجيش التركي، وليس لدي أعداد حول من ذهبوا للقتال إلى أذربيجان"، مضيفاً أنّ "الجيش التركي قدم ولازال يقدم لنا الكثير على الارض السورية"، على حد زعمه.

وقال القيادي في التنظيم المدعوم من أنقرة: "نحن مضطرون لردّ الدين للجانب التركي، وأن نكون مع الأتراك في خندق واحد، سواء كان في ليبيا أو في أذربيجان أو في أي مكان آخر، فنحن نتعاون مع الجانب الذي يساعدنا في حل قضيتنا، قضية 3 ملايين سوري في العراء، قضية الجوع والأمراض والفقر، فليس لدينا غير الله والجانب التركي يقف معنا".

الصحفي السوري شيار خليل لـ"حفريات": بعد انفضاح ارتزاق الميليشيات الإخوانية السورية لصالح أنقرة في أذربيجان، تطرقت مجموعة وسائل إعلام عالمية للدور التركي هناك

وعقب خليل أنّه "بعد انفضاح ارتزاق الميليشيات الإخوانية السورية لصالح أنقرة في أذربيجان، تطرقت مجموعة وسائل إعلام عالمية للدور التركي هناك؛ حيث أوردت وكالة "رويترز"، في نهاية أيلول (سبتمبر) العام الماضي، شهادة من اثنين من المرتزقة السوريين، وذكرت الوكالة على لسان كل منهما، أنهما في طريقهما إلى أذربيجان بالتنسيق مع أنقرة، وذكر حينها أحد المرتزقة وكان من ميليشيا أحرار الشام: "لم أكن أرغب في الذهاب، لكن ليس لدي أيّ أموال، الحياة صعبة للغاية والفقر شديد"، وهو الأمر الذي يضعنا أمام حيل النظام التركي العديدة لاستغلال الفقر أو بالأحرى الارتزاق من الأوضاع الناجمة عن الحرب والصراع الإقليمي".

ماذا قال وزير الخارجية الأرمني؟

وقد ذكر وزير الخارجية الأرمني، زوهراب مناتساكانيان، في منتصف تشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي، أنّ "نقل تركيا للمسلحين من سوريا وليبيا إلى قره باغ، محفوف بتصاعد النشاط الإرهابي في المنطقة وخارجها"، وشدد على أنّه جرى "إثبات قيام تركيا بنقل مقاتلين أجانب من سوريا وليبيا إلى أذربيجان، ليس فقط من قبل المصادر الأرمنية، بل ومن جانب المجتمع الدولي كله".

وتابع وزير الخارجية الأرمني: "من خلال اللجوء إلى مساعدة الإرهابيين المسلحين الموالين لتركيا، أصبحت أذربيجان منبراً لتوسيع نفوذ تركيا، وبؤرة للإرهاب الدولي في منطقتنا.. وسياسة تغذية وتشجيع المنظمات الإرهابية وتزويدها بممر إلى جنوب القوقاز، محفوفة بخطر اندلاع موجة جديدة من العنف والنشاط الإرهابي، ليس في منطقتنا فقط، بل أبعد من ذلك".

اقرأ أيضاً: أذربيجان تنتهك شروط اتفاق السلام مع أرمينيا... ماذا فعلت؟

وإلى ذلك، طالبت مجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة، في الحادي عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، أطراف الصراع في قره باغ، بسحب كل المرتزقة الأجانب من المنطقة، ولفت الفريق الأممي إلى أنّ الحكومة الأذربيجانية تعتمد بمساعدة أنقرة على المرتزقة السوريين، لدعم ومواصلة العمليات العسكرية في منطقة النزاع، بما في ذلك خط المواجهة، وقالت المجموعة التابعة للأمم المتحدة إنّ "الدافع الأساسي للمسلحين هو تحقيق مكاسب خاصة، لأنّه في حال مقتلهم، ورد أنّ أقاربهم يحصلون على تعويض مالي وجنسية تركية".

اقرأ أيضاً: اتفاق سلام أرمينيا وأذربيجان: ما علاقة فوز بايدن والصفقة بين موسكو وأنقرة؟

وبالمحصلة، فإنّه "مما لا شك فيه بأنّ تشكيلات الإخوان المسلمين في سوريا، سواء السياسية كـ"الائتلاف الوطني" أو العسكرية كـ"الجيش الوطني" متورطة حتى النخاع في تمرير أجندات نظام أردوغان التوسعية الاستعمارية سواء في سوريا، أو في الدول الإقليمية، وليست أرمينيا أول ضحاياهم، ولنّ تبقى الأخيرة، ما دام العالم عاجزاً عن مواجهة العنجهية التركية ومساعيها الإمبراطورية المتوهمة وغير المشروعة، ولنّ يتم ذلك سوى تصنيف الإخوان ضمن التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود والقارات". يقول شيار خليل.

"لدى الأرمن الذين يعيشون في كاراباخ، والذين كانوا يمثلون الأغلبية الساحقة في "جمهورية كاراباخ الجبلية ذات الحكم الذاتي" التي كانت تدار من العاصمة الأذرية باكو، أسباب مشروعة للشعور بتعرّضهم للتمييز"، حسبما ذكر الصحفي والكاتب الأرمني، فيكين شيتريان؛ إذ إنّه في 20 شباط (فبراير) العام 1988، صوّت برلمانهم المحلي على مقترح بالانفصال عن جمهورية أذربيجان السوفييتية، والانضمام إلى جمهورية أرمينيا المجاورة (السوفييتية أيضاً). وبعد مضيّ أسبوع واحد، اندلعت مذابح ضدّ الأرمن في مدينة سومغيت الآذرية، وتبعها المزيد من المذابح وعمليات تبادل للسكان بين الجمهوريّتين اللتَين كانتا، حتى ذلك الحين، تتمتعان بعلاقات "أخوية".

تركيا وإدارة النزاع

ومع انهيار الاتحاد السوفييتي، تسعينيات القرن الماضي، تطور الصراع في كاراباغ إلى حرب شاملة، في أعقاب توقيع اتفاقية لوقف إطلاق النار، في أيار (مايو) العام 1994؛ حيث كان الجانب الأرميني يسيطر تماماً على الإقليم نفسه، إضافة إلى بعض الأراضي الأذرية المحيطة به؛ لهذا نجد أنّ هذا الصراع هو وليد انهيار النظام السوفييتي.

وفي مقال شيتريان، المعنون بـ "لماذا تحتاج أذربيجان إلى انتصار محدود في كاراباغ؟"، يقول: "ثمة قوتان إقليميتان تتمتعان بنفوذ كبير، هما روسيا وتركيا، غير أنّ مواقفهما تختلف اختلافاً نوعياً. وتعدّ روسيا القوة التاريخية المهيمنة في المنطقة، فقد كانت كلّ من أرمينيا وأذربيجان جزءاً من الإمبراطورية القيصرية، ثم الاتحاد السوفييتي فيما بعد، وبينما يجمع روسيا وأرمينيا تحالف عسكري، ولدى روسيا قاعدتان عسكريتان هناك، فهي أيضاً تقيم علاقات طيبة مع أذربيجان، ليس فقط على الصعيدين، الدبلوماسي والاقتصادي، لكن أيضاً هناك تعاون عسكري مهمّ بين البلدين، ورغم أنّ روسيا دعت الطرفين إلى وقف تصعيد الصراع، فمن المتوقع أيضاً أن تتمكن من توسيع نفوذها، بشكل أكبر، على كلّ من أرمينيا وأذربيجان نتيجة هذا الصراع".

اقرأ أيضاً: أردوغان يبرمج العقل الإخواني: الأرمن ليسوا ضحايا (3-3)


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية