ثمة إستراتيجية جديدة تبنّتها الولايات المتحدة الأمريكية تجاه إيران، مع ولاية دونالد ترامب، وصعوده للحكم؛ حيث اتخذت ضدّها سياسة متشدّدة، بهدف تقويض نفوذها وكبح دورها الإقليمي؛ بدأت بانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، وإنهاء الروابط التجارية بين إيران وعدد من الشركات والبنوك الكبيرة، التي عقدت معها صفقات ضخمة تقدر بمليارات؛ كشركتي بوينغ وإيرباص، إضافة إلى عقوبات على أنشطتها العسكرية، سيما برنامجها للصواريخ الباليستية، وحزمة العقوبات الاقتصادية في مرحلتيها الأولى والثانية.
قمة وارسو.. الأهداف والتداعيات
وفي ظلّ تلك السياسة المغايرة لترامب عن سلفه أوباما، الذي يفرض من خلالها أطواقاً صلبة، على المستوى السياسي والأمني والاقتصادي، ضدّ طهران، جاء الإعلان عن اجتماع وارسو، المزمع عقده في بولندا، خلال يومي 13و14 شباط (فبراير) المقبل، والذي يأتي على قمة أولوياته؛ الموقف من إيران، ودورها في منطقة الشرق الأوسط، وعلاقة ذلك باستقرار المنطقة من الناحيتين الأمنية والسياسية.
بومبيو: الاجتماع سيتمحور حول الاستقرار في الشرق الأوسط ومسائل السلام والحرية والأمن في هذه المنطقة
يأتي الإعلان عن اجتماع وارسو الدولي، في التوقيت نفسه الذي يقام فيه وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، بجولة في عدد من دول منطقة الشرق الأوسط، من بينها القاهرة والأردن وبغداد، لبحث التطورات الإقليمية والأمنية والسياسية الجديدة، وسبل بناء تحالفات إستراتيجية تتهيأ داخلها المنطقة، وبالتزامن أيضاً مع الترويج عن "الناتو العربي"، الذي كشف عنه في أيار (مايو) 2017، ومن المتوقع تدشينه خلال العام الجاري.
وبحسب وزير الخارجية الأمريكي؛ فإنّ اجتماع وارسو سيتمحور حول الاستقرار في الشرق الأوسط، ومسائل السلام والحرية والأمن في هذه المنطقة، وسيتناول مسألة التأكد من أنّ إيران ليس لها أيّ تأثير مزعزع للاستقرار.
اقرأ أيضاً: لهذه الأسباب تطلق فصائل عراقية موالية لإيران الشائعات
وفي محطته الثالثة، في العاصمة المصرية القاهرة؛ أكّد بومبيو، في كلمته التي ألقاها بالجامعة الأمريكية: أنّ "إدارة الرئيس دونالد ترامب، تريد تأسيس حلف إستراتيجي شرق أوسطي، لمجابهة أكبر خطر في المنطقة، ولتعزيز التعاون في الطاقة والاقتصاد، وسيضمّ الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن".
"وارسو" ما الذي تخبرنا عنه المعلومات والتوقعات؟
وبينما يبدو اختيار وارسو التي تستضيف اجتماعاً دولياً على هذا المستوى من الأهمية غريباً؛ إذ لم ينعقد في إحدى عواصم الدول الأوروبية المهمة، لكن يرى مراقبون أنّ بولندا، مؤخراً، تتمتع بعلاقات جيدة ومتطورة مع الرئيس الأمريكي، ترامب، وهناك دوافع مشتركة تصهر روابط الصلة بينهما، خاصة، في ظلّ مخاوفها من روسيا، والبحث عن حليف إقليمي ودولي قوي.
اقرأ أيضاً: بومبيو بين إيران وقطر
لم يعلن عن كافة تفاصيل الاجتماع، وأجندته السياسية والأمنية، والموضوعات التي سوف يتطرق إليها، إضافة إلى أسماء الدول التي سوف تتمّ دعوتها، غير أنّ وزارة الخارجية الأمريكية، ونظيرتها البولندية، كشفت بعض القضايا المستهدفة، مثل: الإرهاب والتطرف، وتطوير الصواريخ، وانتشار الأسلحة، والتجارة البحرية، والأمن، وتهديدات الجماعات التي تخوض حروباً بالوكالة في الشرق الأوسط.
وفي السياق ذاته؛ جرى الكشف عن دعوة أكثر من 70 دولة للمشاركة في الاجتماع، بما في ذلك دول الخليج، وعدد من الدول العربية، وجميع أعضاء الاتحاد الأوروبي.
وصرّح وزير الخارجية البولندي: بأنّ "الشرق الأوسط أصبح يمثل تحدياً أمنياً، على المستوى العالمي؛ لذا فإنّه سيكون ضمن أهداف الاجتماع تطوير إطار عمل مشترك، لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط".
هل الاجتماع الدولي "عرض هزلي" حقاً؟
من جهتها، رأت إيران اجتماع وارسو "خطوة عدائية" تجاهها، بينما بدأت حملة مضادة إعلامياً، وعلى مستوى دبلوماسي؛ حيث قامت وزارة الخارجية الإيرانية باستدعاء دبلوماسي بولندي، للاحتجاج على مشاركة بلاده للولايات المتحدة في استضافة قمة عالمية تركز على الشرق الأوسط، خاصة إيران، بحسب ما أعلنت عنه وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية "إرنا".
اقرأ أيضاً: عن الدور الإيراني في المنطقة
ووصف وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، الاجتماع، بأنه بمثابة عرض هزلي يائس مناوئ لإيران، بحسب تعبيره، وهدّد مسؤول ثقافي إيراني بإلغاء أسبوع الفيلم البولندي، المزمع تنظيمه خلال الشهر، إذا لم يتم التراجع عن خطط استضافة القمة.
وفي هذا السياق، يشير الباحث المصري، محمود أبو القاسم، في المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، ومقرّه الرياض؛ إلى أنّ قمّة وارسو تعدّ فرصة لعدد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة للتنسيق بشأن الموقف من إيران، وبحث سبل الضغط عليها، في ظلّ ما رأته قوى أوروبية من أنّ العقوبات الأمريكية لم تمنع إيران عن تمويل الجماعات والميلشيات الإرهابية، وزعزعة استقرار المنطقة.
أبو القاسم: قد يدفع الاجتماع دولاً تتعاون مع إيران لمراجعة موقفها وتعديله والتنسيق الأوسع فيما يتعلق بمعالجة الملف الإيراني
ويضيف لـ "حفريات": "يعد الاجتماع جزءاً من الإستراتيجية الأمريكية، التي تستهدف إيران على المستوى الدولي؛ حيث يهدف الاجتماع إلى تنسيق مواقف عدد من القوى الإقليمية والدولية الفاعلة، لدعم الاستقرار في الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي يرافقه، بالأساس، طرح دور إيران في المنطقة، الذي قد يفرض مزيداً من الضغوط والتحديات على إيران، وتواجهه صعوبات وتحديات حقيقية، منذ استعادة العقوبات الأمريكية.
بيد أنّ دولاً كروسيا والصين، وغيرها من الدول الحريصة على التعاون مع إيران، سيشكّل هذا الاجتماع عليها كثيراً من الاعتبارات، التي ستأخذها في الحسبان، بحسب أبو القاسم، وهو ما قد يدفعها لمراجعة موقفها وتعديله، ويمهد لتعاون أوسع فيما يتعلق بمعالجة ملف إيران، سيما أنّ الولايات المتحدة ما تزال حريصة على أن تكون إستراتيجيتها ضمن جهود منسقة، حتى مع الدول التي لديها خلافات معها بشأن هذا الملف.