إيران تعبث في ملف الطاقة وتشعل الخلاف مع كردستان

إيران تعبث في ملف الطاقة وتشعل الخلاف مع كردستان


02/06/2022

يبعث ملفّ النفط والغاز في العراق، بإشكاليات عديدة، تحديداً بين الحكومة المركزية في بغداد وإقليم كردستان؛ إذ إنّه يشكّل أحد محاور الصراع والتنافس بين الطرفين، خاصّة في ظلّ الوضع السياسي المحلي المأزوم، من ناحية، واحتدام الاستقطاب الدولي على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية، من ناحية أخرى.

الصراع على الطاقة

كما أنّ قرار المحكمة الاتحادية، الذي قضى مؤخراً بتسليم الملف لحكومة بغداد، بينما قوبل بالرفض من رئيس حكومة الإقليم، مسرور البارزاني، قد تسبّب في رفع وتيرة الصدام، وتبادل الاتهامات العنيفة والملاسنات بين الأطراف المتنازعة.

واتّهمت "تنسيقية المقاومة العراقية"، التي تضمّ مجموعة من الفصائل الشيعية المسلحة المدعومة من إيران، حكومة الإقليم في أربيل بتدريب مسلحين بهدف "إشاعة الفوضى، والاضطراب، والتخريب، وتمزيق وحدة الشعب العراقي"، ما اضطّر البارزاني للردّ بلهجة عنيفة، خلال منتدى دافوس الاقتصادي الدولي، المنعقد في سويسرا، وقال إنّ المحكمة الاتحادية قد تشكّلت بصورة "مخالفة للدستور"، ومن ثمّ؛ فإنّها تُستخدم بغية إصدار "قرارات سياسية".

وردّ مجلس أمن كردستان على تهديد الفصائل الشيعية؛ بأنّ "أيّ عدوان سيكون ثمنه باهظاً".

وزير الخارجية العراقي السابق والقيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، هوشيار زيباري

وقالت "تنسيقية المقاومة"، في بيان: "رصدنا عمليات تدريب لمجاميع مسلحة في إقليم كردستان العراق، فضلاً عن تحركات مشبوهة من أدوات داخلية لعملاء الخارج، هدفها إشاعة الفوضى والاضطراب والتخريب، وتمزيق وحدة الشعب العراقي، والنسيج المجتمعي، ببصمات صهيونية واضحة".

قرار المحكمة الاتحادية الذي قضى، مؤخراً، بتسليم الملف لحكومة بغداد، بينما قوبل بالرفض من رئيس حكومة الإقليم، مسرور البارزاني، تسبّب في رفع وتيرة الصدام

وعقّب مجلس أمن إقليم كردستان على ما ورد في بيان الفصائل الشيعية المسلحة، ببيان مماثل، أوضح فيه أنّ تلك الاتهامات "لا أساس لها من الصحّة، وهي ليست جديدة، وقد قامت هذه المجاميع، حتى الآن، بكلّ ما في وسعها فعلياً، ملبيةً دسائس القوى الخارجية في مناطق العراق المختلفة، ولم تجلب للبلاد سوى الويلات والدمار والفتنة".

فتش عن إيران

وإلى ذلك، قال وزير الخارجية العراقي السابق والقيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، هوشيار زيباري؛ إنّ "بيان الهيئة التنسيقية لما يسمّى بالمقاومة ضدّ الحزب الديمقراطي الكردستاني هو مجرد أكاذيب"، وتابع في تغريدة على حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "عليهم أن يراجعوا معلوماتهم المغلوطة والمهدّدة لأمن وسلامة العراق؛ لأنّها اتّهامات باطلة وغير مسؤولة".

وتبرز أزمة النفط العراقي في الوقت الراهن "أزمة ثقة بالدولة ومؤسساتها"، بحسب الباحث والمحلّل السياسي العراقي، المقيم في برلين، ميّار شحادة، مضيفاً لـ "حفريات"؛ أنّ المسألة لا تتعلق بوجود خلاف كرديّ عربيّ، لكنّ الأزمة في جوهرها وحقيقتها تأخذ شكلاً من أشكال عدم ثقة الشركات المستثمرة في الحفاظ على مشاريعها داخل العراق، وذلك بسبب تغوّل الطبقة السياسية الولائية والميليشيات الفوضوية المدعومة من أطراف خارجية داخل بغداد".

ميّار شحادة: الأمور في إقليم كردستان العراق أكثر استقراراً؛ لأنّ الأكراد حققوا نوعاً من الأمن والتوازن

ووفق شحادة؛ فإنّ الشركات الدولية المستثمرة ترى أنّ أيّ عرض مغرٍ لتنمية أيّ قطاع في العراق أضحى "مرهوناً برضا الطرف الإيراني وقبوله، ويتطلّب دفع أموال سائلة بدون أيّ شيء يمكن تحقيقه وإنجازه عملياً على الأرض، ولذلك؛ فإنّ المستثمرين سيهربون، ولنا مثال في الولايات المتحدة التي لم تستطع تقديم النفع المتبادل في ملفّ الطاقة نتيجة عدم الاستقرار في العراق".

ويتابع: "الأمور في إقليم كردستان العراق أكثر استقراراً؛ لأنّ الأكراد حققوا نوعاً من الأمن والتوازن، ومع ذلك يتعرّض الإقليم لهجمات إيرانية وتركية متكرّرة في ظلّ غياب تامّ لأيّ ردّ فعل من بغداد، وهذا نذير شؤم لفكرة الحكومة الاتحادية. من هنا؛ سيبقى ملفّ الطاقة مرهوناً بيد طهران، الأمر الذي يتطلّب حكومة عراقية صاحبة قرار مستقلّ وجادّ حتى يصبح ملفّ النفط له نتائج إيجابية على الأطراف كافة".

معضلة إقليم كردستان             

وعبر الموقع الرسمي لحكومة الإقليم تمّ نفي "جميع الادّعاءات والإشاعات التي تزعم أنّ حكومة الإقليم، وبدعم من قوّة مسلحة قد احتلّت واستولت على عدة حقول نفطية في مناطق (باي حسن) و(داودكوركي) التابعة لشركة نفط الشمال (التابعة للحكومة المركزية ببغداد) في كركوك".

وتابعت: "الثروة العامة، بموجب الدستور العراقي، هي ملك لجميع العراقيين، وليست ملكاً لشركة، وأنّ شركة نفط الشمال تعمل، منذ سنوات، في ظلّ قانون النفط والغاز منتهكة بذلك الدستور، وإذا كانت حريصة على حلّ المشاكل، فلا بدّ من تشريع قانون النفط والغاز على أساس الدستور".
واللافت أنّ تنامي الصراع بين حكومتي بغداد وأربيل، يتزامن وأزمة الطاقة العالمية المتسببة فيها الحرب الروسية الأوكرانية، وقد ألمح ممثل عمدة مدينة لندن، مايور السير ديفيد، على هامش مؤتمر الأعمال العراقي البريطاني في العاصمة البريطانية، إلى أنّ "النفط العراقي يعدّ في الوقت الحالي أكثر أهمية، في ظلّ أزمة الطاقة التي تشهدها دول العالم بسبب العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا".

المحلل السياسي العراقي، ميّار شحادة لـ "حفريات": سيبقى ملفّ الطاقة مرهوناً بيد طهران، الأمر الذي يتطلّب حكومة عراقية صاحبة قرار مستقلّ وجادّ

المؤتمر الذي انعقد، قبل أيام، في العاصمة البريطانية لندن، بينما حضره العديد من المسؤولين الحكوميين، إضافة إلى ممثلين عن المصارف الخاصة العراقية والبريطانية، تابع خطة الحكومة العراقية للنهوض بالاقتصاد، كما ناقش "الورقة البيضاء" التي تعدّ الخطة الأولية باتجاه التطوير والاستثمار.

وعرج عضو مجلس الأعمال العراقي البريطاني، إيما نيكلسون، على الدور الذي تقوم به بريطانيا لجهة مساعدة العراق في مجالات الاستثمار المختلفة، وتأمين بيئة تتهيأ فيها فرص التنمية، لافتاً إلى أهمية الاجتماعات التي جرت بين رجال الأعمال البريطانيين والعراقيين والخبراء والمستشارين الدبلوماسيين والسياسيين لتعزيز العلاقات وفتح آفاق جديدة من التعاون بين البلدين.

وفي حديثه لـ "حفريات"، يوضح الباحث في العلوم السياسية، الدكتور عبد السلام القصاص؛ أنّ المناطق التي جرى اتّهام حكومة الإقليم بأنّها استولت عليها، بينما تقع فيها حقول النفط، كانت، بالفعل، تحت سيطرة البيشمركة، عام 2014، بعد هزيمة الجيش العراقي أمام تنظيم داعش الإرهابي، الأمر الذي ساهم في تفادي سيطرة التنظيم الإرهابي على حقول النفط، غير أنّ القوات العراقية نجحت في استعادة سيطرتها على تلك المناطق الحيوية والإستراتيجية، بعد قرابة ثلاثة أعوام (2017)، وذلك في ردّ فوريّ ومباشر على الاستفتاء الذي صوّت فيه الأكراد بالأغلبية على انفصال الإقليم.

وتصاعدت الأزمة، مؤخراً، عندما رفض رئيس حكومة إقليم كردستان العراق الامتثال لقرار وحكم المحكمة الاتحادية، وفق القصاص، مشيراً إلى أنّ "وزارة النفط العراقية قد طالبت الشركات الدولية في الإقليم بمراجعة عقودها، وذلك باعتبار أنّ النفط يخضع للحكومة المركزية. وبغداد تعتمد في موقفها على قرار المحكمة، الذي يعود لعام 2007، بينما ينصّ على عدم دستورية القانون الكردي، الذي يجعل اختصاص النفط والغاز في الإقليم في قبضة الحكومة الاتحادية".

ويلفت القصاص إلى أنّ الأزمة العالمية بين كييف وموسكو، والمتسبّبة في ارتفاع أسعار النفط، بعد أن تمّ حظر النفط الروسي من قبل أوروبا والولايات المتحدة، تفرض منافسة محتدمة داخل العراق، كما في خارجه، على ملفّ الغاز والطاقة، خاصة أنّ العراق يعدّ ثاني أكبر منتج للنفط الخام، بمعدل 4.5 مليون برميل يومياً، فضلاً عن كونه ثالث أكبر مصدّر للنفط، بحسب بيانات رسمية من وزارة النفط، كما أنّ أربيل تمتلك، هي الأخرى، فائضاً هائلاً من النفط، وتقوم بتصديره للخارج بقيمة عشرة مليار دولار سنوياً.

مواضيع ذات صلة:

إيران: التهديد لإسرائيل والضرب للأكراد

العراق: هل يرتّب الأكراد فوضى البيت الشيعي؟

جفاف وأمراض منقولة.. فصائل أنقرة تحارب أكراد سوريا بمياه الشرب



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية