العراق: هل يرتّب الأكراد فوضى البيت الشيعي؟

العراق: هل يرتّب الأكراد فوضى البيت الشيعي؟


02/02/2022

بتغريدةٍ يكتنفها الغموض، جاءَ ردُ زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، على المبادرة السياسية التي أطلقها زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، للملمةِ فوضى البيت السياسي الشيعي، بناءً على مطلبٍ إيراني؛ إذ يحاول الصدر بما يمتلك من قوةٍ جماهيرية، ورصيدٍ نيابيٍّ كبير، أن يتلاعبَ بخريطةِ تشكيل الحكومة العراقية المرتقبة، وسط شدٍّ وجذبٍ مع خصومهِ داخل المكوّن الشيعي، وبالأخص رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، الذي بات محصوراً في زاويةٍ حرجة، يحاول الإيرانيون إنقاذهُ منها بشتى الوسائل عبر الحلفاء والأصدقاء في الداخل العراقي.

اقرأ أيضاً: العراق: هل يُحيي "داعش" الخطاب الراديكالي للفصائل الشيعية؟
وتأتي المبادرة البارزانية بناءً على مخرجات اللقاء الذي جمعَ قائد فيلق القدس الإيراني، إسماعيل قاآني، وزعيم الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، الأحد الماضي، في مدينة أربيل، في زيارة ثانية، في أقلّ من أسبوعين للجنرال قآاني إلى العراق، وذلك بعد فشل زيارتهِ الأولى لمدينة النجف ولقاء الصدر. 

مسعود حيدر مستشار زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني

ورحّب الصدر، بعيدَ انتهاء اجتماعهِ بالوسطاء من حلفائهِ الجدد، بـ "الحوار مع المعارضة الوطنية"، وهو تعبيرٌ مُلغز؛ إزاء موافقتهِ على مشاركة "الإطار التنسيقي" الذي يضمُّ المالكي من عدمه، كما أنّهُ وجه إدانة شبه مبطنة لذات القوى، حينما طالبَ بإيقافِ "الإرهاب والعنف ضدّ الشعب والشركاء، فما نزال مع تشكيل حكومة أغلبية وطنية". 

ترى إيران أنّ قبولَ الصدر بمشاركة "الإطار التنسيقي" دون ائتلاف المالكي، يمكن أن يحجمَ دور قواها الولائية الخاسرة؛ إذ يمتلك ائتلاف دولة القانون نصف المقاعد داخل الإطار

وشهدت مدينة النجف، ومقار زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، أول من أمس الاثنين، اجتماعاً كبيراً، ضمّ كلّاً من رئيس إقليم كردستان نجيرفان بارزاني، ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وزعيم تحالف السيادة خميس الخنجر. 

الحلفاء الثلاثة في ضيافة الحنانة
ومنذ تصدّر الكتلة الصدرية لنتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة "73 مقعداً"، باتَ الرأي العام، يترقبُ أيَّ حراكٍ سياسيٍّ تشهدهُ منطقة الحنانة النجفية، مقار الزعيم الصدري الشاب، والذي يستقبلُ فيهِ مختلف الزعامات السياسية، وآخرها الوسطاء الثلاثة من حلفائهِ داخل المكونين الكردي والسنّي. 
ويبدو أنّ بارزاني والخنجر والحلبوسي، كانوا ناقلي رسائل أكثر من مفاوضينَ لصالح المحور الإيراني، ولا سيما أنّ رئيس البرلمان محمد الحلبوسي تناغمَ مع موقفِ الصدر، في الدعوةِ لحكومةِ أغلبيةٍ وطنية "لا شرقية ولا غربية"، وهي إشارة إلى الارتياح السياسي للتحالف الثلاثي القائم بينهم.

اقرأ أيضاً: السعودية تدعم محاولات العراق للإفلات من قبضة إيران.. ما الجديد؟

ويقول مسعود حيدر، مستشار رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، إنّ مبادرة رئيسهِ مسعود بارزاني: "جاء بطلبٍ من الجانب الإيراني، فضلاً عن الإطار التنسيقي، حينما زارَ القيادي هادي العامري في وقتٍ سابق مدينة أربيل". ويضيف لـ "حفريات": بارزاني "هو من اختار توقيت هذه المبادرة في الوقت الحالي". 

مسعود بارزاني يستجيب لطلب الجنرال الإيراني اسماعيل قاآني بطرح مبادرة لإحتواء البيت السياسي الشيعي

وأكّد أنّ "المبادرة هدفها إزالة العقبات الموجودة في العملية السياسية، وفكّ العقدَ الحالية بين الأطراف المتناكفة، وبعث رسالة للشعب العراقي بأننا نفكر ونعمل كعراقيين، ورؤيتنا هي لكلّ العراقيين، دون أيّة مسميات طائفية وقومية؛ لأنّ الهمّ العام هو همّ جميع المكونات".

محاولات قاآني الأخيرة
وبعيد فشل زيارتهِ لمدينة النجف، توجّه قائد فيلق القدس الإيراني، إسماعيل قاآني، الأحد الماضي، صوبَ مدينة أربيل، للقاء الزعيم الكردي مسعود بارزاني، لعلَّ في تدخّلِ الأخير، مسعىً لحلحلةِ العقدةِ السياسية بين الزعيمين الشيعييَّن مقتدى الصدر، ونوري المالكي. 

وتحاولُ إيران أن تتجاوز عقبة التيار الصدري المتمرد على قراراتها، عبر محاصرتهِ من قبلِ عدةِ أطرافٍ سياسية حليفةٍ لها إلى وقتٍ قريب، لكنّها فوجئت بواقعها الجديد، بعد اغتيال الجنرال قاسم سليماني، بضربة أمريكية، في كانون الثاني (يناير) عام 2020، وانفراط عقد تحالفاتها مع زعاماتٍ سنيّة، أصبحت اليوم في تحالفٍ عملي مع الصدر. 

المحلل السياسي مناف الموسوي، لـ "حفريات": مطلب حكومة الأغلبية الوطنية ليس مطلباً حزبياً، إنما هو مشروع وطني، والعامل الخارجي في العراق بدأ ينحسر إلا على الإطار التنسيقي


وتشيرُ التسريبات إلى أنّ محادثات أربيل، تضمّنت طلبينِ إيرانييَّن، أحدهما جوبهِ برفضٍ قاطع، وهو طلب سحب الحزب الديمقراطي مرشحهُ لرئاسة الجمهورية، مقابل دعم مرشح الاتحاد الوطني الكردستاني، الرئيس الحالي برهم صالح، وثانيهما، طرح مبادرة سياسية من قبل بارزاني لرفع "الفيتو" الصدري عن مشاركة المالكي في التشكيلة الحكومة القادمة.
وترى إيران؛ أنّ قبولَ الصدر بمشاركة "الإطار التنسيقي" دون ائتلاف المالكي، يمكن أن يحجّمَ دور قواها الولائية الخاسرة؛ إذ يمتلك ائتلاف دولة القانون نصف المقاعد داخل الإطار؛ لذا تأتي مشاركة المالكي كضمانةٍ وحصانةٍ للتوافقات في حالِ انقلابِ الصدر عليها. 

انحسار العامل الخارجي 
ويخشى رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، من انفرادِ الصدريينَ بالسلطة التنفيذية المرتقبة، والذهاب إلى تصفية الحسابات السياسية معه، ومحاسبته على الأداء الحكومي أيام عهدهِ الذي شهدَ سقوط ثلث العراق بيد تنظيم "داعش" الإرهابي، علماً بأنّ مختلف الحكومات الثلاث التي جاءت بعد حكومة المالكي (2010-2014)، كانت تعطي الضمان بعدم محاسبة الأخير، مقابل موافقة طهران، ومرورها في البرلمان. 

اقرأ أيضاً: من المسرح إلى الرياضة... هكذا يحاول الحشد الشعبي العراقي تجميل صورته

وما يزال زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي انكسرَ جناحهُ المسلح "جيش المهدي" في حربهِ أمام القوات الأمنية في عهدِ الحكومة الأولى لنوري المالكي (2006-2010)، يوجهُ اتهاماتٍ بـ "الفساد المالي"، لرئيس الوزراء الأسبق، وضياع نحو "450 مليون دولار"، أثناء فترة حكومتيه.
ويحاول الصدر أن يخفي النزعة الثأرية من غريمهِ السياسي الشيعي، عبر تبني مقترح "حكومة الأغلبية الوطنية"، التي يشكّلها الفائز الأول في الانتخابات التشريعية، مع حلفاء فائزين من الكرد، والعرب السنّة.

المحلل السياسي مناف الموسوي: مطلب حكومة الأغلبية الوطنية، ليس مطلباً حزبياً، إنما هو مشروع وطني
لكن الباحث السياسي المقرّب من التيار الصدري، مناف الموسوي، يرى أنّ "مطلب حكومة الأغلبية الوطنية، ليس مطلباً حزبياً، إنما هو مشروع وطني، ونحنُ في حاجة إلى إرادة وطنية حقيقية في المرحلة القادمة". 
ويؤكد لـ "حفريات"، أنّ "العامل الخارجي في العراق، بدأ ينحسر، رغم أنّ وجوده ما يزال ضاغطاً على قوى الإطار التنسيقي".

فعاليات صواريخ "الكاتيوشا"
وتعدّدت الاستهدافات بصواريخ "الكاتيوشا"، التي بدأت بمقرات حلفاء التيار الصدري، من الزعامات السنّية والكردية، ولم تنتهِ عند المنشآت العامة، التي كان آخرها مطار بغداد الدولي، الذي استُهدفَ، يوم الجمعة الماضية، بعدة صواريخ، من منطقةٍ يسيطر عليها فصيل شيعي مسلّح. 

وأعلنت خلية الإعلام الأمني، التوصل إلى "خيوط مهمة"، بشأن قصف مطار بغداد الدولي، مؤخراً.  وذكرتْ أنّ "عصابات اللادولة الإرهابية، أقدمت على استهداف مطار بغداد الدولي، بستة صواريخ نوع كاتيوشا، مما أدّى إلى أضرار بطائرتين كانتا جاثمتين على المدرج".

اقرأ أيضاً: بانوراما عراقية: هكذا مرّ 2021 على بلاد الرافدين

وأضافت :"فور حصول هذا العمل الإرهابي شرعت الأجهزة الأمنية والاستخبارية بإجراءاتها، وعثرت على 3 صواريخ داخل منصة للإطلاق في قضاءِ ابو غريب، قرب أحد المنازل، وتمكّنت مفارز المعالجة من إبطال مفعولها، كما تمّ التوصل إلى خيوط مهمة عن الجناة للقبض عليهم، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقهم وتقديمهم للعدالة".
وعقب ساعات من الهجوم على مطار بغداد الدولي، أعلنت شركة الخطوط الجوية الكويتية أنّها ستعلّق رحلاتها إلى العراق مؤقتاً، بسبب "الأوضاع الراهنة".
ووفق تغريدة للشركة عبر تويتر؛ فإنّ "تعليق الرحلات جاء بناءً على التعليمات الصادرة من الإدارة العامة للطيران المدني الكويتي، نظراً للأوضاع في الجمهورية العراقية".
 
 إشارة لفعل "الفصائل الولائية" 

وألمحَ بيانُ خلية الإعلام الأمني العراقية إلى أنّ مطلقي الصواريخ نحو المنشآت العامة، هي جماعات "اللا دولة"، في إشارة إلى الفصائل المسلحة الموالية لإيران؛ إذ شاعَ هذا الاصطلاح منذ مجيء حكومة مصطفى الكاظمي، في مختلف وسائل الإعلام، الداخلية والخارجية. 

مقتدى الصدر يصرّ على إقصاء نوري المالكي من المشاركة في الحكومة المقبلة

وكان موقف التحالف الدولي لمكافحة "داعش"، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية مطابقاً لموقف السلطات الأمنية في العراق. 
وقالَ التحالفُ في بيانٍ له: "الميليشيات الخارجة عن القانون، للمرة الثانية هذا الشهر، تهدّد وتقصف مطار بغداد الدولي"، موضحاً أنّ "الصواريخ جميعها وقعت في منطقة المدرج ومناطق قريبة من الجانب المدني".

اقرأ أيضاً: هل غيّرت إيران استراتيجيتها في العراق؟

ولفت التحالف الدولي في بيانهِ إلى أنّه "تمّ تفعيل نظام منع الصواريخ للدفاع الجوي العراقي في المطار، واستطاع أن يوقفَ عدداً من الصواريخ".
ويعدّ الهجوم الأخير رقم 12 منذ بداية العام الحالي، ضدّ المطار والقواعد العسكرية ومقرات حزبية ومنازل لسياسيين.
واستخدم في هذه الهجمات 20 صاروخاً، من بينها 3 صواريخ سقطت نهاية الأسبوع الماضي، على مقربة من منزل رئيس البرلمان، محمد الحلبوسي، في شمال شرقي الفلوجة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية