إيران تتحدى العقوبات وتحتال على واشنطن بنظام مصرفي "سرّي"

إيران تتحدى العقوبات وتحتال على واشنطن بنظام مصرفي "سرّي"


24/03/2022

يتطلّع المنخرطون في المفاوضات النووية بفيينا إلى حدوث انفراجة للتوقيع على الصيغة النهائية للاتفاق، كما تحاول طهران رفع العقوبات الأمريكية المفروضة عليها. وتم الكشف، مؤخراً، عن نظام مالي سري، يستخدمه نظام الملالي بغية الالتفاف على العقوبات، وقد أوضحت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية؛ أنّ هناك نظاماً مصرفياً ومالياً "سرياً" خاص بإيران، يسمح لها بالتعامل مع عشرات المليارات من الدولارات من التجارة السنوية المحظورة على خلفية العقوبات الأمريكية؛ إذ إنّ هناك قرابة 61 حساباً في 28 بنكاً أجنبياً، في الصين وتركيا وهونغ كونغ وسنغافورة، تعمل بالوكالة لحساب شركات إيرانية.

سياسة طهران للالتفاف على العقوبات

واللافت في الوثائق التي انفردت بها الصحيفة الأمريكية، والتي أتاحت معلومات جمّة حول النظام المالي السري الإيراني؛ أنّ هذه الحيلة الإيرانية نجحت في تخفيف الكثير من الحصار الاقتصادي، بل إنّها منحت طهران بطاقة ضغط قوية أثناء مفاوضات فيينا، وقد أشارت الوثائق إلى أنّ النظام المصرفي السري وصل لدرجة من القوة يدفع الحكومة الإيرانية أن يكون "جزءاً دائماً" من اقتصادها الوطني.

وبالتزامن مع تسريب هذه المعلومات والوثائق، قال زعيم الجمهوريين في مجلس النواب الأمريكي، كيفين مكارثي؛ إنّ واشنطن لا تحصل على فائدة من إحياء خطة العمل المشتركة، بينما أكّد، في تغريدة على حسابه الرسمي في "تويتر"؛ أنه لا توجد ضمانات لتوقّف إرهاب إيران. وتابع: "نظام جديد للتحقق مما إذا كان النظام الإيراني يمارس الخداع".

انتشر خبر مفاده امتلاك أبناء أمين لجنة الأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، العديد من ناقلات النفط، مما أثار ضجة، فرد شمخاني: "ما نقوم به هو من أجل إيران"

واصطف مع الموقف ذاته عضو مجلس الشيوخ الأمريكي، السيناتور رون جونسون، والذي حذر من تداعيات العودة إلى الاتفاق النووي في ظلّ غياب ضمانات لوقف سلوك "النظام الإرهابي" الإيراني، ووصف الأخير بأنّه "نظام شرير يسير نحو الحصول على القنبلة النووية"، كما شدّد على "ضعف" الرئيس جو بايدن والذي قد تكون له "تداعيات خطيرة".

الفساد المؤسسي في طهران

وفي لقاء مع قناة "فوكس نيوز" الأمريكية، ذكر أنّه "على الرغم من عودة إدارة بايدن إلى إيران للانخراط في هذه الصفقة النووية الرهيبة، رفض الإيرانيون مقابلة الأمريكيين؛ لذا خمنوا من الذي يتفاوض على اتفاقية إيران الجديدة نيابة عن الولايات المتحدة: روسيا والصين تفعلان ذلك".

وتابع: "ما نسمعه عن هذه الاتفاقية أنّها فظيعة، وأسوأ بكثير من الاتفاقية السابقة، وسيتم تسليم مليارات الدولارات على ما يبدو إلى محتجزي الرهائن، الأمر الذي سيؤدي فقط إلى احتجاز المزيد من الرهائن في جميع أنحاء العالم. إنّ رفع العقوبات عن الإرهابيين لن يمنع إيران من التحول إلى دولة نووية في نهاية المطاف".

 

اقرأ أيضاً: توجيهات خامنئي للإطار التنسيقي.. هل تشعل العراق؟

وواصل جونسون: "أشكّ في أنّ الصفقة ستؤخر حصول إيران على القنبلة النووية، لأنّني ببساطة لا أؤمن بفعالية عمليات التفتيش التي سيتمّ إجراؤها".

 

اقرأ أيضاً: انتهاكات كبيرة تطال البهائيين... تحويل أموالهم وممتلكاتهم إلى مؤسسة تابعة للخامنئي

وأكد أنّ "النظام الإيراني يسير نحو القوة النووية"، وتابع: "هذا نظام شرير.. إمبراطورية شريرة.. ونحن في حاجة إلى التعامل معهم بقوة، وليس بالضعف البشع الذي تمارسه إدارة بايدن مع إيران الآن".

 

اقرأ أيضاً: الحرس الثوري الإيراني: منشآتنا النووية محصنة

إذاً؛ وجود قنوات للالتفاف على العقوبات الأمريكية أمر يمكن العثور على آثاره بسهولة على أرض الواقع، بحسب الباحث الاقتصادي المتخصص في الشأن الإيراني، أحمد أبو ريم، الذي قال لـ "حفريات"؛ إنّه على الرغم مما تكبدته إيران من خسائر هائلة في اقتصادها، والتي يمكن ملاحظته في تدهور عملتها المحلية أمام الدولار، والتضخم غير المسبوق، والغلاء الفاحش في البلاد، وتدني نسبة الرضا الشعبي عن الحكومة، إلا أنّ العقوبات لم تفعل بإيران ما فعلته بالعراق، على سبيل المثال، وذلك لأنّ الأولى استطاعت تخفيف ضغط العقوبات من خلال إيجاد قنوات مالية غير رسمية وسرية، للتحايل على العقوبات، ثم تدشين شركات أهلية تعمل لحسابها بالوكالة، فضلاً عن عمليات غسيل الأموال.

وقبل فترة وجيزة، انتشر خبر في إيران مفاده امتلاك أبناء أمين لجنة الأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، العديد من ناقلات النفط، بحسب أبو ريم، مما أثار ضجة شعبية، وعُدَّ الأمر دليلاً على فساد المسؤولين في إيران، غير أنّ شمخاني ردّ على الانتقادات اللاذعة بقوله: "ما نقوم به هو من أجل إيران؛ فالمال العام في البلاد انتقل من الحسابات الرسمية إلى حسابات المسؤولين، والمقربين من النظام، ما جعل رصد تنقلاته صعباً للغاية".

الشبكات جزء من الاقتصاد الرسمي

ووفق الباحث الاقتصادي المتخصص في الشأن الإيراني؛ فإنّ ما كشفته وسائل الإعلام بخصوص النظام المصرفي والمالي السرّي لا يفضح كلّ حيل النظام في طهران، وهي كثيرة. ويردف: "تتبنى الحكومة الإيرانية، بصورة متكررة وتقليدية، هذه السياسية للالتفاف على العقوبات الأممية، والتي من المتوقع أن تحتفظ بها واشنطن حتى بعد التوصل إلى اتفاق نووي، تحسباً لأيّ طارئ أو لو تراجعت عن الاتفاق".

 

اقرأ أيضاً: فضيحة من العيار الثقيل... فساد يحيط بشخصيات إيرانية موالية لخامنئي منهم سليماني

ومن جانبه، يقول الباحث المصري في قضايا الأمن الإقليمي، محمد فوزي إنّ فلسفة النظام الإيراني فيما يتعلق بتأسيس نظام مالي سرّي تقوم على جعل هذا النظام جزءاً دائماً من الاقتصاد الرسمي، بل واعتباره بمثابة اقتصاد موازٍ يضمن لإيران، من جانب، التهرب من العقوبات الاقتصادية الغربية الكبيرة، وما يترتب عليها من تداعيات سلبية اقتصادية واجتماعية، ومن جانب آخر حماية معاملاتها المالية وشركاتها من الرقابة الأجنبية، الأمر الذي يمثل في مجمله "عملية غسيل أموال حكومية إيرانية".

ويبدو أنّ هذا النظام المالي السري مكّن طهران من التحايل على حظر التجارة والتمويل، بحسب فوزي في حديثه لـ "حفريات"، وكذا كسب الوقت لمقاومة الضغوط والحصار الغربي، ثم المضي قدماً في البرنامج النووي الإيراني، على الرغم من المفاوضات الجارية في فيينا، والاستمرار في التحركات الخارجية والمشروع الإقليمي؛ لأنّ الحصار والعقوبات الاقتصادية، المفروضة على إيران منذ أكثر من أربعة عقود، بطبيعة الحال، يمثّل أكبر العوائق أمام استمرار إيران في مشاريعها الإقليمية.

الباحث المصري محمد فوزي لـ "حفريات": فلسفة النظام الإيراني بخصوص تأسيس نظام مالي سرّي تقوم على جعل هذا النظام جزءاً دائماً من الاقتصاد الرسمي

ويردف: "النظام الإيراني بات يعتمد هذه الآلية كمدخل للهروب من العقوبات والحصار الاقتصادي، بشكل كبير، وهو ما تجسد فيما حدث أثناء مراجعة البرلمان الإيراني لموازنة العام المقبل؛ إذ أسند البرلمان الإيراني مسؤولية النفط الخام للحرس الثوري الإيراني، وهو ما يعكس رغبة النظام الإيراني في الاعتماد على الحرس الثوري من أجل توظيف هذا القطاع والاستفادة منه، وذلك بما يخدم على الاحتياجات العسكرية لإيران، ومشروعها الإقليمي، وهو أمر يدفع باتجاه انتشار الفساد".

 

اقرأ أيضاً: إيران والنووي واللص الذي أدمن السرقة

لكن في المقابل، قد يدفع  هذا النهج باتجاه تبني الدول الغربية لمقاربات جديدة تقوم على حصر الشركات والأصول والأشخاص والحسابات التي تُخدم على النظام المالي السري لإيران، والبدء في معاقبتها وحصارها، وذلك بما يضيق الخناق على إيران، ويزيد من الحصار والقيود المفروضة عليها، بحسب الباحث المصري في قضايا الأمن الإقليمي.

 ويختم: "التحدي الأبرز أمام تبني هذه المقاربة الجديدة هو عدم معرفة ورصد الدوائر الغربية، بشكل واضح، لهذه الشركات والأشخاص، فضلاً عن الضغوط التي تمارسها إيران على المستوى الإقليمي للدفع باتجاه الوصول إلى صيغة نهائية لإحياء الاتفاق النووي مع الغرب بشكل عاجل، وفق شروطها الجديدة، فضلاً عن تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على المستوى الطاقوي، والتي قد تدفع بعض الدول الغربية إلى المسارعة بالوصول إلى اتفاق مع إيران، من أجل الاستفادة من مواردها كبديل لروسيا".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية