إيران بين خيلائها المهزوم وضجيج أتباعها

إيران بين خيلائها المهزوم وضجيج أتباعها


07/01/2020

فاروق يوسف

من الصعب على إيران أن تعترف أنها هُزمت في واحدة من جولات حربها مع الولايات المتحدة. لقد انمحى الرقم الصعب بمقتل سليماني. اما تعويضه بضابط آخر فهو أمر لا يعني شيئا في ظل خوف الفرقاء العراقيين من إمكانية أن لا يجمع بينهم رجل قوي بعد الآن.

تتمنى إيران لو انتهت الحفلة بأسرع ما يُمكن. فالرجل الذي كانت تعتمد عليه في تأسيس وإدارة امبراطوريتها في العالم العربي قد وري التراب قبل أن ترى تلك الامبراطورية النور، بل هناك الكثير من الوقائع التي يتضاءل معها الأمل بقيامها.

من المؤكد أن خامنئي يشعر بالأسى. لأنه الوحيد الذي يعرف قيمة ما كان سليماني يفعله. كما أنه يدرك أن أثرا من سليماني لن يبقى. فزعيم عصابة متمرس ومتسلط وشرس ومضلل من نوع سليماني سيكون التخلص من خيلائه المتواضع أمرا محمودا بالنسبة للعديد من أتباعه.

لقد انتهى دوره كما تنتهي أدوار آخرين عند نقطة معينة. ذلك ما يمكن أن يُقال عنه بما أنه غادر الحياة. ولكن الواقع لا يؤكد ذلك. هناك شبكة من الأتباع كان سليماني يديرها بدقة سيكون من الصعب أن يديرها أحد غيره. لذلك فإن مكانه سيكون فارغا.

ذلك الفراغ سيضر بمكانة إيران ومصداقيتها وقدرتها على جمع حلفائها الموزعين سياسيا وإن طغى عليهم الهلع الطائفي. بهذا المعنى فإن أدوات المشروع الإيراني مهددة بالتفكك في ظل ضغوط أميركية مرشحة لأن تتصاعد في المرحلة القادمة بعد أن اجتاز الطرفان حدود قواعد الاشتباك الترويضي التي كانت معتمدة.

فبعد أن هاجم اتباع إيران في العراق السفارة الأميركية وبعد أن قامت الولايات المتحدة بقتل سليماني فإن كل شيء صار محتمل الوقوع، بما فيها الحرب الشاملة التي لا يتمنى أحد وقوعها لأنها قد تلحق الضرر بالمنطقة ناهيك عن أنها ستؤذي الشعوب الإيرانية.

ولكن إيران مثلما يُعرف عنها غير مستعدة للدخول في حرب من ذلك النوع. فهي وإن اكتفت بالمسيرات الشعبية التي تنادي بالموت لأميركا وإسرائيل كانت تسعى إلى استفزاز الطرفين من خلال ميليشياتها الموزرعة على البلدان التي صار لها موطئ قدم فيها، سوريا والعراق ولبنان واليمن.

عن طريق اللعب بالوكالة كانت تضمن سلامتها وتبعد عن أراضيها وسمائها النيران المعادية. وهو ما نجحت فيه حتى اللحظة التي قامت احدى ميليشياتها في العراق بقتل متعهد أميركي في قاعدة أميركية. وهو ما حذرت من وقوعه الإدارة الأميركية وكانت صريحة حين أكدت أن ذلك الحدث سيؤدي إلى تداعيات ستؤدي إلى نقل الصراع إلى مرحلة أخرى.

لذلك سارعت الولايات المتحدة بالقيام بضرب قواعد لميليشيا كتائب حزب الله المتهمة بقصف القاعدة الأميركية. وهو ما سبب نوعا من الهستيريا لدى إيران ظهر بشكل جلي من خلال التصرف غير المسؤول الذي قامت به جماعات من الحشد الشعبي حين هاجمت السفارة الأميركية.

كان ذلك خطأً إيرانيا فادحا. لذلك كان الثمن فادحاً هو الآخر.

ذلك ما تدركه إيران جيدا وهي التي صارت لها خبرة كبيرة في خبايا السياسة العالمية بشكل عام والسياسة الأميركية بشكل خاص من خلال مفاوضات الاتفاق النووي العسيرة التي استمرت لسنوات.

كان من الممكن أن تستمر إيران في اللعب العبثي مع الولايات المتحدة ضمن حدود معينة، تبدو كما لو أنها بسبب العادة متفقا عليها بين الطرفين. ولكنها بخروجها الذي قد يكون غير مقصود هذه المرة قد جلبت لنفسها المتاعب التي ستجعلها تعيد النظر بجزء من سلوكها.

وبغض النظر عن ردود أفعالها الثانوية فإن إيران ستخرج لأول مرة مهزومة في صراعها الطويل مع الولايات المتحدة. ذلك لأنها ستكتفي بحروب اعلامية تحاول من خلالها عبور هذه اللحظة الحرجة في تاريخ نظامها.

عن "ميدل إيست أونلاين"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية