إيران إذ تهرب من العقوبات الأمريكية فتقع رهينة التنين الصيني

إيران إذ تهرب من العقوبات الأمريكية فتقع رهينة التنين الصيني


11/10/2020

تبرز الشراكة الإستراتيجية المتزايدة بين الصين وإيران، على المستويين السياسي والاقتصادي، وانعكاساتها على عدد من القضايا الدولية والإقليمية، حجم التنسيق والتفاهم الذي وصل لمستويات متقدمة، وغير مسبوقة، في ظلّ الصراع الجيو إستراتيجي الدولي، والمتّصل بعدد من المعضلات القائمة في السياسة الحالية، مثل الموقف من الاتفاق النووي، والعقوبات الأمريكية على طهران، وكذا سياسة "الضغط القصوى" التي تتبعها إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ثمّ التنافس الإقليمي بخصوص صعود بكين في عدد من المناطق، في آسيا والقوقاز والشرق الأوسط.

الاحتباس الإيراني والتمدّد الصيني

ومع انتشار فيروس كورونا، في مدينة ووهان بالصين، تلكّأت إيران في الالتزام بالإجراءات الوقائية؛ إذ ظلّت الرحلات الجوية بين البلدين تواصل عملها ونشاطها دونما توقف أو انقطاع. كما تجاهلت شركة الطيران "ماهان"، التابعة للحرس الثوري، قرار الرئيس الإيراني، حسن روحاني، الخاص بوقف جميع الرحلات الجوية، نهاية كانون الثاني (يناير) الماضي، وظلّت رحلاتها للصين قائمة، الأمر الذي يعكس حجم التغيرات التي فرضتها سياسة الولايات المتحدة على طهران، والدينامية السياسية الجديدة التي تعتمد عليها الأخيرة تحت وطأة هذه التأثيرات والضغوطات.

بلغت الاستثمارات الصينية في إيران، بين عامَي 2005 و 2019 أقل من 27 مليار دولار

وقد أسقط الفيروس التاجي مع جملة السياسات الأمريكية، التي استهدفت عزل وتهميش طهران، سياسياً وإقليمياً، المقولات التقليدية للجمهورية الإسلامية عن "اقتصاد المقاومة"، وكذا بعض المواقف الراديكالية التي حكمت في السابق علاقات تعاونها مع الخارج؛ حيث بدأت تبحث عن شركاء لتنويع مصادر تحالفاتها، لا سيما وقد أعلن البنك المركزي الإيراني عن حاجته لطلب "مليارات الدولارات من صندوق النقد الدولي".

وبحسب مركز دراسات البرلمان الإيراني؛ فإنّ الموازنة العامة تعاني من عجز بنحو 185 ألف مليار تومان، خلال العام الجاري، ما يعادل نحو 33% من حجمها.

الصّين حليف سياسي واقتصادي قوي بالنسبة إلى إيران؛ إذ إنّ لها ثقلها السياسي في مجلس الأمن، وثقلها الاقتصادي، باعتبارها أكبر شريك تجاري لها، خلال العقد الأخير

بلغت الاستثمارات الصينية في إيران، بين عامَي 2005 و2019، أقل من 27 مليار دولار؛ حيث شهدت العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين تراجعاً، منذ العام 2015، وذلك إثر انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، حسبما تشير بيانات الجمارك الصينية، ورغم ذلك "ظلّت الصين الشريك التجاري الوحيد الأكثر أهمية لطهران في قطاع النفط، وبقيت أيضاً العميل الوحيد لإيران في مجال غاز البترول المسال"، كما يوضح معهد واشنطن، مضيفاً: "خلال السنة المالية 2018-2019، احتلّ (اليوان) الصيني المرتبة الثانية بين كافة العملات المدعومة، التي خصّصها البنك المركزي الإيراني للمستوردين، في حين احتلّ اليورو المرتبة الأولى، وفي السنوات الأخيرة؛ احتكرت البضائع الصينية الرخيصة الأسواق الإيرانية، بسبب تجارة المقايضة التي سبّبتها العقوبات، ما أدّى إلى تخفيف الاحتياجات المحلية للمستهلكين، إن لم يكن إرضاءها".

طريق الحرير

وفي حديثه لـ "حفريات"، يشير الباحث الاقتصادي في المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، أحمد شمس الدين ليلة، إلى أنّ العلاقات الصينية الإيرانية قديمة للغاية، رسّخها تبادل المصالح الاقتصادية عبر طريق الحرير، قبل نحو ألفي عام، وحديثاً، تلعب الأسباب القديمة والتاريخية نفس دورها وفعاليتها، علاوة على خدمة المصالح السياسية لكلا البلدين، خاصّة دور الصين في الانتشار الدولي، ومنازعة الولايات المتحدة في بسط نفوذها العالمي، ناهيك عن الوصول إلى أسواق الطاقة، من النفط والغاز، بمنطقة بحر قزوين عبر إيران.

ويردف: "تعدّ الصين حليفاً سياسياً واقتصادياً قوياً بالنسبة إلى إيران؛ إذ إنّ لها ثقلها السياسي في مجلس الأمن، وثقلها الاقتصادي، باعتبارها أكبر شريك تجاري لإيران، خلال العقد الأخير، حتى بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي. ولا يمكن إغفال أنّ الصين، مع روسيا، ستكونان أولى المستفيدين من رفع حظر السلاح عن إيران، وعقد صفقات أسلحة بالميارات".

اقرأ أيضاً: عقوبات أمريكية جديدة على إيران تستهدف هذا القطاع

في آب (أغسطس) الماضي، تصاعد الجدل حول الاتفاق الضخم والاستثنائي، بحسب مراقبين، بين بكين وطهران؛ حيث تصل مدة الشراكة بينهما لنحو 25 عاماً، وحجم الاستثمارات تبلغ ما يقرب من 400 مليار دولار، تهدف إلى تطوير ودعم قطاعات النفط والغاز والنقل الإيرانية؛ إذ أعلنت طهران، في 21 حزيران (يونيو) الماضي، عن مسودة مشروع "برنامج التعاون الشامل مع الصين لمدة 25 عاماً"، وكلّف الرئيس الإيراني وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، بالتوقيع على الاتفاقية مع الجانب الصيني بعد المفاوضات النهائية.

هل تغيّرت سياسة التحالفات الإيرانية؟

وإلى ذلك، يشير الباحث العراقي، المتخصص في الشأن الإيراني، خالد المسالمة، إلى أنّ بعض الأطراف داخل نظام الملالي، بدأت تطرح فكرة تغيير تحالفات طهران الإستراتيجية، والتوجّه نحو عقد صفقات عسكرية واقتصادية مع روسيا والصين، خاصّة أنّ الأخيرة تعدّ من بين الدولة الصاعدة، بشكل متسارع، اقتصادياً، ويضيف: "توافق ذلك مع حقيقة توسّع المشاريع الصينية العملاقة في أفريقيا، وفي عدد الدول الآسيوية، وأهمها مشروع الربط البحري والبري بين الصين وأوروبا، عبر سلسلة من الموانئ، في باكستان وعُمان، وفي بحر العرب، وكذلك استئجار بعض الموانئ والجزر (الأحوازية) الإيرانية، الواقعة في الخليج العربي".

توجد عقبات مصرفيّة تعوق زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين

وتابع: "بالنسبة إلى الصين؛ فإنّها تراقب ما يحدث في المنطقة، وأغلب الظنّ أنّهم لا يثقون في الموافقة الأولية الإيرانية على العرض الصيني، ويعتقدون أنّ هذه الموافقة تكتيكية للضغط على الإدارة الأمريكية، لجهة التنازل عن سياسة "الضغط القصوى" ضدّها، وتخفيف حدّة العقوبات الاقتصادية، وكذلك الاتفاق النووي مع إيران".

اقرأ أيضاً: خامنئي وروحاني والواقع الإيراني

قدمت الصين، عام 2016، مشروعاً استثمارياً متكاملاً لإيران، بلغ حجمه نحو 60 مليار دولار، يستمرّ خلال العقدين المقبلين، لجهة تدشين مشاريع كبرى، لصالح البنية التحتية الإيرانية، بحسب المسالمة، في حديثه لـ "حفريات"، وذلك "في مقابل تأمين الطاقة التي تحتاج إليها الصين، من بترول وغاز، من قبل إيران، وكذلك تملّك واستئجار عدد من الموانئ والجزر الإيرانية، في الخليج العربي، لفترات زمنية طويلة".

الباحث المتخصّص في الشأن الإيرانيّ، عبد الرؤوف الغنيمي: لـ"حفريات": الهدف المركزي للسياسة الخارجية الصينية، يتمثّل في الانتشار الدولي الهادئ، والتحوّل إلى نظام متعدّد الأقطاب

ولئن جاءت عدم موافقة حكومة الملالي على العرض الصيني، خشية استفزاز الولايات المتحدة، والدول الغربية، والذي ستكون له عواقب وخيمة على الدولة والنظام؛ فإنّ الباحث العراقي يلفت إلى أنّ "حكومة الملالي، وافقت قبل شهرين، على المشروع الصيني الأخير بخطوطه الأولية، وهذا بالطبع يخدم أهدافه الإستراتيجية، المتمثلة في فتح أسواق تجارية جديدة، وكسب شركاء إقليميين جدد، بيد أنّ بعض التجاذبات ما تزال في مرحلة جسّ النبض، بين الصين وإيران والولايات المتحدة، وعندما يصبح التحالف الصيني الإيراني، الاقتصادي والسياسي والعسكري، حقيقياً وواقعياً، سيكون هناك ردّ فعل من واشنطن والغرب".

الموقف الأمريكي من صعود بكين

ويتوقع المصدر ذاته؛ أن تتّجه واشنطن إلى إضعاف إيران، والسعي نحو تفكيكها على أساس قوميّ وعرقيّ، في حال مواصلة تهديد المصالح الأمريكية الغربية، ومن ثمّ إعادتها، من الناحية السياسية، للصورة التي كانت عليها، قبل الحرب العالمية الأولى، ووضعها في حجمها الحقيقي، لا سيما وقد هدّد وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، بهذا الشأن؛ حيث قال إنّ الولايات المتحدة تراقب عن كثب تواجد بكين في المنطقة، مؤكّداً أنّها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام التمدّد الصّيني الذي يهدّد مصالحها.

اقرأ أيضاً: كيف سعت إيران لمد أذرعها في أفريقيا؟

ومن جانبه، يرى الباحث المتخصّص في الشأن الإيرانيّ، عبد الرؤوف الغنيمي، أنّ الذي يجمع بين الصين وإيران أكبر بكثير من حدود التعاون في مجال الطاقة والتجارة؛ فالأمر مرتبط بالهدف المركزي للسياسة الخارجية الصينية، المتمثّل في الانتشار الدولي الهادئ، والتحوّل إلى نظام متعدّد الأقطاب، بما يفقد الولايات المتحدة هيمنتها على النظام العالمي.

بيد أنّ خيارات وأوراق الضغط الأمريكية تجاه الصّين لتقليص مستوى علاقاتها مع إيران محدودة التأثير، بحسب الغنيمي، في حديثه لـ "حفريات"؛ إذ إنّ "استخدامها حوافز سلبية ضدّ الشركات والتجارة الصينية بات غير مجدٍ، وآثاره محدودة، نظراً لقوة الصين الاقتصادية بتبوأها مرتبة ثاني اقتصاد في العالم، وبثقلها السياسي (حقّ الفيتو)، والعسكري (تقليص الفوارق في الإنفاق العسكري) في ميزان القوى الدولي، ومن ثمّ، فشلت الإدارات الأمريكية المتعاقبة في تشكيل نهج الصّين تجاه التعاطي مع الملفّ الإيراني، بما يخدم السياسات والعقوبات الأمريكية على إيران".

اقرأ أيضاً: أردوغان واستنساخ الأسلوب الإيراني والعداء للعرب

ويختتم بأنّ "التعاون التجاريّ الصينيّ الإيرانيّ، سيظلّ قائماً مستقبلاً، وربما يكون قابلاً للتطوير بشرط إيجاد آليات آمنة للتبادلات المالية بين البلدين؛ إذ توجد عقبات مصرفيّة تعوق زيادة حجم التبادل التجاري بينهما، إلا إذا نجحت الصين في إيجاد طرق بديلة لاستمرار العمل مع إيران عبرَ مجموعة من البنوك الصينية الصغيرة، ومن المحتمل ميل اتجاه العلاقات الاقتصادية لخدمة المصالح الصينية أكثر من المصالح الإيرانية، طالما بقيت العقوبات الاقتصادية الأمريكية قائمة، خاصة مع تزايد الدور الصيني داخل الاقتصاد الإيراني، ما سيخلق نوعاً من الهيمنة والتأثير على صنع القرار الإيراني".

الصفحة الرئيسية