إنهم محبطون منذ عقود سيادة الرئيس

إنهم محبطون منذ عقود سيادة الرئيس


27/12/2018

فاروق يوسف

لا يحتاج الشعب السوداني إلى مَن ينصحه بتفادي الاستسلام للإحباط.

إنه محبط منذ عقود.

ما لا يُفهم حقا لمَ وكيف أرجأ الشعب التعبير عن شعوره بالإحباط كل هذا الزمن. بالتأكيد كان لألعاب الإخوان المسلمين ومكرهم التأثير الأكبر في وقوع الشعب في فخ التلفت بين أهل الحكم وأهل المعارضة من غير أن ينتبه إلى الطرفين هما من النوع نفسه.

كانت لعبة مُحكمة وقع ضحيةً لها الشعب الذي تم تجهيله وترقيع ثقافته الشعبية بالخلافات الملفقة التي أجاد الطرفان تقنية تحديثها حسب الظروف.

كانت شخصية الزعيم الاخواني حسن الترابي مثالا نموذجيا للنفاق السياسي. إن كان في الحكم أو في المعارضة فإن الرجل كان ماهرا في فذلكاته اللغوية التي لا يخرج المرء منها بنتيجة ملموسة. ما من شيء في ما كان يقوله يمت إلى الحقيقة بصلة. ولم يكن الزعيم الديني يقتات على السياسة بل كانت الممارسة السياسية بالطريقة التي تناسبه جزءا من عقيدته الدينية. وهو ما تعلمه منه الرئيس السوداني عمر حسن البشير وهو تلميذه الذي سجنه لسنوات.

نصيحة الرئيس السوداني لشعبه بعدم الاستسلام للإحباط هي نصيحة ترابية قلبا وقالبا. ففيها من الحيل ما يُذكر مباشرة بالزعيم الديني الراحل الذي سبق لدولة قطر أن استقبلته واكرمته باعتباره واحدا من أهم رموز الصحوة الإسلامية التي نادى بها الاخوان المسلمون.

تلميذ الترابي وهو ينصح الشعب لا يلوم نفسه في ما وصلت إليه البلاد من رثاثة وفي ما يعانيه الشعب من تدهور في سبل العيش. لا يعقل أن يصل السودانيون إلى مرحلة يكون الخبز فيها عزيزا وهم يقيمون في بلد وُصف ذات مرة بأنه سلة الغذاء العربي.

مأساة هي أم مهزلة؟

كل من يعرف السودان جيدا يؤكد أن ذلك البلد يعيش تخلفا هو من صنع جهاز الحكم. فالشعب السوداني معروف بتطلعه إلى التعليم العالي ولقد وهبت السودان العالم عددا لافتا من الخبراء في مجالات شتى منها الاقتصاد وعلم الاجتماع والسياسة الدولية ناهيك عن كبار الكتاب والشعراء والرسامين. وهو ما يجهله البشير نفسه.

مشكلة البشير تكمن في أنه لا يعرف السودانيين إلا باعتبارهم رعايا مملكة الجهل التي أقامتها جماعة الاخوان المسلمين. وهي مملكة مضت على اقامتها عقود من الزمن، استطاع الحكم ومعارضته أن يسحقا خلالها حقيقة ذلك الشعب الملهم بعبقرية هويتيه العربية والافريقية.

وكما أرى فإن اخوانية الرئيس وقفت حائلا بينه وبين التعرف على حقائق بلاده. فالسودان لا يمكن أن يجوع أهله إلا إذا حل التجريد العقائدي محل الحقائق الواقعية. وهو ما حدث عبر عقود من الزمن، كان الحكم والمعارضة فيها يرعيان خلافاتهما في إطار المشروع الاخواني.

البشير لا يعترف بالواقع. وهو ما ورثه عن معلمه الترابي. السودان الذي يحكمه هو بلد على الخريطة وليس أرضا يقيم عليها بشر لهم متطلبات عيش وتطلعات مستقبلية.

إنه رجل منفصل عن الشعب الذي يحكمه.

مثل كل الزعماء الاخوانيين الآخرين فإن مصير البلاد التي يحكمها لم يكن يعنيه إلا بالقدر الذي يحقق من خلاله تنفيذه لتعاليم المرشد الأعلى.

ذلك ما يفعله اردوغان. غير أن الفرق بينهما أن اردوغان استلم دولة غنية بمشاريعها الصناعية فيما استلم البشير دولة استطاع الاخوان أن يفقروها. وهو ما جعله يضيف فقرا على فقر.

"السودان دولة فقيرة" ذلك ما يقوله الواقع الذي يتقاسمه البشير ومعارضوه وهو ما تكذبه الحقيقة.

فالسودان الذي يتظاهر مواطنوه مطالبين بإسقاط النظام الذي أحرجهم بالمطالبة بالخبز هو بلد ثري، وضع حاكمه ومعارضوه خدمة المشروع الاخواني نصب أعينهم ونسوا الوطن والمواطنين.

لذلك لم يعد أمام الشعب السوداني سوى أن يقلبوا الطاولة التي يلتف حولها البشير ومعارضوه ليصنعوا قدرهم بأنفسهم.

عن "ميدل إيست أونلاين"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية