خليل حسين
عندما انطلقت شرارة الحراك العربي في تونس، توجهت الأنظار تحديدا إلى الجزائر، الدولة التي تأسست فيها العديد من الظروف الذاتية والموضوعية القابلة للبناء عليها، إلا أن العديد من الأسباب أيضا دفعت بالوضع الجزائري إلى الخلف، مقابل إبراز الوضع الليبي في سياق التغيرات المتلاحقة في المنطقة.
اليوم يندفع الوضع الجزائري نحو الواجهة مجددا بظروف قديمة جديدة، لكن فيها الكثير من أسباب وخلفيات إمكانية التفجير على قاعدة الانتخابات الرئاسية المقررة في ابريل/نيسان القادم والتي تم تأجيلها الآن، لاسيما وان الواقع الجزائري لا يختلف كثيرا عن واقع بعض الدول التي عانت ما عانته سابقا في هذا المجال. لكن خصوصية الوضع الجزائري تدفع بها إلى صور مختلفة نسبيا، بالنظر للسوابق التي مرّت بها، وبخاصة نهاية ثمانينيات القرن الماضي، على قاعدة إلغاء الانتخابات التي أسفرت آنذاك عن وصول الإسلاميين إلى البرلمان وما أعقبها من ردات فعل، تمكن الجيش من استيعابها وإعادة هيكلة السلطة والنظام السياسي مجددا. إلا أن هذه الخاصية بالتحديد، ونظرا لظروف أخرى لم تعد موجودة بفعالية، ومنها عدم قدرة القوى المؤثرة على تعويم السلطة، فقد تذهب الأوضاع إلى خيارات مختلفة، بخاصة بعد تصدّع هذه القوى وظهور انشقاقات وازنة في الرؤى المستقبلية للنظام. وهذا ما ترجم عمليا من اتساع مظاهر الاعتراض والتظاهرات التي بدأت ترفع شعارات التغيير من بوابة الانتخابات الرئاسية القادمة.
على أن الواقع الجزائري الذي لا يختلف كثيرا عن نظرائه في الدول العربية، يتميز بواقعه الجيوسياسي الإقليمي من بوابة المغرب العربي. فالجزائر دولة وازنة في محيطها العربي والإفريقي، وهي على تخوم الاتحاد الأوروبي ذات الخصوصية الفرنسية، علاوة على الإرث التاريخي بصفة المليون شهيد ضد المستعمر الفرنسي آنذاك، وبالتالي مجمل هذه اللمحات تعطي الواقع الجزائري واقعا مختلفا في سياق تقييم الحراك القائم وما يمكن أن يؤول إليه في المدى المنظور.
اليوم تبدو الأمور قد تغيرت إلى حد بعيد في الواقع الجزائري، وكل المؤشرات تشي بعدم وجود استثناء جزائري كما كان سائدا في الحقبة الماضية، ثمة كلام عن تصدعات في بنية القوى الفاعلة في السلطة، وحراك اجتماعي ذات طابع مطلبي، لكنه يفتقر إلى بنى مؤسسية تكفل استمراره بطرق مضبوطة وآمنة، في وقت تشهد فيه شرائح اجتماعية حالة تململ واسع، لجهة حجم منسوب البطالة إضافة إلى مجمل محفزات الحراك الاجتماعي، ما يدل على اتجاهات مغايرة للحالات العربية المماثلة، ما يشي أيضا بصور أشد ضبابية عما ستؤول إليه الأوضاع.
لقد تكوّنت معظم المعطيات الداخلية لانطلاق صور من الحراك المختلف، كما أن مجموعة الظروف الموضوعية هي موجودة وسريعة التأثير في الواقع الداخلي، فهل ستشهد الجزائر حراكا ساخنا غير منضبط الآفاق والرؤى؟ في واقع الأمر وقياسا على الظروف المماثلة، من الواضح أن الجزائر لن تتمكن من الإفلات من ذلك، للعديد من الأسباب يبدو في طليعتها وأحد أسبابها الرئيسة عدم وجود قوى سياسية اجتماعية قادرة على استيعاب تلك المطالب والمضي بها بطرق مدروسة، وثانيا سرعة وقدرة الظروف الخارجية في التحكم في أي مسارات محتملة، ما يعطي انطباعات غير مريحة عن الواقع المستقبلي للجزائر. إلا أن الأمر الأخطر في ذلك يبدو، هو أن تكون الجزائر مثلا محطة انطلاق نحو واقع المغرب العربي بملفاته المتعددة الأشكال والأنواع الداخلية والخارجية وأيضا في علاقاته البينية.
لقد ظل الوضع الجزائري استثناءً عن الواقع العربي منذ العام 2011، إلا أنه يمضي بخطوات متسارعة للالتحاق بما سبقه من تجارب، لاسيما وأن خصوصية الواقع الجزائري تمتلك الكثير من المخزونات والإرث التاريخي في مقاومة الاستعمار، فهل ستستفيد من هذا الإرث في إعادة هيكلة ما يطمح إليه الجزائريون؟ أم ستمضي في مسارات لن تكون مختلفة عن جاراتها كالمثال الليبي!
عن "ميدل إيست أونلاين"