إسرائيل ترهق حماس بالتفاصيل

إسرائيل ترهق حماس بالتفاصيل

إسرائيل ترهق حماس بالتفاصيل


04/03/2025

محمد أبوالفضل

في كل مرة تظهر فيها حركة حماس كأنها قبضت على طرف خيط في عملية التفاوض مع إسرائيل يقودها إلى وقف إطلاق النار، تجد رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو وعددا من كبار المسؤولين معه وضعوا مزيدا من العراقيل في طريقها.

وبعد أن انتهت المرحلة الأولى من صفقة تبادل الأسرى ولم تتمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها لجأت إلى تمديدها، واستندت إلى توصية قالت إن المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف أوصى بها، تتعلق بدمج المرحلتين وتسليم جميع الأسرى دفعة واحدة أو دفعتين، مع وقف إطلاق النار طوال شهر رمضان.

وزادت إسرائيل بإعلانها وقف دخول المساعدات إلى قطاع غزة، الأحد، وتركت حماس تبحث عن مخرج للكثير من الإشكاليات التي وضعتها في طريقها، على صعيد الصفقة والتهدئة والمساعدات ومصير قادة الحركة، وصولا إلى عدم وجود سلاح في جعبتها ورفض تقبل سيطرتها على غزة، وقبل ذلك تخلصت قوات الاحتلال من عدد كبير من قادة حماس العسكريين والسياسيين، فأغرقتها في أزمات لا نهاية لها.

التركيز على التفاصيل هو منهج تتبناه إسرائيل في كل عملية سياسية تدخلها، لأنه يمنحها فرصة لإرباك الطرف الذي أمامها عندما تمتلك أدوات قوية للضغط، أو أوراقا (كروت على رأي الرئيس الأميركي دونالد ترامب) تمكنها من مساومة خصومها، ولدى إسرائيل العديد من الأوراق التي تساعدها على ممارسة أقسى درجة ممكنة من الضغوط على حماس، بينما لا تملك الحركة سوى ورقة الأسرى، والتي يفضّل نتنياهو انتزاعها منها بلا ثمن، أو تركها مع حماس كي لا تبطل الكثير من حججه في استئناف الحرب وقد تعرضه لمساءلة قانونية عاجلة، تنهي مستقبله السياسي.

يستند رئيس حكومة إسرائيل إلى دعم لا محدود من الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومعاونه ستيف ويتكوف، وحصل نتنياهو منهما على ما يمكنه من التصرف دون تقيد بالصفقة التي وقعت في 19 يناير الماضي، وتحوي ثلاث مراحل، انتهت واحدة وجمّدت الثانية حتى إشعار آخر، بالتالي لن يتم تنفيذ الثالثة.

وجد نتنياهو أن الحصيلة التي وصل إليها قبل أن تنتهي المرحلة الأولى لا تتناسب مع تطلعاته وأهدافه، بعد أن استثمرت حماس كل مرة تقوم بتسليم عدد من المحتجزين إلى الصليب الأحمر في تقديم مشهديات سياسية وعاطفية تحرج قادة إسرائيل، ما جعل حكومتها تطالب علنا بإتمام عملية التسليم بلا كرنفالات حمساوية.

ابتعدت إسرائيل عن التركيز على القضايا المصيرية المتعلقة باليوم التالي لوقف الحرب، ولا تريد الاقتراب منها، كأنها قررت ديمومة اليوم الحالي، بمعنى لا حرب، لا هدوء، لا استقرار، لا إعادة إعمار، فالوضع الذي يعيشه القطاع يمثل بالنسبة إلى نتنياهو وضعا مثاليا، يمنحه حرية للحركة العسكرية والسياسية وبقاء لأطول فترة في السلطة.

وكلما بدأت الأمور تتحرك في سبيل وقف هذه العبثية يتدخل الرجل كعادته من خلال تفسيرات لانهائية لمعنى الاختراقات التي قال إن حماس قامت بها، ولا يلتفت إلى أيّ تجاوزات قامت بها قواته، فوسط تنفيذ المرحلة الأولى وما تمخضت عنها من هدوء في القطاع لم يتورع الطيران الإسرائيلي عن قصف أهداف فلسطينية في غزة، لاستفزاز حماس وجرها إلى معارك جانبية توفر حججا لتخريب صفقة تبادل الأسرى.

يطبق نتنياهو منهج سلفه الراحل إسحق شامير الذي قال عندما كان يفاوض الفلسطينيين في عهد ياسر عرفات إنه على استعداد لمفاوضتهم عشر سنوات متواصلة ولن يعطيهم شيئا، وهذا ما يحدث مع حماس، فالمفاوضات يمكن أن تتحول إلى عملية سياسية في حد ذاتها، وفي عهد عرفات لم تكن الولايات المتحدة بهذا الانحياز السافر ولا الاتحاد الأوروبي بهذه الدرجة من الضعف، كما أن الدول العربية كانت أكثر قدرة على دعم القضية الفلسطينية ولديها من الأدوات ما مكنها من توفير مساندة معنوية، كما كانت القيادة الفلسطينية السابقة أشد حكمة ورشادة.

تعتمد حجج نتنياهو لتعطيل المرحلة الثانية على الدخول في الكثير من التفاصيل والقفز على العناوين الواضحة، فقد وقّع اتفاقا مع حماس بمعرفة الوسطاء الثلاثة، مصر وقطر والولايات المتحدة، وكان هناك التزام بتطبيقه ما لم يقم أحد الطرفين بخرق أحد بنوده الحيوية، وحتى هذا الخرق ثمة معالجات دقيقة له كي لا يفضي إلى الانهيار واستئناف الحرب، لكن المشكلة لا تكمن في تغير مواقف نتنياهو، بل أيضا في تذبذب الإدارة الأميركية وكثرة مراوغاتها، والوسيط الذي اختاره الرئيس ترامب ليمثله في المنطقة لم ينكر تبنيه مواقف إسرائيل ومنحها ذرائع تساعدها على الهروب.

أرهقت إسرائيل حركة حماس سياسيا، كما أرهقتها عسكريا في الحرب، ونجحت في أن تصدر لها مجموعة كبيرة من الأزمات، عبر نشر سرديات لشيطنة دورها في المستقبل، ما جعل فكرة خروجها من المشهد مطلبا دوليا، وقد لا تمانع حماس في ذلك مؤقتا، لكنها لم تقدم ما يعززه حتى الآن، اعتقادا منها أنها تحقق هدفا إستراتيجيا لنتنياهو فشل في تحقيقه بالحرب ويسعى للوصول إليه بالسياسة.

إذا كان نتنياهو يجد ارتياحا في الوضع الحالي، فإن حماس ربما تبادله الارتياح نفسه، لأنها تعلم وسط المعطيات الراهنة أن لا مستقبل لها في حكم غزة، ومن مصلحتها أن تمتد الفترة الحالية وتظل على مراوحتها صعودا أو هبوطا، ما يضمن لها بقاء شكليا في القطاع، وتفويت فرصة على من راهنوا على اختفائها، وهو ما دفعها إلى استفزاز نتنياهو باستعراضات تسليم الأسرى في غزة، ويجبرها على مبادلته التفاصيل بحرب أخرى من التفاصيل والتشدد في دخول كمية مهينة من المساعدات ونوعها.

قد تفيد التفاصيل في الحرب الكلامية المشتعلة بين الطرفين أو أحدهما، لكن في لحظة معينة من الضروري الدخول إلى العمق مباشرة، وستكون مخرجات القمة العربية الطارئة بالقاهرة الثلاثاء محكّا مهمّا، للعرب وحماس وإسرائيل والولايات المتحدة، فمن المفترض أن تتبنى خطة لن تتوقف على عملية إعادة إعمار غزة، وتتطرق إلى جوانب حيوية تتعلق بمصير سلاح حماس وعدم مشاركتها في السلطة ورفض التوطين الطوعي والقسري. بكلام آخر سيتم وضع خارطة طريق للقضية الفلسطينية، تركز على الثوابت العربية والشرعية الدولية، ولا تلغي المستجدات الإسرائيلية.

تحدد طريقة التعامل مع نتائج القمة العربية الطارئة إلى حد كبير طبيعة المرحلة المقبلة، والآليات التي سوف تتبناها إسرائيل، وموقف الولايات المتحدة منها، لأن الخطة التي ستتمخض عن قمة القاهرة لن تخرج دون توافق وإجماع عربي عليها، وبعيدة عن الاستغراق في التفاصيل الهامشية التي يسعد نتنياهو في التركيز عليها، وهدف القمة الغوص في جوهر الأزمة والبحث عن حل عملي لها.

العرب




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية