إرهابيون فوق منصة الإعدام

الإرهاب

إرهابيون فوق منصة الإعدام


15/10/2018

عقب أن تصفّد أبواب الزنازين في مبنى عتيق للغاية بشارع "درب السعادة" الواقع  خلف مديرية أمن القاهرة في وسط المدينة، يبدأ الجنود في سجن الاستئناف بتنظيف الساحة المحيطة بالغرفة الجانبية..غرفة الإعدام، يرشّون الأرض بالمياه، ويمسحون (الطبلية) التي سيُوضع عليها المحكوم عليه، ثم يرفعون العلم الأسود على الجدار العلوي، في إشارة إلى أنّ هناك مهمة سينتهون منها في صبيحة اليوم التالي.

بين يدي "عشماوي"

الغرفة السوداء المظلمة نصفها الأول تقع فيه (طبلية) مرتفعة يصعد إليها المحكوم على ثلاثة أدراج من سلم صغير، ليقف في منتصفها الذي يوجد فيه باب من درفتين لهما يد سيفتحها جلاد يتم اختياره بعناية فائقة، لينفتح الباب، ويسقط من ينفذ فيه الحكم، ويتعلق بالحبل المعلق فوق عمود من الصلب.

 

وتُنفذ كذلك أحكام الإعدام في عددٍ قليلٍ جداً من السجون الأخرى لكنها لا تحظى بنفس شهرة سجن الاستئناف، من بينها برج العرب في الإسكندرية التي شهدت تنفيذ أول حكم للإعدام شنقاً بحق نساء في مصر، في قضية ريا وسكينة يوم 21 كانون الأول (ديسمبر) العام 1921.

معظم المحكومين لا ينامون قبيل موعد التنفيذ.. منهم من ينهار ويصرخ وآخرون ينصاعون لقدرهم المحتوم

"عشماوي" هو من يقوم بالتنفيذ، وهو رقيب شرطة، طويل وعريض، وله شنب مفتول يملأ وجنيه، كل من تولى هذه المهمة حتى الآن بنفس الملامح تقريباً، وفي مقدمة المنفذين للحكم جمع لا يقل عن 20 فرداً عدا عشماوي، على رأسهم لواء شرطة، أحدهم يتولى إحضار المتهم من غرفته، والآخر يتولى وزنه في المستشفى ليضع حبلاً يتوازى مع حجمه، والثالث يأخذ توقيعه على إقرار بأن يدفع أهله ثمن هذا الحبل!، والرابع شيخ أزهري يتلو عليه الشهادة، ويستتيبه قبل وفاته، والأخير يحادثه فيما لو كان له طلب أخير قبل أن يلفظ انفاسه.

اقرأ أيضاً: هل يتنافى الإعدام مع الحق العام في الحياة؟

التنفيذ لا يكون إلا قبل صلاة الفجر.. كل المحكومين في الأغلب لا ينامون، ينتظرون الميعاد الذي قد يطول لعام أو عامين، وهو في أغلب الأحوال يتم بطريقة غير تراتبية، يفتح الضابط المختص الزنزانة خلسة، ثم يلقي نفسه على السجين ويقيده؛ منهم من ينهار ويصرخ، وآخرون ينصاعون لقدرهم المحتوم.

 سيد قطب

اللحظات الأخيرة قبل التنفيذ

في يوم 29 أيلول (أغسطس) العام 1966 تم تنفيذ حكم الإعدام في سيد قطب، وفي تصريح خاص لرئيس جهاز مكافحة التطرف الأسبق اللواء فؤاد علام  لـ "حفريات" قال: في البداية كان قطب ثابتاً، لكنه لما علم أننا سننفذ فيه الحكم بدأ يرتبك ويصرخ، ويقول "أنا مفكر ومثقف، كيف تعدمونني"!

بالتفصيل حكى اللواء فؤاد علام القصة في كتابه، "الإخوان.. وأنا" (ص165) أنّه في اليوم المقرر لتنفيذ حكم الإعدام توجه إلى السجن الحربي بمدينة نصر واصطحب ثلاثتهم (سيد قطب ونائبه محمد يوسف هواش ومسؤول الاتصالات الخارجية للتنظيم عبدالفتاح إسماعيل) بسيارات الحراسة إلى سجن الاستئناف الواقع خلف مديرية أمن القاهرة، وفي حديث سيد قطب معه وهو في طريقه إلى السجن "كرر أكثر من مرة أنّ مشكلته في عقله لأنه مفكر وكاتب إسلامي كبير، وأنّ الحكومة لا تملك إلا أن تقضي على العقل الإسلامي الكبير حتى تنفرد بأعمالها ضد الإسلام حسب تصوره".

بعد وصول قطب سجن الاستئناف أدرك أنّ حبل المشنقة بانتظاره فازداد توتره حتى وصل حد الانهيار

وبعد الوصول إلى سجن الاستئناف أدرك سيد قطب أنّ حبل المشنقة في انتظاره بعد لحظات، فازداد توتره حتى وصل إلى حد الانهيار، وظل يردّد أنّه مفكر إسلامي، وأنّ الحكومة لم تجد سبيلاً للقضاء علي أفكاره إلا بإعدامه، ثم جرت مراسم تنفيذ الحكم، ثم خلعوا عنه بدلته وألبسوه البدلة الحمراء، وسُئل إن كان يطلب شيئاً فطلب كوب ماء شربه وأدى صلاة الفجر ثم دخل غرفة الإعدام وتم تنفيذ الحكم، وتكررت نفس المراسم مع عبدالفتاح إسماعيل ويوسف هواش اللذين أصيبا بحالة هيستيرية شديدة أثناء تنفيذ الحكم عليهما.

وفي أول عملية اغتيال سياسي في تاريخ مصر الحديث، تم إعدام إبراهيم الورداني، الشاب الذي كان يبلغ من العمر 24 عامـاً، وينتمي إلى "الحزب الوطني"، وقام بإطلاق 6 رصاصات على رئيس الوزراء المصري "بطرس باشا غالي" العام 1910، أصابت اثنتان منها رقبته أثناء خروجه من غرفته في ديوان الخارجية، وتم نقله إلى المستشفى وأجريت له عملية جراحية، لكنه فارق الحياة في صباح اليوم التالي.

اقرأ أيضاً: الحكم على نائب زعيم داعش بالإعدام

في الرابع من كانون الأول (ديسمبر) العام 1954 حكمت محكمة الشعب ذات الطبيعة العسكرية برئاسة صلاح سالم وعضوية كل من حسين الشافعي وأنور السادات بالإعدام بحق 7 من قيادات الجماعة، المتهمين في حادث المنشية وهم: محمود عبد اللطيف، ويوسف طلعت، وإبراهيم الطيب، وهنداوي دوير، ومحمد فرغلي، وعبد القادر عودة، والمرشد العام وقتها حسن الهضيبي الذي خُفّف عنه الحكم لاحقاً إلى الأشغال الشاقة المؤبدة.

في أول عملية اغتيال سياسي في تاريخ مصر الحديث تم إعدام إبراهيم الورداني العام 1910

في العام 2010 تم تنفيذ حكم الإعدام شنقاً بمحمد أحمد محمد حسين وشهرته "حمام الكموني" (41 عاما) بتهمة قتل 6 مسيحيين ومسلم واحد عمداً، والشروع في قتل آخرين وإتلاف بعض المحال التجارية، حيث قاد سيارته وأطلق النيران بشكل عشوائي على تجمعات الأقباط في ثلاثة أماكن مختلفة في منطقة نجع حمادي بمحافظة قنا، ولم يُكشف النقاب حتى الآن عن الدوافع الحقيقية للحادث، خاصة أن المتهم كان معروفاً بأعمال البلطجة والابتزاز.

وبالعودة إلى فترة السبعينيات، صرّح القيادي السابق المنشق عن جماعة التكفير والهجرة، صفوت الزيني، في حديث خاص لـ "حفريات"، أنّ زعيمهم شكري مصطفى مؤسس الحركة، حينما صعد على طبلية التنفيذ العام 1978، ارتبك، وقال "قولوا لأتباعي يراجعوا ما هم عليه"، وقال بعدها رأينا جثته مع الأربعة الآخرين ملقاة أمام غرفة الإعدام، فقد أعدموهم في وقت واحد.

عادل حبارة مخطط مذبحة رفح الثانية

ومن أشهر الشخصيات التي تم تنفيذ حكم الإعدام فيها مؤخراً، عادل حبارة، مخطط مذبحة رفح الثانية للجنود المصريين، عندما أوقف ومجموعة أخرى من المسلحين حافلتين تقلان جنوداً وقتلوهم في 19 آب (أغسطس) العام 2013، وبدم بارد أرسل لصديقه في سوريا يقول له: "أنا حرقت 25 شمعة لجنود رفح".

ارتبك حبارة ساعة تنفيذ الحكم، لكنه سرعان ما تمالك نفسه وشتم الجنود، مدعياً أنّهم مرتدون وكفرة، وأنه سيلقى إخوانه في الجنة، وموصياً وفق شهادة شهود بدفنه في مقبرة خاصة بجوار إخوانه في الجماعة.

حبل المشنقة والإرهابي: من ينتصر؟

يذكر الكاتب والسياسي الفرنسي الشهير ريجيس دوبريه صاحب كتاب "البقعة العمياء" أنّ الموت لا ينهي مشكلة الإرهابيين؛ "لأن هذه التنظيمات تقاتل باسم الله، ولا يمكن أن نقتل الله، هؤلاء يتغذون في شحذ النفوس على الدعاية العسكرية، وليس أفضل من قتل أحد منهم لتفعيل هذه الدعاية".

راين: الجماعة الإرهابية كلما تقدّم بها العمر صارت أكثر قدرة على التكيّف مع التغيرات

ونقلاً عن دراسة كتبها عمر البشير الترابي، ونشرها مركز المسبار للدراسات والبحوث في 11 تشرين الثاني (نوفمبر) العام 2017، يقول برايس راين تحت عنوان (كيف يسهم استهداف الرؤوس في مكافحة الإرهاب؟): إن هذا الإجراء له مكانة بارزة في العديد من إ‘ستراتيجيات مكافحة الإرهاب، وقد أولاه الأكاديميون اهتماماً كبيراً، ومالوا لرفض اعتباره إجراءً فعّالاً لمكافحة الإرهاب، ويعزو ذلك إلى خلل في نظر الأكاديميين، تحديداً بسبب تركيزهم على فترة صغيرة؛ فالتأثيرات النسبية قصيرة المدى، كما هو الحال في دراسة جينا جوردن (2009) التي حددتها بسنتين، لا يمكن أن تكون حكماً عادلاً في نظره.

وقد أدخل في دراسته عامل "ارتفاع نسب الوفاة" داخل الجماعة كعنصر للانحياز لعملية استهداف رؤوس الجماعات؛ بالإضافة إلى عامل "أن يحدث الاستهداف في السنة الأولى"، والذي يجعل التأثير كبيراً؛ فالجماعة الإرهابية كلما تقدّم بها العمر صارت أكثر قدرة على التكيّف مع التغيرات. كما نفى تأثير حجم الجماعة في تعافيها من استهداف زعيمها أو عدمه، وجادل بأنّ الجماعات الدينية أكثر عرضة للتأثر قياساً بالجماعات اليمينية واليسارية الأخرى؛ هذا بعد تغيير عامل الزمن الذي حددته جوردن أعلاه.

اقرأ أيضاً: هكذا حرّض سيد قطب على إعدام العاملَين المصريين خميس والبقري

دوماً يتم تنفيذ حكم الإعدام في هدوء دون ضجيج، وذلك قبل صلاة الفجر، من أجل السيطرة على المحكوم عليه، ورغم أنهم ينتهون سريعاً من مهمتهم من إرهابي آخر، إلا أن أفكار المحكوم هي الخلفية الأساسية لما سيحصل، وما سيتناقله أتباعه فيما بعد.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية