ألكسندر نازاروف
"سباق اللقاحات" يزداد شراسة حتى أصبح يضاهي سباق الفضاء.
انتقد الغرب في وقت من الأوقات تسرّع روسيا، بكل قوتها، في تسجيل لقاح "سبوتنيك-V". لكن في الغرب نفسه، لم تتمكن بريطانيا من مقاومة الإغراء بأن تكون هي الأخرى الأولى، حيث أعلنت لندن عن بدء التطعيم هذا الأسبوع بلقاح "فايزر" الأمريكي، على الرغم من عدم اعتماده داخل الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، وبرغم تصريح أحد رؤساء شركة "فايزر"، ألبرت بورلا، الذي أعرب عن شكوكه في أن يستطيع لقاح الشركة ضمان عدم انتقال فيروس كورونا ممن تلقوه.
ومع اقتراب اللقاحات من الموافقة الرسمية ودخول السوق، فسيكون اللقاح بمثابة ساحة لبعض البلدان المنتجة للقيام بلفتة إنسانية كبيرة لمساعدة البلدان الفقيرة، وللبعض لتحديد مواقفه السياسية.
أي لقاح يجب أن نختار؟
لقد أصبحت عملية اختيار اللقاح بمثابة النظر إلى مرآة تعكس كل شيء، من الوضع الحقيقي للاقتصاد، مرورا بسعي الدول المنتجة لدور في العالم، وحتى الانتماء إلى معسكر سياسي ما. بل إن عملية اختيار اللقاح الذي سيحقنه المواطن مسألة سياسية، وشكل آخر من أشكال التعبير عن الهوية.
أحيانا ما يتحول الأمر إلى كوميديا مأساوية، مثلما حدث في هنغاريا، التي دخلت مؤخرا في مواجهة صعبة مع الاتحاد الأوروبي بشأن الموازنة، إلى الحد الذي لوّحت فيه باستعدادها لاستخدام اللقاح الروسي، على الرغم من الحظر الصارم من الاتحاد الأوروبي. من جانبه أثبت الاتحاد الأوروبي عدم جدواه، فبينما اتضح في الربيع المنصرم عجزه عن الاستجابة الفعالة للجائحة، على خلفية الأنانية وصراع الدول الأعضاء حول توفير الأقنعة اللازمة لحماية مواطنيهم، يحظر اليوم، لأغراض التفاخر بالوحدة، وباستعراضية فارغة، استخدام لقاح "العدو" من أجل إنقاذ مواطنيه.
كذلك الحال بالنسبة لأوكرانيا، التي ترفض اللقاح الروسي الرخيص، وتفضل الموت خنقا بيد صندوق النقد الدولي، الذي يرفض، بسبب الفساد، تقديم قرض لها، على خلفية كارثة مالية متنامية، ولسان الحال يقول: أن يموت مواطنونا خير من أن تنقذنا روسيا.
في ظل هذا كله، يبدو أن اختبار اللقاح الروسي "سبوتنيك-V" في الهند والإمارات وكأنه مظهر من مظاهر التعبير عن الاستقلالية وحب الحرية.
على هذه الخلفية، يفجّر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مؤامرة من العيار الثقيل، بتصريحه بأن تركيا تتفاوض بشأن شراء لقاحين أحدهما روسي والآخر صيني، وسيتم تطعيمه هو شخصيا بأحدهما. بالطبع، لم يخل ذلك من ألعاب سياسية واستعراضات مناهضة للغرب. ومع ذلك يظل السؤال الذي يطرح نفسه حاليا: ما نوع اللقاح الذي سيحقنه الرئيس أردوغان شخصيا؟
لأن ذلك سيتم تفسيره على الفور بطريقة ما حول العالم... هل يقترب أردوغان من روسيا، أم أنه يفضل إرسال إشارة إلى بكين؟ أم ترى أنه سيحقن نفسه باللقاحين، فيرضي روسيا والصين معا؟
إلا أن السؤال الأهم والرئيسي هو إلى أي مدى ستتمكن حكومات الدول المختلفة من تنحية إظهار ولائها لواشنطن، وإتاحة الفرصة لمواطنيها لاستخدام أي لقاح متوفر ورخيص في السوق هربا من الفيروس؟ بشراء اللقاح الروسي مثلا. يبدو لي أن هذا السؤال الإنساني البسيط، وكما هو الحال دائما، يمكن أن يصبح ضحية للسياسة في العديد من البلدان.
عن "روسيا اليوم"