أمريكا وإيران: ما هي السيناريوهات المتوقعة بعد شروط بومبيو؟

أمريكا وإيران

أمريكا وإيران: ما هي السيناريوهات المتوقعة بعد شروط بومبيو؟


24/05/2018

عكسَ انتقادُ وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، للدور الوظيفي السلبي الذي يلعبه الرئيس الإيراني، حسن روحاني ووزير خارجيته، محمد جواد ظريف، داخل بنية النظام الإيراني، ابتعاداً أمريكياً عن المقاربة السابقة، التي تبنّتها إدارة الرئيس باراك أوباما على وجه الخصوص، فيما يتعلق بـ"الاعتدال الإيراني"؛ الذي سيقلص (مع توقيع الاتفاق النووي صيف 2015) هيمنة تحالف خامنئي-الحرس الثوري على مُركّب السلطة والثروة والسياسة الخارجية في إيران، وفق مقاربة إدارة أوباما.

إنّ الاستدارة الأمريكية الجديدة في عهد دونالد ترامب تتعلق بتغيير السلوك الإيراني؛ أي عدم فصل الاتفاق النووي عن السياسات الداخلية والإقليمية وعن البرنامج الصاروخي الإيراني.

تراهن طهران أشد المراهنة على أن يتمكن الأوروبيون من الإبقاء على الاتفاق والحيلولة دون انهياره

وفي إطار توقع السيناريوهات المحتملة للتصعيد الأمريكي ضد السلوك والسياسات الإيرانية يمكن الحديث عن سيناريوهات عدة محتملة تتراوح بين تصاعد العقوبات والضغوطات الأمريكية على إيران، واستجابة الشركات العالمية الكبرى لذلك عبر توالي مسلسل الانسحابات من الأسواق الإيرانية، أو ظهور بوادر مرونة عبر جهد أوروبي قد يفضي لتنازلات إيرانية، لتجنب انهيار الاتفاق كلية، وكذلك تجنّب العمل العسكري، وهو إن كان في أضعف احتمالاته، فإنّ التصعيد الأمريكي-الإسرائيلي ضد إيران لا يسمح بالقول باستحالته، لا سيما إذا لم تدرك طهران جدية السياسة الأمريكية الجديدة حيالها.

وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو

التوصل لاتفاق جديد؟

يتمثل السيناريو الأول في التصعيد الاقتصادي والسياسي من أجل التوصل لاتفاق جديد؛ حيث من الوارد جداً أن تعاند إيران هذه الاستدارة ولا تستجيب لاستحقاقاتها، ولاستحقاقات أخرى من قبيل الحديث الروسي الأخير عن ضرورة خروج جميع الأطراف الأجنبية من سورية. هذا الخيار الإيراني سيعطي، على الأرجح، مزيداً من الدافعية لحزمة العقوبات الأمريكية الجديدة القاسية على إيران وحزب الله. ومعلوم أن بومبيو أعلن إستراتيجيا جديدة لإدارة ترامب، حدّدت 12 شرطاً للتوصل إلى اتفاق جديد مع طهران، مهدداً إياها بـ "أقوى عقوبات في التاريخ" إن لم تبدّل سياساتها، ومتوعداً بـ"سحق عملاء" طهران و"حزب الله" اللبناني في العالم. وفي حال تم تطبيق عقوبات صارمة وممتدة بالفعل، فإنّ إيران ستكون أمام خيار التوصل لاتفاق جديد أو تعريض النظام الإيراني للخطر؛ لأن حزمة العقوبات الأمريكية الشديدة على النظام الإيراني ما قبل الاتفاق النووي هي التي أجبرت طهران على الرضوخ، بعدما أصبح الاقتصاد الإيراني على شفا الانهيار حينذاك. وفي هذا السياق، يمكن ملاحظة أنّ واشنطن واصلت ضغوطها في هذا الاتجاه؛ إذ كتب مايك بنس، نائب الرئيس الأمريكي، على موقع "تويتر": "كما قال بومبيو، وكما أوضح ترامب: نحن مع الشعب الإيراني الذي يستحق أفضل من نظام يرعى الإرهاب في كل المنطقة، ويستحق أفضل من نظام يواصل تخصيص موارده لتهديد العالم".

اجتماع لـ"الحلفاء والأصدقاء" الشهر المقبل

وفي إطار توسيع دوائر الضغط على إيران وتنفيذ الإستراتيجية الأمريكية الجديدة ضد طهران، في حال لم تستجب للشروط الأمريكية، أعلن وزير الخارجية الأمريكي بومبيو أول من أمس أنّه سيلتقي الشهر المقبل حلفاء للولايات المتحدة، لمناقشة الخطوات المقبلة لكبح "تهديدات" إيران، النووية وغير النووية. وأضاف أنّ إدارة الرئيس دونالد ترامب تعتزم العمل مع "أكبر عدد ممكن من الشركاء والأصدقاء والحلفاء"، مشيراً إلى "مناقشات أُجريت على مستوى أدنى من وزراء الخارجية"، ومعرباً عن ثقته بأنّ "هناك قيماً ومصالح مشتركة ستقودنا إلى النتيجة ذاتها، في شأن ضرورة الردّ على تهديدات إيران للعالم".

إجراءات جديدة يقودها الأوروبيون

أما السيناريو الثاني فيتمثل في إمكانية توصّل طهران إلى إجراءات جديدة مع الأوروبيين: حيث تراهن طهران أشد المراهنة على أن يتمكن الأوروبيون من الإبقاء على الاتفاق والحيلولة دون انهياره، فقد أوضح ظريف أمس الأربعاء، في تصريحات للصحافيين على هامش اجتماع للحكومة الإيرانية، أنّ فريقاً من الدبلوماسيين الإيرانيين بدأ جولة جديدة من المفاوضات بعد اجتماعات الصين وروسيا وبروكسل، وكشف ظريف عما وصفه بـ "مفاوضات معقدة" بشكل متناوب مع "الأصدقاء" الصينيين والروس على مستوى الخبراء، مشيراً إلى "خطط واسعة" في هذا المجال.ومن المقرر أن تعقد اللجنة المشتركة لتنفيذ الاتفاق النووي أول اجتماع في فيينا غداً، بعد أسبوعين من الانسحاب الأمريكي. ويؤكد الأوروبيون على إظهار اختلافهم مع الطرح الأمريكي، فقد انتقد وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، تصريحات بومبيو الأخيرة بشأن إيران وقال الوزير الفرنسي:"نختلف مع طريقة تعامل أمريكا مع إيران"، مؤكداً أنّ العقوبات الأمريكية الجديدة على طهران "ليست مقبولة، ولا يمكن أن نسمح بأن تصبح مشروعة". ونبّه إلى أنّها "لن تسهّل الحوار، بل العكس، ستشجّع موقف المتشددين (في إيران)، وهذا يضعف الرئيس (حسن) روحاني الذي يريد التفاوض". ولفت المسؤول الفرنسي النظر إلى أنّ "هذا التموضع يمكن أن يعرّض المنطقة لخطر أكبر مما تواجهه الآن". وكرّر مخاوفه من "انفجار إقليمي"، محذراً من "خطر اندلاع حرب". وتابع أن "كل الظروف (مواتية) لاحتمال حدوث انفجار". وزاد: "لدينا مشكلة أخرى، هي سلامة شركاتنا والقدرة على منح إيران المزايا الاقتصادية التي تتوقعها، في مقابل تخلّيها عن تطوير سلاح نووي". ولعل هذا يعكس أنه لن يكون سهلاً التوصل إلى اتفاق جديد بشأن البرنامج النووي الإيراني. من جانبه، شددوزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، على أنّ "أوروبا متحدة جداً في موقفها إزاء الاتفاق النووي مع إيران، وهذا لن يتغيّر". وأضاف أنّه أوضح الموقف الألماني والأوروبي عموماً، خلال نقاش صريح في واشنطن مع مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، لافتاً إلى ضرورة تجنّب استئناف إيران نشاطاتها النووية.

أوروبا متحدة جداً في موقفها إزاء الاتفاق النووي مع إيران

مرونة أمريكية مقابل تنازلات إيرانية؟

أما السيناريو الثالث فيتمثل في أن يتمكن الأوروبيون من إقناع الإدارة الأمريكية بإبداء مرونة تمنع انهيار الاتفاق النووي، في مقابل تنازلات من إيران بشأن الاتفاق وبشأن سلوكها في المنطقة العربية، عبر دعم المليشيات الطائفية والجماعات المسلحة التي تقوّض الاستقرار في البلدان العربية. وهذه المرونة الأمريكية صعبة لكنها غير مستحيلة؛ فلا شك في أنّ التصعيد الأمريكي ضد إيران أخذ بعين الاعتبار، على سبيل المثال، أنّه يأتي قبيل تشكيلين حكوميين مرتقبين في العراق ولبنان، لكن التوازنات في البلدين قد تجعل الطموح الأمريكي في المرحلة الحالية لا يتجاوز التشديد على التزام البلدين "النأي بالنفس"، وقد يكون ذلك مؤشر مرونة ربما.  

إسترتيجية مساومة

وعلى الرغم من مواقف متشددة في طهران، أبداها كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين الإيرانيين، فقد نقلت وكالة "رويترز" للأنباء عن أربعة مسؤولين إيرانيين بارزين قولهم إن تصريحات بومبيو تشكّل "إستراتيجية مساومة"، تشبه أسلوب الولايات المتحدة في التعامل مع كوريا الشمالية. وقال أحدهم ممّن شاركوا في المحادثات التي أفضت إلى الاتفاق النووي عام 2015: "الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد التورط بحرب أخرى في المنطقة. وإيران أيضاً لا يمكنها تحمّل مزيد من الصعوبات الاقتصادية. دائماً هناك سبيل للتوصل إلى حلّ وسط. عهد المواجهات العسكرية انقضى". ورجّح مسؤول ثانٍ أن تقبل الولايات المتحدة في نهاية المطاف درجة من نشاطات طهران لتخصيب اليورانيوم، وبرنامجها الصاروخي؛ لأن هذه هي "الخطوط الحمر لإيران". لكن مسؤولاً ثالثاً مقرباً من معسكر علي خامنئي، اعتبر أن الأمريكيين "يكذبون"، وزاد: "حتى إذا قبِلت إيران كل شروطهم، سيستمرون في طلب المزيد، وهدفهم تغيير النظام. لا يمكن أبداً الوثوق بهم".

تفاقم الأوضاع الاقتصادية في إيران هو المحدد

في المقابل، لفت دبلوماسي غربي بارز في طهران إلى أن "الأوضاع الاقتصادية هي القضية الأساسية بالنسبة إلى معظم الإيرانيين، لا ما تفعله (طهران) في المنطقة أو برنامجها النووي". وأضاف: "لذلك سيُظهر القادة الإيرانيون مرونة، على الرغم من الخطب الرنانة التي تغلب عليها اللهجة الحادة. لقد أبلت إيران بلاءً حسناً في الحروب بالوكالة، لكنها لا تستطيع مواجهة إسرائيل أو الولايات المتحدة في حرب مباشرة. ليست لديها أسلحة حديثة"، وفق تصريحات الدبلوماسي الغربي.

الصفحة الرئيسية