كثيرة هي الأساليب التي ابتكرها الفلسطينيون في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، سواء كانت بالمواجهة العسكرية أو غيرها؛ لكنهم ابتكروا طريقة جديدة لمواجهة عدوهم؛ فتمّ تدشين منصة إلكترونية لتعليم اللغة العبرية وتدريس أساليبها، انطلاقاً من المقولة الشهيرة "من تعلم لغة قومِ أمن مكرهم"، والتعامل مع الاحتلال بحرب الأدمغة.
اقرأ أيضاً: جيش الاحتلال يكشف عدد الغارات التي شنّها على غزة في 2018
"نفحة"؛ اسم المنصة الفلسطينية الإلكترونية الأولى لتعليم اللغة العبرية والشؤون الإسرائيلية في قطاع غزة، تأسست لتقريب الفلسطينيين من عدوهم، والتعمق في جذور حياة من احتلوا أرضهم ومعرفة تفاصيل حياتهم؛ إذ إنّ القائمين عليها أسرى محررون تعلموا اللغة العبرية داخل السجون الإسرائيلية، أرادوا نشرها بين الفلسطينيين والعرب.
وتعدّ اللغة العبرية مهمة لكلّ الفلسطينيين تحديداً، والعرب بشكل عام لمعرفة الواقع الإسرائيلي، وما هو جديد داخل دولة الاحتلال، سواء اجتماعياً أو أمنياً أو اقتصادياً أو عسكرياً أو تكنولوجياً، وفي مناحي الحياة كافة.
ماذا يقول مؤسس المنصة؟
يقول مؤسس "منصة نفحة"، الأسير المحرر أحمد الفليت، لـ "حفريات": "لا يوجد في فلسطين أو خارجها جهات رسمية تهتم بتعليم لغة العدو الإسرائيلي "اللغة العبرية"، فبعد محاولات حثيثة تمكنت من تدشين المنصة لتعليم الفلسطينيين، وغيرهم اللغة العبرية".
منصة "نفحة" تتيح الفرصة للفلسطينيين والعرب تعلم اللغة العبرية بكلّ سهولة، ومعرفة كيفية التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي
وتلقى الفليت دعوات من عدة دول عربية لتنظيم دورات تدريبية لتعليم اللغة العبرية، وشرح كتب قمت بترجمتها؛ "إلا أنّ ظروف معبر رفح البري لم تتح لنا فرصة السفر؛ لذلك راودتني فكرة إنشاء "منصة نفحة"، فنحن غير قادرين على الذهاب بأجسادنا للدول العربية، ولكننا نستطيع تقديم خدماتنا من خلال التكنولوجيا، التي تتيح لنا الوصول إلى أي مكان في العالم".
وتعدّ "منصة نفحة" أول منصة إلكترونية للتعليم عن بعد تعمل بشكل رسمي من قطاع غزة، وسيتم التركيز من خلالها على ثلاثة دبلومات: "دبلوم اللغة العبرية، دبلوم الشؤون الإسرائيلية، دبلوم الإعلام الإسرائيلي".
خدمات أونلاين بإشراف خبراء
ويلفت الفليت إلى أنّ "منصة نفحة" تستهدف كل شخص يتحدث العربية داخل فلسطين أو خارجها، للوصول لأكبر عدد من الجهات المهتمة بالقضية الفلسطينية، بشكل عام، ليكونوا على ثقافة واسعة بالمحتل، وبكل ما يجري داخل المجتمع الإسرائيلي وكيفية التعامل معه.
اقرأ أيضاً: قوات الاحتلال تعتقل رئيس مجلس أوقاف القدس
وتقدم المنصة خدماتها "أونلاين" بإشراف عدد من المختصين باللغة العبرية والشؤون الإسرائيلية، جلّهم أسرى محررون، ويتلقى الطلاب الدروس وكأنّهم على مقاعد الدراسة؛ إذ إنّه بإمكانهم التفاعل مع المحاضر بكل سهولة ويجيب عن أسئلتهم المطروحة.
وسيتم بثّ المحاضرات، حسبما شرح الفليت، عبر منصة "Zoom الأمريكية"؛ حيث سيتم توفير صفوف افتراضية تحفظ حقّ الطالب، وتحفظ حقّ مركز نفحة، ومنح المتدربين شهادات معتمدة من جامعة فلسطين، قسم التعليم المستمر، ومركز نفحة للشؤون الإسرائيلية المرخص من وزارة التربية والتعليم.
لغة سهلة
ويبين مؤسس "منصة نفحة"؛ أنّ اللغة العبرية من أسهل لغات العالم تدريبياً، وهي لغة مرنة وسهلة في التعامل، وتعد إضافة جديدة إلى العالم، وتعليمها من خلال المنصة الإلكترونية سيساهم في كسر الحواجز النفسية التي تقف عائقاً أمام تعلمها.
اقرأ أيضاً: قوات الاحتلال تشنّ حملة اعتقالات جديدة في القدس
وبالإضافة إلى تعليم اللغة العبرية؛ هناك خمسة مساقات إضافية تعمل عليها منصة "نفحة"، والإعلام العبري، الشؤون الإسرائيلية، وقضية الأسرى في سجون الاحتلال، ومساق القضية الفلسطينية بين الواقع والمأمول، والترجمة العبرية، وذلك بحسب "الفليت".
والجدير بالذكر؛ أنّ هناك ما يزيد عن 100 طالب وطالبة من خارج حدود فلسطين تقدموا للالتحاق بالدبلومات التي تقدمها "منصة نفحة"، غالبيتهم من دول الخليج العربي ومصر والأردن، وعدد من الفلسطينيين في الشتات.
كيفية التعامل مع العدو
من جانبه، رحّب الكاتب الفلسطيني توفيق أبو شومر، بتأسيس منصة "نفحة" الإلكترونية لتعليم اللغة العبرية، وقال لـ "حفريات": "هذه المنصة خطوة في الاتجاه الصحيح للتعرف على المجتمع الإسرائيلي أكثر، ومن ناحية "اعرف عدوك"؛ حيث لا يكون الشعب الفلسطيني عرضة للاختراق الإسرائيلي في الحروب والأزمات، ويعرف كيف يتعامل مع عدوه في جميع الأوقات".
هناك مخاوف أن يستغل الاحتلال انتشار لغته، للتواصل بكل سهولة مع الفلسطينيين بعد إتقانهم العبرية لإسقاطهم في وحل العمالة
وأضاف "الهدف الذي تسعى إليه المنصة، هو تقريب الفلسطينيين وغيرهم من المجتمع الإسرائيلي، حتى يكونوا على دراية كاملة بكلّ ما يحدث هناك، وتعليمهم اللغة العبرية، وهذا مهم جداً؛ لأنّ الاحتلال الإسرائيلي يفعل كذلك، ويسخر كافة طاقاته لتدشين صفحات عبر منصات التواصل الاجتماعي، وأشهرها منصة "إسرائيل تتكلم العربية"، للتقرب من الفلسطينيين، ونشر الرواية الإسرائيلية بينهم، إضافة إلى فرض تعليم العربية على طلابها في المدارس والجامعات".
وتوقع الكاتب الفلسطيني أن يكون هناك إقبال كبير على تعلم هذه اللغة من خلال المنصة الإلكترونية؛ لأنّ التعليم من خلالها يكون أسهل بكثير من التعليم من خلال مقاعد الدراسة، كونها تواكب التطور التكنولوجي.
اقرأ أيضاً: مؤرخ مغربي: النبي موسى لم يكن على دراية بالعبرية
ويلفت أبو شومر إلى أنّ هذه المنصة تتيح الفرصة للفلسطينيين والعرب تعلم اللغة العبرية بكلّ سهولة، ومعرفة كيفية التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي، وفهم لغة عدوهم، وخاصة الأشخاص الذين يتنقلون عبر المعابر التي يسيطر عليها الاحتلال مثل التجار والمرضى.
التأثير نفسياً على الإسرائيليين
من جهته، يقول الصحفي الفلسطيني، محمد الكحلوت، لـ "حفريات" إنّ "تدشين منصة إلكترونية لتعليم العبرية محاولة جديدة لتعلم لغة عدونا، الذي يتقن لغتنا بشكل جيد ويوجه رسالته باللغة العربية السليمة، للتأثير في الرأي العام، فهذه المنصة تجعلنا نتقرب من المجتمع الإسرائيلي، ومخاطبته باللغة التي يفهمها، للتأثير عليه نفسياً واجتماعياً".
اقرأ أيضاً: الاحتلال ينتهك حقوق الأسيرات الفلسطينيات.. هذه أوضاعهن
ويعد الصحفيون أكثر فئة في حاجة إلى تعلم اللغة العبرية، وفهم ما يدور في داخل المجتمع الإسرائيلي، "لمساعدتهم في أعمالهم الصحفية، وترجمة الأخبار من الصحف العبرية بدلاً من نقلها عن الصفحات الإسرائيلية المشبوهة الناطقة باللغة العربية، والتي تهدف لنشر الأكاذيب بين الفلسطينيين".
ويلفت الكحلوت إلى أنّه "على الرغم من الجانب الإيجابي للمنصة الإلكترونية، ودورها في تعليم اللغة العبرية ونشر ثقافة المحتل؛ إلا أنه من الممكن أن يستغل الاحتلال انتشار لغته، للتواصل بكل سهولة مع الفلسطينيين بعد إتقانهم العبرية، لإسقاطهم في وحل العمالة".