أزمة أوكرانيا.. محاولة للفهم

أزمة أوكرانيا.. محاولة للفهم


08/02/2022

أحمد يوسف أحمد

كتبتُ في هذه الصفحة عن الأزمة الأوكرانية مرتين آخرهما الثلاثاء الماضي، استبعدتُ في أولاهما سيناريو الغزو الروسي المباشر لأوكرانيا، ليس لأن روسيا دولة غير «مراجِعة» أي غير راضية عن الوضع الراهن وتسعى لتغييره، ولكن لأنها تعلم أن الغزو المباشر مكلِّف مادياً وبشرياً رغم الخلل الفادح في ميزان القوى لصالحها، خاصة أن أياً من الحلفاء الغربيين لأوكرانيا، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، لم يتركوا أدنى شك في أن تدخلهم المباشر للدفاع عن كييف غير وارد. وكذلك تعلم روسيا أن الظروف الحالية مختلفة جذرياً عن تلك التي كان الاتحاد السوفييتي يصول فيها ويجول داخل أوروبا الشرقية دون قيود، كما حدث في المجر عام 1956وتشيكوسلوفاكيا عام 1968، وأن الخبرة الماضية الأقرب للتعلم منها هي الخبرة الأفغانية سواء كانت خبرة التدخل السوفييتي في أفغانستان عام 1979، والتي انتهت بخروج القوات السوفييتية عام 1989 دون تحقيق أهدافها، أو كانت الخبرة الأميركية الأخيرة التي لاقت المصير نفسه.. وبالتالي فليس وارداً أن تقوم روسيا بغزو شامل باهظ التكاليف غير مضمون النتائج يعرِّضها لردود فعل قوية من خصومها، بينما هي تستطيع أن تتبع أساليب أخرى أقل تكلفةً وأكثر فاعليةً، كما سبق أن فعلت في أوسيتيا الجنوبية عام 2008 وأوكرانيا ذاتها في عام 2014.
وهناك احتمالان بالنسبة لهذا التحليل الذي يستبعد وقوع الغزو المباشر وإن لم ينف سعي روسيا لتغيير الوضع الراهن، أولهما أن يكون تحليلاً خاطئاً، علماً بأن دوائر غربية في ألمانيا وفرنسا وغيرهما ودوائر غير رسمية في بريطانيا تتبني التحليل ذاته، بل ودوائر داخل أوكرانيا ذاتها، وقد أشارت مقالةُ الأسبوع الماضي إلى تسريبات الخلاف في تقييم الموقف بين الرئيسين الأميركي والأوكراني. ومع ذلك فإنه بافتراض خطأ هذا التحليل وصحة وجهة النظر الأميركية البريطانية بأن ثمة غزواً روسياً أكيداً ووشيكاً لأوكرانيا، يبدو أن ثمة مفارقة لافتةً بين المبالغة في تصوير خطر الغزو وتواضع أدوات الردع الغربية له، فلم يتم التلويح ولو على نحو غير مباشر في أي وقت من الأوقات بإمكانية اللجوء إلى القوة المسلحة من قِبَل حلفاء أوكرانيا. وهو موقف رشيد لاعتبارات عديدة، أهمها أن ميزان القوى العسكري يرجح كفة روسيا في أي مواجهة عسكرية محتملة، بغض النظر عن التكاليف الكارثية بالنسبة للجميع، ناهيك عن أن الوضع السياسي الداخلي الأميركي بعد الهزيمة في أفغانستان لا يمكن أن يشجع تدخلاً عسكرياً مباشراً في أوكرانيا، ومن هنا كان أقصى ما تحدث عنه بايدن في هذا الصدد هو تزويد أوكرانيا بأسلحة ونشر آلاف قليلة من جنوده في شرق أوروبا. وكذلك فعل حليفه بوريس جونسون. وهو عمل لا يمكن أن يكون له تأثير رادع عندما نتذكر ضخامة القوة الروسية، وكيف أن ما يزيد على 100ألف جندي أميركي لم يستطيعوا تحقيق النصر في أفغانستان.
ويلاحظ أن التركيز الأميركي في الحديث عن ردع الغزو الروسي كان على العقوبات الاقتصادية، وهي أداة ثبت عدم فاعليتها مع دول صغيرة مثل كوبا وفنزويلا وغيرهما، فما بالنا بدولة كبرى مثل روسيا.
أما الاحتمال الثاني فهو أن تكون دوائر صنع القرار الأميركية مدركة لصحة التحليل الوارد في هذا المقال، ومن ثم يثور السؤال عن السبب في التصعيد المستمر، وهنا يبرز احتمال التفسير بالعوامل الداخلية، فكل من الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء البريطاني يواجهان صعوبات داخلية، ومن شأن المبالغة في احتمالات غزو لن يقع والتهديد بعقوبات مدمرة تُوَقع على المعتدي، من شأن ذلك أن يُظهِر وكأن الردع قد أتى أُكلَه وأن الغزو لم يقع بفضله، مما يُحَسن الوضع الداخلي للقيادتين الأميركية والبريطانية، والله تعالى أعلم.

عن "الاتحاد" الإماراتية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية