أردوغان يفاقم أزمات المنطقة ويجدد في ليبيا صناعة الفوضى

أردوغان

أردوغان يفاقم أزمات المنطقة ويجدد في ليبيا صناعة الفوضى


11/01/2020

شهدت ليبيا، مؤخراً، عدة تحولات في مسار الأزمة السياسية والميدانية، على خلفية الصراع الراهن حول الغاز في شرق المتوسط، وما يعكسه من تباينات في المواقف الإقليمية بين عدة أطراف، تبدو فيها طرابلس مسرحاً جاهزاً للأحداث، التي تتفاقم بوتيرة سريعة، خاصة، بعد أن وافق البرلمان التركي، قبل بضعة أيام، على مذكرة تفويض رئاسية، بهدف إرسال قوات إلى ليبيا، لجهة دعم حكومة الوفاق في طرابلس، بقيادة فايز السراج، وهو ما جرى فعلاً بإعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا الأمر الذي يؤزم المشهد الليبي.

ليبيا وتكرار السيناريو السوري
وعلى ما يبدو أنّ الملف الليبي الذي يفاقم به أردوغان الأوضاع الإقليمية، ويغامر في جولة عسكرية جديدة بالمنطقة، بعد دعمه للجماعات المسلّحة في سوريا، ومن بينها التنظيمات الجهادية، لا سيما تنظيم "داعش"، أضحى نقطة إغراء محمومة ومنافسة محتدمة تصعد على جدول أعماله وسياساته الخارجية، التي اختار فيها المواجهة العسكرية والصدام المسلّح، بالرغم من تداعيات ذلك، محلياً وإقليمياً، على أنقرة، خاصة، وأنّ هناك معارضة قوية، لا يستهان بها، تشكلت ضد قراره في الداخل، من عدة أحزاب سياسية، بالإضافة إلى زيادة عزلته الإقليمية، وخصومته مع اليونان التقليدية، بالإضافة إلى مصر.

أوزغور أوزال: من يتخذ خطوة خطيرة كهذه ولا يفكر في عواقبها، لا يمكن أن يكون رجل دولة

سبق إعلان أنقرة إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، توقيع مذكرة تفاهم أخرى الشهر الماضي، مع حكومة الوفاق، والتي تتعلق بإرسال أسلحة وعسكريين، فضلاً عن القيام بالتدريب للأفراد المقاتلين بليبيا، بيد أنّ التفويض الأخير يسمح بإرسال قوات غير قتالية إلى جانب العسكريين، مثل؛ مستشارين ومدربين لقوات الحكومة في حربها ضد قوات الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، وهو ما يجدد فصلاً في الحرب الأهلية الليبية، ويعكس توغلاً من الجانب التركي، يكشف طموحات تركيا الإقلمية التوسعية؛ حيث يستهدف عسكرة المنطقة الاقتصادية في شرق المتوسط، بحسب مراقبين ومحللين، وكسب ورقة ضغط لضم أنقرة للحصول على حصة في الغاز والطاقة الذي يجري التنقيب عنه، بواسطة مصر وقبرص واليونان، بالإضافة إلى تأمين بوابتها الإستراتيجية نحو أفريقيا.

المعارضة التركية: أردوغان ليس رجل دولة

شكلت أحزاب المعارضة، ومن بينها حزب الشعب الجمهوري، جبهة صمود قوية دانت من خلالها التفويض، ورفضت إقراه في البرلمان، رغم أنّها لم تستطع تعطيله؛ إذ اعتبرت تلك الخطوة ستؤدي إلى زيادة حدة الصراع الليبي وانتشاره في المنطقة، بينما هاجم أوزغور أوزال، نائب رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، الرئيس التركي، أردوغان، وقال في تصريحات صحفية: "من يتخذ خطوة خطيرة كهذه ولا يفكر في عواقبها، لا يمكن أن يكون رجل دولة".

أونال تشفيك أوز: قرار أردوغان كارثي لأنه يعني تعريض تركيا لخطر كبير،وتحويلها لدولة تحارب بالوكالة عن جهات أخرى

ووصف أونال تشفيك أوز، نائب رئيس الشعب الجمهوري، مذكرة التفويض الرئاسي بإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، التي وافق عليها البرلمان بأنّها: "قرار كارثي بكل المقاييس؛ لأنه يعني تعريض تركيا لخطر كبير، وتحويلها إلى دولة تحارب بالوكالة عن جهات أخرى، وهو أمر مخز؛ حيث تؤدي هذه الخطوة إلى انتهاك الدستور التركي، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة".
وأردف: "هذه المذكرة تتعارض مع المادة 92 من الدستور التركي، ومع قرارات مجلس الأمن، بينما الحل العسكري للأوضاع في ليبيا يجب أن يكون الخيار الأخير؛ فهذه الخطوة الخطيرة ستزيد الأمور تعقيداً، ويتعين على مجلس الأمن الدولي إرسال جنود حفظ سلام إلى ليبيا، بدلاً عن الجنود الأتراك".

اقرأ أيضاً: أوهام الإسلام السياسي في ليبيا
من جهتها، لفتت زعيمة "الحزب الجيد" المعارض، ميرال أكشنار، في سياق رفضها لمذكرة التفويض، إلى أنّ إقرار البرلمان التركي بإرسال قوات إلى ليبيا، سوف يترتب عليه زيادة عزلة تركيا وخصومتها مع الدول العربية؛ حيث قالت: "التدخل التركي سيزيد الوضع في ليبيا سوءاً، ويقحم تركيا في صراعات مع الدول العربية ويحول ليبيا إلى سوريا أخرى".

اقرأ أيضاً: هل يدعم الإخوان المسلمون تنظيم داعش في ليبيا؟
وفي سياق متصل، قالت أونال شفيق أوز، نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري، إنّ القرار سيجعل من تركيا طرفاً أساسياً في الأزمة، بينما الهدف هو التوصل لحل سياسي وليس عسكرياً.
وغداة إعلان أردوغان إرسال جنوده إلى ليبيا، دأب الموقف الرسمي المصري الذي دان تلك الخطوة، وكذا، الجامعة العربية، على تحري عدة إجراءات مباشرة على المستويين، الدبلوماسي والعسكري؛ إذ قام الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة المصرية، بنشر بيان حول تنفيذ عملية برمائية كاملة في إحدى مناطق البحر المتوسط، وذلك في إطار تدريب القوات المسلحة المصرية، بينما سبقه اجتماع للرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، مع قيادات أفرع القوات المسلحة المصرية.

تركيا نحو الهاوية
ومن ناحية أخرى، عقدت القاهرة الأربعاء الماضي اجتماعاً تنسيقياً يضم وزراء خارجية مصر وفرنسا وإيطاليا واليونان وقبرص، بهدف بحث تطورات الشأن الليبي، وبحسب بيان الخارجية المصرية، فإنّ الاجتماع ناقش "سبل دفع جهود التوصل إلى تسوية شاملة تتناول كافة أوجه الأزمة الليبية، والتصدي إلى كل ما من شأنه عرقلة تلك الجهود".

اقرأ أيضاً: تركيا تتدخّل في ليبيا من أجل الغاز.. و"الإخوان"
وفيما يتعلق بالتدخل التركي في ليبيا، يقول الكاتب المحلل السياسي، باز علي، المقيم في برلين، إنّه قد بات واضحاً أنّ أردوغان يقود تركيا نحو الهاوية، حسب وصفه، وهو يظن أنّه يصعد بها إلى القمة، فلم يكتف بما تسبب به من كوراث في سوريا، جعلتها تعيش تحت وطأة نتائج تدخله السافر فيها، حين جعل تركيا ممراً آمناً لمرور الآلاف من الجهاديين والإرهابيين، وهو ما يعيد تكرار فصوله، مجدداً، في الحالة الليبية، الأمر الذي سيفاقم الوضع الليبي، ويؤدي إلى مزيد من انسداد أفق الحل السياسي.

محلل سياسي: يبدو أنّ أردوغان وحزبه لم يتخلوا، حتى الآن، عن فكرة إحياء الإمبراطورية العثمانية

وعن دوافع أنقرة وراء هذا التدخل، يجيب علي في حديثه لـ "حفريات": "في تقديري، لا يقف الأمر وحده عند الدافع الاقتصادي، وبسط النفوذ على حركة الملاحة، والتنقيب عن الغاز في المتوسط، هذه عوامل ومحركات يمكن اعتبارها ثانوية بالنسبة لعقلية أردوغان وحزب العدالة والتنمية؛ بل السبب الرئيس وراء هذا التحرك هو الطموح "الإخواني" والتوسعي لدى أردوغان الذي يسعى دوماً للسيطرة على الحكم في دول المنطقة، فبعد فشله في مصر وسوريا، وتعرقل مشروعه في تونس إلى حد كبير، يأتي اليوم ليحاول قلب الموازين في ليبيا، فيقدم كل الدعم غير المشروط لحكومة السراج التي هي ذات طابع إخواني واضح".
ومن جهة أخرى، يبدو أنّ أردوغان وحزبه لم يتخلوا، حتى الآن، عن فكرة إحياء الإمبراطورية العثمانية أو ما يعرف بـ"العثمانيين الجدد"، بحسب علي، وهذا يمكن فهمه من خلال تلميحاته المستمرة، بأنّ ليبيا تقع ضمن إرث الدولة العثمانية؛ وهي وجهة النظر ذاتها، التي كان يتحدث بها ليبرر تدخله في الشأن السوري والعراقي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية