كثّف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الآونة الأخيرة من الظهور الإعلامي الاستعراضي ومن خطابات موجهة بالأساس للشباب، إلا أنّها أيضاً تشكّل رسائل للقواعد الانتخابية التركية ضمن محاولات ترميم شعبيته التي تراجعت خلال الأعوام القليلة الماضية، على ضوء أزمات متعددة سياسية واقتصادية واجتماعية.
وبرغم أنّ أردوغان دأب على الاستعراضات السياسية بمناسبة وبغير مناسبة، فإنّ نشاطه المكثف تزامن مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية التركية، المتوقع أن تكون الأشرس في تاريخ البلاد، وسط ترجيحات بأن يكون التنافس محموماً بين الأحزاب السياسية، وهو ما عدّه متابعون للشأن التركي حملة انتخابية مبكرة جدّاً.
جهود لترميم العلاقات الإقليمية
جهود أردوغان الانتخابية انطلقت مؤخراً لترميم علاقات بلاده الإقليمية والدولية التي تضررت بشدة نتيجة المعارك والأزمات التي فجّرها على أكثر من جبهة داخلية وخارجية، محاولاً استقطاب المزيد من الأنصار مع إعلانه مراجعات شاملة اقتصادية وسياسية وقانونية، وتسويات مع الاتحاد الأوروبي ضمن ما سمّاه "تصحيح مسار العلاقات"، ومع بعض الدول الخليجية وسوريا ومصر.
وكان أردوغان قد عبَّر علناً في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) 2022 عن رغبة بلاده في تطبيع العلاقات مع سوريا، دون أن يستبعد لقاءً على مستوى القمة في المستقبل، ولم يلبث أن تابع تصريحه ذاك بعد أيام قليلة بالإشارة إلى أنّه طرح على الرئيس فلاديمير بوتين اقتراحاً بتولي روسيا تنظيم مسار ثلاثي للدفع بعملية تطبيع العلاقات التركية -السورية. والواضح أنّ لقاء وزراء دفاع وقادة استخبارات الدول الـ (3) بموسكو كان الخطوة الأولى في هذا المسار.
وبعد أعوام من التوتر بين البلدين، صافح أردوغان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في قطر في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، فيما وصفه بيان للرئاسة المصرية بأنّه بداية جديدة في العلاقات الثنائية بينهما.
سياسة إذابة الجليد نفسها انتهجها أردوغان مع الإمارات ولاحقاً مع السعودية، وباقي الدول التي دخل معها في صراع، في إطار ما اعتبرها مراقبون سياسة "تصفير الأزمات والمشاكل" التي تنتهجها الدبلوماسية التركية خلال العامَين الماضيَين تحديداً، من خلال إعادة النظر في المواقف السياسية الصلبة إزاء الخصوم الإقليميين، ممّا يفتح نوافذ جديدة من التعاون والتواصل.
هذا، ويسعى أردوغان لتحقيق منجز اقتصادي معيّن، حتى لا يتم استغلال تلك النقطة ضده من قبل أحزاب المعارضة.
مبادرات دستورية
وقد قبلت اللجنة الدستورية للبرلمان التركي الثلاثاء مشروع قانون التعديل الدستوري الذي يوفر للنساء ضمانات دستورية للحجاب.
وبموجب الاقتراح، أضيفت أحكام تنصّ على ضمانات دستورية للحجاب إلى المادة (24) من الدستور، وبناءً عليه، فإنّ القطاع العام أو الخاص لن يشترط على أيّ امرأة "تغطية أو كشف الرأس"، بحسب ما نشرته صحيفة "زمان" التركية.
يقود أردوغان محاولات لترميم شعبيته التي تراجعت خلال الأعوام القليلة الماضية على ضوء أزمات متعددة سياسية واقتصادية واجتماعية
ووفق القانون، ليس من حق أحد حرمان النساء من الحق في التعلم، أو العمل، أو الانتخاب، أو أن تنتخب، أو أن تشارك في النشاط السياسي، أو أن تشارك في الخدمات العامة، أو أن تستخدم أيّ حق أساسي آخر، أو أن تستفيد من السلع والخدمات العامة أو في القطاع الخاص، بسبب معتقدها الديني، ولا يمكن حرمانها من اللباس الذي تفضله، وبالتالي لا يمكن إدانتها أو لومها أو إخضاعها لأيّ تمييز.
وجاء أيضاً في القانون: فيما يتعلق بالملابس، إذا كان هناك اشتراط بشأن الخدمة التي يتم تلقيها أو تقديمها، فإنّ الحكومة ستكون قادرة فقط على اتخاذ الإجراءات اللازمة، بشرط ألّا تمنع المرأة من تغطية رأسها بسبب معتقدها الديني وتفضيلها ارتداء -الحجاب- بأيّ شكل من الأشكال.
وكان كليجدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري أول من أثار قضية تقديم تشريع لضمان حرية الحجاب بشكل أكبر، وقرر الرئيس أردوغان اختلاس الفكرة لصالحه وصياغتها بشكل أعم؛ إذ قدّم مقترحاً بإجراء تعديل دستوري لإقرار حرية ارتداء الحجاب في كافة قطاعات الدولة، كبديل لمقترح زعيم المعارضة بتشريع قانون يضمن حرية ارتداء الحجاب في الأماكن العامة.
وتريد أحزاب المعارضة إحباط تمرير التعديل الدستوري، ردّاً على سياسة الحزب الحاكم القائمة على التعاون لتمرير التشريعات التي يعدّها فقط، والإصرار على رفض جميع التشريعات التي تقدّمها أحزاب المعارضة، بالإضافة إلى اتخاذ إجراءات للتضييق عليهم.
وكان الرئيس رجب طيب أردوغان قد قال: إنّه إذا لم يمرر البرلمان التعديل الدستوري، فسيلجأ إلى الشعب، في إشارة إلى إجراء استفتاء.
وقد قبلت اللجنة الدستورية في البرلمان التركي مشروع قانون تعديل دستوري يحدد شروط صحة الزواج، بما يمنع زواج المثليين.
جهود أردوغان الانتخابية انطلقت مؤخراً لترميم علاقات بلاده الإقليمية والدولية التي تضررت بشدة نتيجة المعارك والأزمات التي فجّرها
وفي إطار التأكيد على رفض زواج المثليين، تمّ تغيير عنوان البند الأول من المادة (41) من الدستور، "حماية حقوق الأسرة والطفل"، إلى "حماية الأسرة والاقتران بالزواج وحقوق الطفل".
البند يذكر أنّ الأسرة هي أساس المجتمع، ويضيف شرطاً لصحة الزواج، ويعيد الاقتراح تعريف الزواج بأنّه "لا يمكن تأسيسه إلا من خلال الزواج بين رجل وامرأة".
وقبل أيام أكّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تقديم موعد الانتخابات إلى يوم 14 أيار (مايو) المقبل، كموعد لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في تركيا، بعد أن كانت مقرّرة بادئ الأمر في 18 حزيران (يونيو) المقبل، لكنّ كثيراً من المراقبين توقّعوا تقريب الموعد، قبل أن يؤكد أردوغان ذلك.
شعار الحملة الانتخابية
وعمل الرئيس التركي، الذي خسر الرهان على جماعات الإسلام السياسي لإسقاط أنظمة رأتها تركيا في وقت ماضٍ "عقبة" في طريق توسعها، على تأجيل مختلف القرارات التي يمكنه تأجيلها إلى شهر تشرين الأول (أكتوبر) المقبل لتتزامن مع مئوية تأسيس "الجمهورية التركية".
ويطلق الرئيس التركي على مئوية تركيا التي ستحتفل بها البلاد في أواخر تشرين الأول (أكتوبر) المقبل اسم "قرن تركيا"، الذي قد يكون من المحتمل اسم الحملة الانتخابية للرئيس التركي، وحزبه "العدالة والتنمية"، في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
ولم يستبعد مدير مركز تركي شهير يجري استطلاعات للرأي استخدام الرئيس التركي لمصطلح "قرن تركيا" كاسم لحملته الانتخابية في انتخابات هذا العام، التي تبدو "حاسمة ومصيرية" بالنسبة إلى الرئيس الذي يواجه تحدّيات داخلية كبيرة أبرزها الأزمة الاقتصادية.
واعتبر في تصريحات صحفية أنّ "أردوغان يستخدم هذا المصطلح لدفع الأنظار عن المشاكل الحقيقية التي تعاني منها البلاد كالأزمة الاقتصادية".
ودأب الرئيس التركي على استخدام مصطلح "قرن تركيا" وتكراره منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، حين أعلن عن رؤية حزبه لتركيا خلال الـ (100) عام المقبلة.