أردوغان وكليتشدار... الجميع شعر بالهزيمة

أردوغان وكليتشدار... الجميع شعر بالهزيمة

أردوغان وكليتشدار... الجميع شعر بالهزيمة


17/05/2023

كلّ الانتخابات استعراض، بالكلمات والجولات والوعود والتنازلات أيضاً، حتى في تركيا التي يتعاطى معها الشارع العربي بالوجدان المحض، تبدو حالة استعراضية في جولتها الأولى، بدأت باستعراض رجب طيب أردوغان بتلقيم النتيجة الحاسمة في أفواه الناس، ناخبين ومتابعين حين قرر بحسم "واثقون من الفوز"...، وبدأت أيضاً باستعراض كليتشدار وأنصاره بأنّ استعدادات (20) عاماً من الصبر والانتظار والتصميم على كسر شوكة النظام الرئاسي الأردوغاني يجب أن تحقق الهدف بالحسم.

مرّت الجولة الأولى، ووجد المتنافسان نفسيهما يبلعان ريقهما بهدوء متعب، كما لو أنّ أحدهما يقول للآخر: لا أحد ينجو من فخ الهزيمة، ليس هناك حسم ولا انتصار ولا فوز إلا بطعم الهزيمة، ولو قليلاً.

ما أريد  قوله: إنّ الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان كان مستوى الثقة بالفوز والحسم كبيراً لديه، كان مقتنعاً أنّ (20) عاماً من السلطة والرئاسة والإنجازات والتحديات والبروتوكولات والعلاقات والكاريزما كفيلة بتحقيق الحسم من أول جولة، لكنّ ذلك كان فيه الكثير من الوهم غير المريح، والحسابات الاستعراضية،  والتعامل مع السياسة بمنطق غير سياسي، فالانتخابات ليست إنجازات وبناء بيوت ومطارات فحسب، إنّها أيضاً بناء قناعات، لكن ماذا كان يمكنه أن يفعل إذا كان ثمّة قناعات تنمو بقوة بضرورة التغيير، وأنّ من حق المجتمع التركي أن يعيش التغيير، وأن يجرّب آخرون قدرتهم على الحكم والسلطة والخدمة؟.

يذهب أردوغان إلى الجولة الثانية مصاباً بجرح، وكليتشدار أيضاً، جرح في الكبرياء الداخلي بتراجع الحضور والشعبية والتأييد

منذ بدء الانتخابات، وما قبلها من مخاضات، وأنا تقفز أمامي فكرة عدم ترشح أردوغان، وأنّه فعلها بحكمة الواثق، وقدّم شخصية رئاسية بديلة، ودعمها بكل ثقله ووزنه السياسي والكاريزماتي، لكي يبرهن أنّه معنيٌّ أوّلاً وأخيراً بأن يفوز النهج لا الشخصية، وأن تصل الطريق أوّلاً إلى الغاية قبل الأقدام، وإلّا فإنّ الأقدام التي ليست تحتها طريق ستبقى قليلاً معلقة في الهواء والفراغ ثم تسقط...، كل هذا ليس كُرهاً بفوز أردوغان، الرجل قوي وعنيد وسياسي بارع، ولديه مشروع يكافح من أجله، لكنّ حماسته الزائدة وثقته الزائدة تُنقِصه.

يذهب أردوغان إلى الجولة الثانية مصاباً بجرح، وكليتشدار أيضاً، جرح في الكبرياء الداخلي بتراجع الحضور والشعبية والتأييد، في الوقت الذي يشعر بأنّه يتقدم في خدمة تركيا والأتراك ومظلومي العالم، إذن ما المشكلة؟ وأين هي؟  إنّها في التفاصيل الصغيرة، أو التي يعتبرها أردوغان صغيرة وغير مهمّة، وأهم هذه التفاصيل أن يقتنع المجتمع بأنّ أردوغان ليس نبياً، وأنّه ليس شرطاً أن من يخرج عن أثر نعليه، إمّا أنّه مسيلمة أو طليحة وكلاهما كذاب...، القائد الذي لا يثق بأنّه استطاع أن ينتج أو يصنع قادة مثله وبعده، ليس قائداً، إنّه ليس سوى رجل سلطة.

أمّا كمال كليتشدار أوغلو،  فقد جاء إلى هذه الانتخابات حاملاً على أكتافه إرثاً ثقيلاً من الهزائم السابقة المتكررة للمعارضة التي أصبح اليوم يمثلها وينافس باسمها، بما تضمه من قوميين وإسلاميين وعلمانيين وليبراليين، ولكم أن تتخيلوا أنّ عامين كاملين من المداولات لـ (6) أحزاب كبرى ومهمّة على طاولة سداسية، بالتأكيد كان فيها كثير من الجدل بين القبول والرفض، لكنّها خرجت على كل حال بتوافق معلن على كليتشدار، لتهزم به أردوغان.

على أردوغان وكليتشدار ألا يقدّما وعوداً في الجولة الثانية؛ بل تنازلات؛ لأنّ "جولة ثانية" لم تتكرر منذ 100 عام، بالتأكيد تحمل مفاجأة

ائتلاف ضخم وكبير كهذا، خاصة أنّه مدعوم أيضاً بشخصيات توصف بأنّها من رفاق درب أردوغان السابقين، مثل أحمد داود أوغلو وعلي باباجان، وزعماء آخرين لهم حضورهم القوي في الساحة السياسية التركية، كانت النتيجة صادمة لقواعده على أقل تقدير، لقد شعروا بالهزيمة والفشل فعلاً، كأنّ أحدهم يتساءل: ما الذي يمكننا فعله أكثر من ذلك؟ هم بالضرورة قدّموا كل ما يلزم المنافسة من إصرار وحشد وتصويت، لكنّ قادة الأحزاب الـ (6) ربما كان ينقصهم شيء ما، فهم مقتنعون جداً أنّ إرادة التغيير في تركيا حجمها أكبر بكثير من 50%، لكنّ الأرقام قالت غير ذلك.

ربما كان (أوغان) هو من ينقصهم، أعتقد أنّ هذا الرجل الذي فجّر المنافسة تحت (4) أقدام رجلين قويين، كان يمشي على أكثر من (4) أقدام، إنّه كل الذين لم يؤمنوا بنهج أردوغان ومزيج كليتشدار، أقصد أنّه لم يكن مجرد منافس، قد يكون الفخ الذي لم يتوقعه أحد، كي يمنع 50% أردوغان من استكمال طريقها إلى الرئاسة، فأعطى فرصة لا تعوّض للمعارضة في جولة ثانية قادمة، لكن، يدرك أردوغان ويدرك كليتشدار أنّه في الجولة الثانية يجب ألّا يقدّموا وعوداً، بل تنازلات، لأنّ (جولة ثانية) لم تتكرر منذ (100) عام، بالتأكيد تحمل مفاجأة.

مواضيع ذات صلة:

تركيا: هذه الأفعال محظورة يوم الانتخابات... ماذا عن المشاركة النسائية؟

تركيا تنتخب رئيسها.. هل سيقبل أردوغان الهزيمة بسلاسة ويتنحى؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية