أردوغان وحزب العدالة والتّنمية: خيانة اللاجئين والمضطَهدين

ترجمة: محمد الدخاخني

يُعتقد على نطاق واسع أنّ الأب المؤسّس لتركيا، مصطفى كمال أتاتورك، كان ينظر إلى العرب على أنّهم أدنى منزلةً من الأتراك، لكن من الصّعب تحديد ما إذا كان هذا صحيحاً، وما إذا كان إرثاً لقرون من الحكم العثمانيّ للأراضي العربيّة، لكنّه يساعد في تفسير قراراته بالتّخلّي عن الكتابة بالحروف العربيّة، وكبح الالتزامات الإسلاميّة، وحظر الطّربوش، واعتناق الطّرق الغربيّة العلمانيّة.

كان مفهوم أتاتورك ذاته عن ماهيّة "التّركيّ"، الرّكيزة الأساسيّة للقوميّة التّركيّة، يدور إلى حدّ بعيد حول الشّعور بالتّفوّق وعدم الثّقة بالأجانب، وهو ما يبدو مناسباً من حيث إنّ جذر كلمة "أجنبيّ" في التّركيّة "yabanci"، يعني "همجيّ" أو "متوحّش".

فيما كانت الإمبراطوريّة العثمانيّة كوزموبوليتانيّة، رفعت جمهوريّة أتاتورك أنفها أمام الغرباء.

ونتيجة لذلك، أستُدخلت الآراء المعادية للعرب في المجتمع التّركيّ، وأصبح العديد من الأتراك ينظرون إلى نظرائهم على أنّهم حديثون وإلى جيرانهم الجنوبيّين على أنّهم "متخلّفون".

من علمانية إلى عثمانية

تأسّس "حزب العدالة والتّنمية"، الذي يتزعّمه الرّئيس التّركيّ، رجب طيب أردوغان، عام 2001، وتحوّل من علمانيّة أتاتورك العدوانيّة إلى رؤية أكثر عثمانيّة، معتنقاً الهويّة الإسلاميّة ومقياساً للاندماج الشّرق أوسطي. وصل الحزب إلى السّلطة، عام 2002، وبدا أنّه يُضاعف من هذه المقاربة بعد أن أبطأ مفاوضو الاتّحاد الأوروبيّ محاولة تركيا الانضمام إليه، وعندما بدأت الحرب الأهليّة في سوريا، اتّخذت أنقرة ما رآه كثيرون الموقف الأخلاقيّ: مثل الرّئيس المصريّ، حسني مبارك، والرّئيس التّونسيّ، زين العابدين بن علي، كان على بشار الأسد الرّحيل.

أدّى هذا، بدوره، إلى قبول اللاجئين السّوريّين، الذين بحلول عام 2012، كانوا يعبرون إلى تركيا بعشرات الآلاف، وسعياً منه لتنصيب تركيا بطلةً للمسلمين المضطّهدين في كلّ مكان، قدّم أردوغان ترحيباً حارّاً بـ "إخواننا" من سوريا التي مزّقتها الحرب، ووصل عدد الوافدين الجدد إلى 2 مليون، ثمّ 3 ملايين، وأخيراً 4 ملايين.

دولة صديقة للمهاجرين!

بدأت تركيا في منح الجنسيّة للسّوريّين، وتصدّر أردوغان عدداً من استطلاعات الرّأي باعتباره الزّعيم الإسلاميّ الأكثر شعبيّة في المنطقة.

كنت أعيش في إسطنبول في ذلك الوقت، وحاججتُ بأنّ تركيا لديها الفرصة لتصبح دولة صديقة للمهاجرين، ممّا يعزّز علاقاتها الإقليميّة وكذلك اقتصادها. وأكّدتْ مقالة مطوّلة في "نيويورك تايمز ماغازين"، نُشرت عام 2016، أنّ اللاجئين بدؤوا في جعل الأتراك "يعيدون التّفكير في كيفيّة رؤيتهم لبلدهم، وتاريخهم، وحتّى أنفسهم".

بينما فتحت أنقرة الباب أمام تتار القرم والرّوس والأوكرانيّين الفارّين، يقول أردوغان إنّ تركيا تتوقّع إعادة ما لا يقلّ عن مليون لاجئ سوريّ، بعد نصف مليون عادوا بالفعل

ومع ذلك، الآن، مع اقتراب موعد الانتخابات التي من المقرّر عقدها العام المقبل، يبدو أنّ الواقع قد تغلّب على "حزب العدالة والتّنمية".

بلغ التّضخّم أعلى مستوياته في 24 عاماً، وتدنّت الليرة إلى مستويات قياسيّة، وبالكاد يستطيع عشرات الملايين من الأتراك شراء الطّعام أو دفع فواتيرهم. وأشار استطلاع للرّأي، الأسبوع الماضي، يُظهر دعماً بنسبة 28 في المئة للنّظام الرّئاسيّ التّنفيذيّ في تركيا، وهذه من بنات أفكار أردوغان التي تمّت الموافقة عليها، عام 2017، إلى مستوى الدّعم الذي قد يتوقّعه زعيم البلاد طويل الأمد في استطلاعات الرّأي.

إذا لم يُلق الأتراك باللائمة على رئيسهم بشأن مشكلاتهم الاقتصاديّة، فإنّهم يلقون باللائمة على السّوريّين. وهكذا، فإنّ التّصاعد الأخير في حوادث العنف ضدّ اللاجئين، ومشاهد الشّوارع مثل ذلك الذي انتشر الشّهر الماضي، عندما قام حشد من سكان إسطنبول بمضايقة شابّ سوريّ يُدعى أحمد كنجو (17 عاماً) وحثّه على العودة إلى دياره، توسّل كنجو لهم قائلاً: "اضطّررت إلى ترك المدرسة بسبب العنصريّة"، وأضاف: "أنتم تلومون السّوريّين على كلّ شيء".

وقد استفادت المعارضة، كما قد يتوقّع المرء، من هذه الآراء، عام 2019، على الرّغم من الحملة التي سَعت إلى مواجهة الشّعبويّة بـ "الحبّ الرّاديكاليّ"، رَكِبَ "حزب الشّعب الجمهوريّ" المعارض، حزب أتاتورك، المشاعر المعادية للاجئين، محقّقاً انتصارات كبيرة في العديد من المدن الكبرى في تركيا، بما في ذلك أنقرة وإسطنبول وأنطاليا وأضنة.

كراهية الأجانب

ازداد خطاب كراهية الأجانب منذ ذلك الحين، وتعهّد زعيم "حزب الشّعب الجمهوريّ"، كمال كيليجدار أوغلو، مراراً وتكراراً، بإعادة السّوريّين كافّة إلى وطنهم في حالة وصول الحزب إلى السّلطة، في حزيران (يونيو) المقبل. وتُفيد أحدث أخبار السّياسيّ القومويّ الأكثر ضراوة في تركيا أوميت أوزداغ، من "حزب النّصر"؛ بأنّ الحكومة منحت الجنسيّة لما يقرب من 1.5 مليون سوريّ ، حوالي خمسة أضعاف الرّقم الرّسميّ.

في غضون ذلك، يبدو أنّ الحكومة أرجأت هجوماً آخر مخطّطاً له في سوريا لتركّز، بدلاً من ذلك، على البناء والأمن في المناطق التي تسيطر عليها جنوب الحدود.

وبينما فتحت أنقرة الباب أمام تتار القرم والرّوس والأوكرانيّين الفارّين، يقول أردوغان إنّ تركيا تتوقّع إعادة ما لا يقلّ عن مليون لاجئ سوريّ، بالإضافة إلى نصف مليون عادوا بالفعل.

اليأس الاقتصاديّ والانتخابيّ شجّع على صحوة قوميّة - عمليّة إعادة ترتيب لأولويات الأتراك يمكن أن يُنظر إليها، أيضاً، على أنّها خيانة للمتمرّدين واللاجئين السّوريّين، والفلسطينيّين وغيرهم

وقد قالت وزيرة الأسرة والخدمات الاجتماعيّة في تركيا، دريا يانيك، الأسبوع الماضي، في أضنة: "سوف يرغبون في الذّهاب بعد أن نحقّق الأمن هناك، وسوف نرسلهم إلى هناك"، متعهّدةً بأنّه؛ بعد عام 2023، سيرحِّل اللاجئين السّوريّين كافّة، وأضافت: "لكن، في الوقت الحالي، لا يوجد مكان نرسلهم إليه".

البعض يلوم أنقرة على ذلك، بعد يوم من الضّربات التّركيّة التي قتلت العديد من أفراد القوّات الحكوميّة السّوريّة بالقرب من كوباني، الأسبوع الماضي، قتلت غارة بطائرة من دون طيار أربع فتيات على الأقلّ في منطقة الحسكة، شمال شرق سوريا، وألقى الأكراد السّوريّون باللائمة على تركيا في الهجوم الأخير، أيضاً.

ومع ذلك، أنهت تركيا بناء أكثر من 62 ألف منزل جديد في إدلب، مع خطط لبناء حوالي 200 ألف منزل في شمال سوريا، وعلى كلّ حال، فإنّ ضمان سلامة العائدين سيتطلّب سلاماً دائماً وضوءاً أخضر من دمشق، وقد صرّح وزير الخارجيّة التّركيّ، مولود جاويش أوغلو، هذا الشّهر: "علينا أن نجعل المعارضة والنّظام يتصالحان بطريقة ما في سوريا".

معارضو نظام الأسد محبطون

أثار التّعليق احتجاجات غاضبة في جميع أنحاء الأراضي التي تسيطر عليها تركيا في شمال سوريا، حيث عبّر معارضو نظام الأسد عن إحباطهم من الانقلاب الواضح لسياسة تركيا، على الرّغم من أنّه كان متوقّعاً لبعض الوقت. وقد بدا أنّ أردوغان أكّد هذا التّحول، الأسبوع الماضي، قائلاً إنّ تركيا لا تسعى إلى إزاحة الأسد وإنّ المشاركة بحاجة إلى مزيد من العمل.

تشير عدّة تقارير إلى اجتماع ثنائي رفيع المستوى في الأيّام المقبلة، ربما بتيسيرٍ من روسيا، والفوائد المحتملة للتّطبيع واضحة. من المفترض أن تكون أنقرة قادرة على العمل مع دمشق وطهران وموسكو لممارسة ضغط أكبر على المقاتلين الأكراد السّوريّين على طول الحدود، على الرّغم من أنّ هذه الجهود ستكون محدودة بسبب الوجود العسكريّ الأمريكيّ، إضافة إلى ذلك، فإنّ عودة 1 إلى 2 مليون سوريّ ستجذب، بالتّأكيد، النّاخبين القوميّين والكماليّين، وقد تساعد في تخفيف الضّغط الاقتصاديّ في الفترة التي تسبق انتخابات العام المقبل.

لكن هناك مُقايضة: إذا كنتَ تهدف إلى تحسين العلاقات مع إسرائيل وبعض الدّول العربية، التي ربما تكون سوريا الأحدث بينها، في الآن نفسه بينما تُرسل عدداً لا يحصى من العائلات إلى خطر محتمل، فلا يمكنك بعد الآن الادّعاء بأنّك بطل المنطقة الإنسانيّ والإسلاميّ العظيم.

على مدار عقد من الزّمان، صوّر "حزب العدالة والتّنمية" الحاكم في تركيا نفسه بشكل مقنع على أنّه متضامن مع الشّعوب العربيّة، ومستعدّ وراغب في تقديم المساعدة والملاذ للمسلمين المضطّهدين، لكنّ اليأس الاقتصاديّ والانتخابيّ شجّع، الآن، على صحوة قوميّة - عمليّة إعادة ترتيب لأولويات الأتراك يمكن أن يُنظر إليها، أيضاً، على أنّها خيانة للمتمرّدين واللاجئين السّوريّين، ناهيك عن الفلسطينيّين وغيرهم.

بطبيعة الحال، من غير المرجّح أن يؤدّي تخفيف معارضة الأسد ومهاجمة المسلّحين الأكراد السّوريّين، الشّريك المحلّي في التّحالف المناهض لـ "داعش"، إلى تحسين علاقات تركيا المضطّربة مع الولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبيّ. والأمر الذي يزيد الطّين بِلة أنّه، من النّاحية السّياسيّة، قد يتّضح أنّ التّحوّل برمته ضئيل للغاية ومتأخّر للغاية بالنّسبة إلى أردوغان و"حزب العدالة والتّنمية".

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

ديفيد ليبيسكا، ذي ناشونال، 22 آب (أغسطس) 2022

https://www.thenationalnews.com/opinion/comment/2022/08/23/turkeys-ruling-party-syrian-refugees-and-the-return-of-kemalism/